خمسون ألف مقاتل… والوجهة: السويداء!

خمسون ألف مقاتل… والوجهة: السويداء!
هل تحوّل بعض العرب إلى وقود في مشروع تفتيت سوريا خدمةً لإسرائيل؟
بقلم د: عبد الرحمن المؤلف
الثلاثاء22يوليو2025_
في مشهد يعيد إلى الأذهان أقسى فصول الحرب السورية وأكثرها تعقيدًا، شهدت محافظة السويداء خلال الأيام الماضية اقتحامًا دمويًا نفّذته مجموعات مسلّحة معظم أفرادها من أبناء العشائر البدوية، يقدّر عددهم بنحو 50 ألف مقاتل، بحسب مصادر محلية وإقليمية.
والمفارقة المؤلمة أن هؤلاء لم يتجهوا لتحرير الجولان، ولم يقاتلوا في صفوف الدفاع عن القدس، بل دخلوا إلى مناطق أهلهم في الجنوب السوري، ليواجهوا أبناء طائفة الدروز، وسط صمت عربي رسمي، وتواطؤ بات مكشوفًا.
من أين جاء هذا الجيش؟
المقاتلون الذين اندفعوا إلى السويداء لم يهبطوا من السماء. بل هم، وفق شهادات وشبكات مراقبة محلية، جاؤوا عبر تنسيق لوجستي دقيق، تضمن نقلًا سريعًا عبر آليات تابعة لقوى أمنية وأخرى مدنية، من بادية حمص، دير الزور، ريف درعا، وبعض المناطق الصحراوية ذات الامتداد العشائري.
كما وثّقت تقارير محلية دعوات أُطلقت من شيوخ قبائل في سوريا والأردن والعراق لحثّ شباب العشائر على “التحرك” ضد ما سموه “الخطر الدرزي”، وهي تعبيرات لم تكن بعيدة عن الأجندة الطائفية التي لطالما استُخدمت لتفكيك النسيج السوري منذ العام 2011.
تدخل إسرائيلي… لصالح الدروز؟
أثار تدخل الجيش الإسرائيلي في هذه المعركة جدلًا واسعًا. إذ شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي غارات استهدفت مركبات عسكرية سورية كانت متوجهة نحو السويداء، كما ذكرت القناة 12 الإسرائيلية، وأخرى تابعة للمهاجمين في محيط ريف القنيطرة.
المبرر الإسرائيلي كان “حماية الدروز”، وهو خطاب يحمل طابعًا إنسانيًا من الخارج، لكنه في العمق يعكس رغبة في تكريس نموذج “الراعي الإقليمي” الذي تتدخل فيه إسرائيل متى شاءت، وبالطريقة التي تراها مناسبة، بما يضمن أمنها أولًا، واستدامة الانقسامات في سوريا ثانيًا.
وقد أذنت سلطات الاحتلال لعشرات المجندين الدروز في الجيش الإسرائيلي بالعبور إلى الأراضي السورية عبر نقاط قرب مجدل شمس، في مشهد رمزي يخلط العاطفة بالوظيفة الأمنية.
الشرع والجولاني… تحت العباءة الإسرائيلية؟
لا يمكن فصل ما يجري عن السياق السياسي الجديد الذي يتم بناؤه في الخفاء، وتظهر معالمه في العلن شيئًا فشيئًا.
بحسب موقع Axios الأميركي، ووفق تقارير عربية (الحدث، سكاي نيوز، الجديد)، فإن أحمد الشرع، الذي يُقدَّم الآن كرئيس انتقالي لسوريا، عقد لقاءات مباشرة مع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هانغبي في أبوظبي، بوساطة إماراتية، وأنه أبدى استعدادًا للموافقة على ثلاث بنود خطيرة:
1. التنازل عن الجولان مقابل البقاء في السلطة.
2. تفكيك النفوذ الإيراني.
3. ضرب حزب الله.
4. الانخراط في تفاهمات أمنية مع إسرائيل.
تصريحات النائب اللبناني الدرزي وئام وهاب كانت كاشفة لهذا المسار، إذ قال في مقابلة متلفزة:
“إذا كان أحمد الشرع عربيًا، فأنا بريء من العروبة.”
كما رحّب بتدخل إسرائيل “لحماية الدروز”، في مشهد يُظهر تحوّلًا خطيرًا في البوصلة السياسية لبعض القوى.
نتائج مباشرة… وتداعيات بعيدة
1. جنوبٌ مشتعل وانقسام طائفي مرعب
الهجوم الدموي الذي استهدف السويداء لا يهدد فقط نسيجها الاجتماعي، بل يضع سوريا على عتبة صراع أهلي بنكهة طائفية وعشائرية، قد يتحول إلى نسخة جديدة من سيناريوهات ليبيا أو اليمن.
2. شرعنة التدخل الإسرائيلي
باتت إسرائيل تظهر، وفق المشهد، كـ”ضامن أمني” لبعض الأقليات، ما يمنحها مشروعية كاذبة للتدخل في الشأن السوري كلما اقتضت مصالحها.
3. تسليح الطائفية ضد المقاومة
إذا كانت الخطوة القادمة هي استهداف حزب الله في الجنوب السوري، فهذا يعني أن الساحة تمهد فعليًا لاستخدام أبناء العرب والعشائر لمقاتلة من يرفعون راية مقاومة الاحتلال.
من يقاتل من؟ ومن أجل ماذا؟
مفارقة الواقع تقول: خمسون ألف مقاتل عربي دخلوا السويداء خلال يومين، ولكن لم يدخل منهم واحد إلى الجولان منذ احتلاله عام 1967!
مئات الآلاف تظاهروا في دول عربية مختلفة ضد “التمدد الشيعي”، ولكن لم نرَ منهم مليونية واحدة أمام سفارة إسرائيل!
مئات الشاحنات محمّلة بالمواد الغذائية والطبية تنتظر على معابر غزة دون إذن عربي بمرورها، في حين تتدفق الأموال والأسلحة إلى جبهات اقتتال داخلي في سوريا واليمن ولبنان والعراق.
خاتمة
ما يجري في الجنوب السوري ليس مجرد صراع محلي، بل خطوة متقدمة في مشروع تفكيك ما تبقى من الدولة السورية، وتوريط “العرب” مرة أخرى في معركة لا تخدمهم، بل تخدم فقط من يحتل أراضيهم ويهين كرامتهم يومًا بعد يوم.
إنها لحظة اختبار: إما أن نستفيق ونستردّ وعينا، أو نستمر في خدمة مشروع لا يرانا أكثر من أدوات… قابلة للاستهلاك ثم الإهمال.
المصادر:
Axios – 15 يوليو 2025
قناة 12 الإسرائيلية – 14 يوليو 2025
قناة الجديد اللبنانية – مقابلة مع وئام وهاب
تقارير ميدانية – شبكة السويداء 24
بيانات منسوبة لأحمد الشرع على وسائل إعلام عربية
اقرأ أيضا :اليمن ترد على سياسة التجويع الإسرائيلي لسكان غزة وتستهدف مطار اللد
