القمم العربية والإسلامية في وعي المواطن

القمم العربية والإسلامية في وعي المواطن
- أمين الجبر
الأربعاء 17 سبتمبر 2025-
ليس مستغربًا أن يغيب عن وعي المواطن العربي والإسلامي الاهتمام الحقيقي بالقمم العربية أو العربية-الإسلامية، تلك التجمعات التي جنحت منذ تأسيسها نحو الانحطاط في معانيها ومجدها السياسي. فهي ليست سوى مشاهد مسرحية تُعاد في كل دورة، تبرهن على عجزها الممنهج وتماهُيها الطوعي مع واقع الهزائم الماثل على الساحات. لا قرار فاعل يصدر عنها، ولا مبادرة ترتقي لمستوى التحديات التي تواجه الأمة، بل هي أداة إرباك وتعطيل تبرّر خيبات الدول المتعثرة، وتشرعن جرأة العدوان الصهيوني، وتغذي دوامة التطبيع المخزي الذي يلتهم هويّة الأمة وقضيتها المركزية.
تدرك الشعوب، التي تحترق في نيران الاحتلال والهيمنة، أن هذه القمم لم تعد حاضنة لأي مشروع تحرري أو حركة مقاومة حقيقية، بل أصبحت منحازةً إلى أجندات الهيمنة الأمريكية الغربية، متزامنةً مع سياسات تطويع المستضعفين ومطالبتهم بالاستسلام للصهيونية المحتلة.
إن السؤال المحوري الذي يجب أن يؤرق الجميع: ماذا فعلت هذه الكيانات السياسية الشكلية – الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، وغيرها؟ – إزاء احتلال فلسطين، وارتكاب مجازر إبادة في غزة، واقتحام السيادة العربية والإسلامية؟ كيف لم تستطع، رغم امتلاكها أوراق قوة هائلة، إلا أن تختزل مواقفها في بيانات إدانات جوفاء تُحجم عن فعل حقيقي؟
لنعرج سريعا في جوهر التكوين التاريخي لهذه المؤسسات: الجامعة العربية، على سبيل المثال، كانت نتاجًا استعماريًا بريطانياً، هدفه تفتيت الأمة تحت عناوين قومية طفيفة وعرقية، لتفشل الجامعة الإسلامية الحقيقية التي نادى بها رواد مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. ومنظمة التعاون الإسلامي ليست سوى رد فعل تشكّلي على الاستقطاب الشيوعي في أجواء الحرب الباردة، خاضعةً لتقاسيم القوة الإمبريالية، وليست منصة حقيقية لتفعيل وحدة الأمة الإسلامية.
أما مجلس التعاون الخليجي فهو نموذج هندسة غربي-إمبريالي، يستهدف إفشال الدولة الوطنية القومية والوحدة التحررية، التي حمل لواءها تيار الثورة العربية التحررية المجيدة بقيادة جمال عبد الناصر وثورة 22 يوليو.
وليس أدل على ذلك من استمرار توظيف هذه الكيانات كأدوات لخدمة أجندات خارجية، تلبس ثوب الشرعية الوطنية، فيتوه المواطن ويُساء توجيه قضاياه، بينما تضيع إرادته وسط صيحات الشجب والإدانة العابرة.
وقمة الدوحة الأخيرة التي انعقدت استجابةً للعدوان الإسرائيلي على قطر ووفد حركة حماس، شهادة جديدة على استمرار هذا الواقع المرير: كل ما خرجت به لا يتعدى مشاعر تعاطف ومواقف لفظية، لا تحدث أي تغيير حقيقي، ولا تعبّر عن طموحات الأمة أو تصون كرامتها.
في ضوء هذا الفشل الممنهج، تغدو الحاجة إلى إعادة بناء كيان الأمة شاملةً ومتكاملةً، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، بل وفكرية وثقافية وعقدية، أمرًا لا مفر منه. فالأمة بأسرها بحاجة إلى تحرر حقيقي لا يتناسب مع شكليات وأدوات التحكم الاستعمارية التي أرهقت جسدها وأسقطت إرادتها.
هذا هو النداء المحقّ، الذي يحمل في طياته تحديًا وجوديًا؛ إما الانبعاث العظيم في إطار مشروع نهضوي جامع، أو الاستمرار في تآكل الهوية وحركة الرجوع إلى التبعية والخضوع.
اقرأ أيضا:مجلس التعاون الخليجي بين الدور السياسي والأمني
