كتابات فكرية

اليمن يغيّر معادلات الأمن الإقليمي من الدفاع إلى الردع

 اليمن يغيّر معادلات الأمن الإقليمي من الدفاع إلى الردع  

  • د : عبدالرحمن المؤلف

السبت12يوليو2025_

نعم اليمن يغيّر معادلات الأمن الإقليمي من الدفاع إلى الردع .. لم تعد اليمن تُعرّف نفسها فقط بوصفها ضحية لصراع إقليمي، أو دولة محاصرة من الجو والبر والبحر، بل باتت، وفق تحول استراتيجي رصده محللون عسكريون ودبلوماسيون، طرفًا مؤثرًا في إعادة صياغة توازنات الأمن الإقليمي والدولي، وخصوصًا في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

دراسة تحليلية حديثة بعنوان “التحولات في العقيدة الأمنية اليمنية بعد 2023” كشفت أن صنعاء لم تعد تتحرك ضمن عقيدة دفاعية كلاسيكية، بل انتقلت إلى “عقيدة الردع الهجومي العابر للحدود”، وهو تحوّل غير مسبوق في تاريخ اليمن المعاصر.

من الدفاع عن العاصمة إلى تهديد موانئ العدو

تشير الدراسة إلى أن العقيدة الأمنية لليمن حتى عام 2022 كانت محدودة الأفق والقدرات، حيث تمحورت حول حماية مراكز السيطرة والنفوذ الداخلي، دون امتلاك أدوات ردع فعالة أو توازن استراتيجي. وكانت القوات المسلحة اليمنية حينها منهكة، مفككة، وتعاني من الاعتماد المزمن على التسليح الخارجي والانقسامات السياسية.

لكن عام 2023 مثّل نقطة تحول حاسمة، بعد أن طورت صنعاء منظومات عسكرية هجومية أبرزها الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، واعتمدت على تصنيع محلي متقدم مكّنها من استهداف منشآت عسكرية وملاحية إسرائيلية وأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن، بحسب تقارير مستقلة من مجموعة الأزمات الدولية وتقارير لمراكز بحثية مثل INSS.

غزة والعدوان الغربي: المبرر الأخلاقي والقانوني

تلفت الدراسة إلى أن تحول العقيدة لم يكن عسكريًا بحتًا، بل جاء ضمن إطار قانوني وأخلاقي استند إلى الدفاع عن الفلسطينيين في قطاع غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وردًا على الهجمات الأمريكية البريطانية على منشآت مدنية يمنية منذ ديسمبر 2023.

هذا السياق أعطى صنعاء شرعية جديدة، وأخرج الصراع من طابعه الداخلي، ليصبح جزءًا من صراع عالمي على السيادة والاستقلال السياسي في وجه الهيمنة الغربية، وفق خطاب زعيم حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي في 5 يناير 2024.

هندسة جديدة للردع الإقليمي

العقيدة الجديدة، كما تصفها الدراسة، تقوم على مبادئ منها:

الردع النشط المتحرك، أي المبادأة بالضربات خارج الحدود في حال وجود تهديد وجودي أو عدوان على قضايا الأمة.

تحرير الجغرافيا من التقسيم التقليدي، حيث تُعتبر حماية البحر الأحمر ومياه غزة امتدادًا للأمن الوطني.

تعدد الجبهات وتكاملها مع محور المقاومة في لبنان والعراق وسوريا وفلسطين، وفق ما ذكرته دراسة لـ”دراسات الأمن القومي العربي” (نيسان/أبريل 2024).

تداعيات إستراتيجية على إسرائيل والغرب

لقد وجدت إسرائيل نفسها أمام تهديد غير مسبوق يأتي من الجنوب، وليس فقط من الشمال أو الشرق.

وقالت صحيفة هآرتس في تقرير نشر بتاريخ 9 مارس 2025:

“اليمن لم تعد بلدًا معزولًا، بل أصبحت تمتلك أدوات استراتيجية قادرة على شل الملاحة وتوجيه ضربات دقيقة، ما يُعقّد حسابات الردع الإسرائيلي”.

أما الوجود الأمريكي البريطاني في المنطقة، فقد تعرّض لحالة استنزاف مستمرة، أجبرت قوات التحالف على تقليص حضورها، وإعادة تموضع قواعدها، بحسب تقارير نشرها معهد سترافور الأمريكي.

إلى أين تتجه العقيدة اليمنية؟

تتوقع الدراسة أن تستمر العقيدة الجديدة في التوسع، ليس فقط في المجال العسكري، بل السيبراني والإعلامي والمعلوماتي، مع احتمالات لتحجيمها عبر احتواء دبلوماسي أو اقتصادي.

لكن التوصيات التي خلُصت إليها الورقة البحثية تشير إلى أهمية التحصين الداخلي، وبناء تحالفات خارج الهيمنة الغربية، والاستثمار في حرب العقول والتكنولوجيا، وليس فقط في الأسلحة.

خلاصة:

اليمن لم تعد تمثّل في وعي القوى الكبرى دولة “هشة”، بل تحوّلت، بفضل تغيير جذري في عقيدتها الأمنية بعد 2023، إلى دولة ردع ناشئة ترسم حدود الصراع من جديد، وتُعيد تعريف الجغرافيا السياسية للمنطقة، انطلاقًا من رؤية تحررية تؤمن أن حماية غزة والقدس تبدأ من صعدة والحديدة

المصادر:

1. وثيقة الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، 2020

2. مجموعة الأزمات الدولية، تقارير 2023-2024

3. خطاب السيد عبد الملك الحوثي، 5 يناير 2024

4. معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS، تقرير ديسمبر 2024

5. صحيفة هآرتس، 9 مارس 2025

6. مجلة دراسات الأمن القومي العربي، نيسان 2024

7. Mohammed Nuruzzaman, Small Powers and Strategic Deterrence, Asian Security, 2021

8. Kenneth Geers, Strategic Cyber Deterrence, NATO, 2018

اقرأ أيضا:الاحتلال يرتكب المزيد من المجازر ويصدر أوامر إخلاء لمناطق بغرب غزة كان يصنفها بالآمنة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى