بن حبتور .. استشهاد السيد نصر الله: تحدٍّ كبرى لأحرار العالم

بن حبتور .. استشهاد السيد نصر الله: تحدٍّ كبرى لأحرار العالم
عبدالعزيز بن حبتور
السبت 27 سبتمبر 2025-
سيظل الشهيد المجاهد حسن نصر الله حياً فينا وفاعلاً بقيمه ومبادئه وروحه الطاهرة بين جميع الأحرار في عالمنا العربي والإسلامي والعالمي.
تمر على أحرار الأمتين العربية والإسلامية مع أحرار العالم في عموم الكرة الارضية الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد سيد الشهداء المجاهد حسن نصر الله رحمه الله وأسكنه جنات الفردوس الأعلى. كان ذلك اليوم العظيم في لحظة استشهاد القائد بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر 2024م لحظة فارقة جداً ومؤلمة حزينة بطبيعة الحال في مسار وتأريخ النضال العربي الإسلامي المقاوم للوجود الشاذ لكيان العدو الإسرائيلي الصهيوني.
نعم كانت لحظة تحدٍّ كبرى لجميع الأحرار في العالم، بفقدانهم أنبل وأعظم وأشجع قائد لبناني عروبي إسلامي في هذا الزمن، الذي أثبتت فيه المقاومة الإسلامية أنها الضامن الأوحد لمصالح الشعوب العربية الحرة، وأنها تمثل الكابح الأوحد لجميع المشاريع الصهيونية الإسرائيلية الأميركية الأوروبية والصهيونية العربية.
لقد كانت انطلاقة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م بمنزلة إنقاذ حقيقي للقضية الفلسطينية، من تغول المشاريع الصهيونية العلنية، بأنهم ينفذون مشاريع الشرق الأوسط الكبير ومشاريع الفوضى الخلاقة في منطقتنا العربية، ومشاريع توسع هيمنة القوى الصهيونية الراديكالية على الوطن العربي. وهذه المشاريع الخبيثة أعلنتها دوائر الاستخبارات الأميركية الغربية الإسرائيلية منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين، أي أن تلك المشاريع أصبحت معلنة وليست سرية، ويستطيع أن يطّلع عليها العوام من الرأي العام العربي والإسلامي والأجنبي، فكيف بتلك الطغمة الحاكمة المستبدة على الشعوب في عالمنا العربي والإسلامي.
صحيح أن حجم الخسائر البشرية والمادية كبير جداً في كل الجبهات الحرة المقاومة، وتبدأ من فلسطين وقطاع غزة البطلة، ومن اليمن العظيم وعاصمته صنعاء الباسلة، ومن لبنان المقاوم الشجاع الحر، ومن العراق التأريخ والحضارة، ومن جمهورية إيران الإسلامية التي تحملت بشرف لافت عبء ومسؤولية كل الدعم والإسناد العسكري والمادي والإعلامي والسياسي للمقاومة الفلسطينية العربية، في ظل غياب تام، وربما تآمر خفيّ وسقوط اخلاقي وديني وعروبي للغالبية العظمى من الحكام العرب ونظامهم الرسمي الهش المتخاذل وا أسفاه.
في ظل تلك الأوضاع العسكرية والأمنية الملتهبة وما يتعرض له أهلنا الفلسطينيون من حرب عدوانية وحشية قذرة، واستخدام سلاح التجويع والتدمير الشامل للبنى التحتية وجميع الخدمات في قطاع غزة، وتواطؤ حقير مكشوف للنظم العربية والإسلامية، باستثناء إيران الإسلامية، ومن خلال غض الطرف من قبل العالم كله عما يحدث من قتل وتشريد وتدمير وتجويع من صنع الآلة العسكرية الصهيونية، في كل تلك الأوضاع الأمنية الخطيرة ظهر القائد الشهيد سيد الشهداء ليقول للعالم أجمع بصوته الجهوري الرباني، يجب أن تتوحد جميع جبهات المقاومة العسكرية والأمنية والإعلامية والسياسية مناصَرة لغزة، وطلب ترديد ذلك النداء والشعار من على منابر ومنصات جميع الجوامع والمساجد في عالمنا العربي والإسلامي، وكان لصوته الهادِر الأثر الكبير في إشعال حماسة طاقات الشباب المقاوم في جميع الجبهات.
ورد عليه قائد الثورة اليمنية الحر الحبيب عبد الملك بن بدر الدين الحوثي من اليمن، من جميع ميادين الشرف من العاصمة صنعاء وجميع المدن والقرى في المحافظات الحرة التي لم يدنّسها المحتل الأميركي البريطاني العربي السعودي الإماراتي، ليقول للعالم كله لن تبقى غزة وأهلها الكرام وحدهم، وعزز ذلك النداء الهاشمي العروبي الحر بسيل من الصواريخ اليمنية فرط الصوتية لتدك مطار اللد ومدن حيفا ويافا وميناء أم الرشراش، وزاد الجيش اليمني البطل تلك الصواريخ بأسراب متواصلة من الطائرات المسيّرة التي دكت مواقع العدو الصهيوني العسكري الحساس، وأصابته في مقتل، نعم هذا واجبنا المقدس نحن اليمانيين الأحرار، شعب الإيمان والحكمة، وشعب التحدي وشعب الصبر، نحن ذوو بأس شديد، كما وصفنا الله في قرآنه الكريم.
وتعالت بعد ذلك أصوات القيادة الإيرانية الإسلامية الحرة من أرض إيران الإسلامية الحقة، لتقدم المدد والعون والتضامن مع أبطال المقاومة الفلسطينية الإسلامية والوطنية البطلة، وما معركة الـ12 يوماً الفاصلة العظيمة القاصمة لظهر أميركا والعدو الإسرائيلي، سوى دليل أكيد وحازم على سرعة رد الجيش الإيراني البطل على العدوان الإسرائيلي الصهيوني الغادر الفاشل، وظهرت دولة إيران جيشاً وشعباً وقيادة منتصرة شامخة، والدليل أنهم أي الصهاينة طلبوا من إيران إيقاف المعركة.
نعود إلى الدور المحوري الذي قاده شهيد الأمّة الإسلامية في جميع معارك الانتصارات التي حققتها المقاومة الإسلامية اللبنانية على جيش كيان العدو الإسرائيلي، ودوره في تأصيل فكر المقاومة وتربية الأجيال المتعاقبة على معاني وقيم فلسفة المقاومة ضد أي محتل، ما بالكم بذلك الكيان الصهيوني اليهودي الغاصب القائم على وهم الخرافات الكاذبة، وتجلّى ذلك الدور المحوري في جميع المجالات.
أولاً:
تمثل حالة الاستشهاد في سبيل القضايا الوطنية والعروبية والدينية الإسلامية حالة طبيعية جداً لأنها تحقق غاية ذلك الاستشهاد من أجل الانعتاق من كابوس الاحتلال والتبعية والعبودية، الذي يجلبه معه المحتل فلا حرية للأمم ولا كرامة للشعوب ولا قيمة فعلية للأوطان من دون تلك التضحيات، والاستشهاد في سبيل الوطن يُعدّ ضريبة مستحقة من أجل التحرير.
ثانياً:
معادلة الاستشهاد والحريّة للأفراد والجماعات والأوطان معادلة طبيعية. إما قبول العبودية من قبل المحتل أياً كان ذلك المحتل، فهذه من الخصال المذمومة والحقيرة لمن يقبل بفكرة العبودية والإذلال والانحطاط الأخلاقي والديني، وهي دروس وتعاليم ومبادئ وقيم يتم تدريسها للأجيال المتعاقبة في المدارس الابتدائية والثانوية والمعاهد والجامعات على مر التاريخ.
ثالثاً:
كان الشهيد المجاهد الحبيب حسن نصر الله رحمة الله عليه يردد باستمرار في مقابلاته وخطاباته ومحاضراته وحتى في لقاءاته المتلفزة مع ضيوفه الرسميين ومن أعضاء حزبه من المجاهدين الأبطال، يردد القول الشهير له إنه يتمنى ويدعو الله جل جلاله ألا يموت إلا شهيداً، لإرادك أهمية ومعنى الشهادة في سبيل الأوطان والقضايا الحقّة، منطلقاً من اقتناعاته الإيمانية الراسخة. بسم الله الرحمن الرحيم “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون” صدق الله العظيم.
رابعاَ:
حينما نراجع السجل النوراني الملائكي لقوافل الشهداء الأبرار الذين ارتقت أرواحهم عند ربهم في السماوات العليا، واستشهدوا لأجل القضية الفلسطينية، نجدهم بالآلاف وعشرات الآلاف ومئات الآلاف، خاصة وفلسطين أرض مقدسة وتضم أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وقاتل عليها المسلمون من بدء الفتوحات الإسلامية وحتى يومنا هذا، وللتذكير فحسب، فإن الحملات الصليبية المعادية على القدس الشريف قد بُدئت في العام 1096، تخيلوا معي كم هي القرون من السنين التي جاهد فيها العرب والمسلمون دفاعاً عن هذه الأرض المقدسة وكم سيكون هؤلاء الشهداء الذين ارتقت أرواحهم دفاعاً عن المسجد الأقصى والقدس الشريف.
خامساً:
النظام العربي الرسمي الهزيل يتخفّى ويتستر بعورته بستار النظام الدولي القائم ويتمسك بالحدود السياسية للبلدان العربية القطرية، هروباً من المسؤولية الملقاة على عاتق كل فرد عربي ومسلم وأجنبي حر تجاه القضية الفلسطينية المركزية للأمة كلها، أي أن الدفاع عن فلسطين ليس مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، بل إنها مسؤولية جماعية للشعوب والحكام العرب والمسلمين، انطلاقاً من هذا المبدأ العروبي والإسلامي والإنساني قدم الشهيد المجاهد حسن نصر الله روحه فداء لحريّة القدس وفلسطين، وهكذا كان يكرر للأجيال هذه المقولة الخالدة.
سادساً:
الاستشهاد والتضحية هما عنوانان صادقان بارزان لطريق حريّة الأوطان وما دامت أرض فلسطين المقدسة وأجزاء من لبنان ما تزال تحت الاحتلال الاستيطاني الصهيوني الإسرائيلي، فالواجب المقدس أن يقدم الشهيد المجاهد روحه الغالية فداء وتضحية من أجل الحريّة والشعوب، والأقوام الحرة هي من تقاوم المحتل أياً كان، والأمثلة على تلك التضحيات للشعوب عديدة، ونتذكر أن الشعب الجزائري الشقيق قدم ما يزيد على مليون ونصف مليون من الشهداء كي يطرد المحتل الفرنسي الغاصب، والشعب اليمني قدم آلاف الشهداء لطرد المستعمر المحتل البريطاني، وقبله التركي والسعودي والبرتغالي والشعوب السلافية الروسية ضحت بما يزيد على 27 مليون إنسان بين جندي ومدني كي تطرد الغزاة النازيين الألمان، والشعب الفيتنامي قدم ما يزيد على ثلاثة ملايين ثائر كي يطرد المحتل الأميركي من بلده وهي قاعدة ذهبية لمن يفهم ولمن أراد أن ينام في حضن العبودية المحتلة الأجنبية بشكل أبديّ عليه أن يسلّم سلاحه للعدو.
سابعاً:
جميع بني البشر يخلقون وينمون ويكبرون ويشيخون وبعدها يموتون، وهو أمر طبيعي، لكن من تخلد روحه وذاته ويبقى حياً مدى الدهر هم الشهداء الأحرار، وسجلّ التاريخ يزخر بإسناد الشهداء الذين ماتوا لأجل حريّة وكرامة أوطانهم فهم الخالدون خلود الحياة.
لن تغفر الأجيال المتعاقبة لأمتنا العربية والإسلامية للحكام العرب والمسلمين الجبناء الذين فضلوا الانبطاح والنوم في الحضن الدافئ للشيطان الصهيوني الأميركي وتركوا الفلسطينيين الأحرار في قطاع غزة تنهشهم وحوش صهيونية.
سيظل الشهيد المجاهد حسن نصر الله حياً فينا وفاعلاً بقيمه ومبادئه وروحه الطاهرة بين جميع الأحرار في عالمنا العربي والإسلامي والعالمي.
اقرأ أيضا:حزب الله يعلن رسميا استشهاد أمينه العام السيد حسن نصر الله
