كتابات فكرية

السياسة كما عرفتها

السياسة كما عرفتها

  • بقلم: أحمد سليم الوزير

السبت19أبريل2025_

أتساءل أحيانًا عن معاني بعض الكلمات حين تنزل من عالم التنظير إلى أرض الواقع. ومن بين هذه الكلمات: “سياسي”.

في أصلها، تعني الراعي لشؤون الناس، من يحمل همّهم ويقودهم إلى الصلاح، كما كان يفعل الأنبياء والحكماء. لكنّ الواقع يرينا معنى آخر، أكثر قسوة، وأكثر التباسًا.

“السياسي” في واقعنا غالبًا ما يكون رجلًا يرتدي بدلة سوداء بربطة عنق ، يحاول أن يتظاهر بالكمال، يخفي خلف ابتسامته المزيفة غدرًا وخيانةً وابتزازًا ومصالح محرّمة. كأنّه أفعى ناعم الملمس، في أنيابها سم قاتل.

يا من تفكر في خوض غمار السياسة، تهيّأ لصدمة: لا مكان للعواطف هنا. صديق اليوم قد يصبح عدو الغد والعكس ، ومن يمدحك اليوم بما ليس فيك، قد يهجوك غدًا بما ليس فيك أيضًا.

قد تلاقي وجوهًا جميلة كالبحر، لكنها غدّارة مثله، وقد ترى شيخًا بلباس أبيض يعظ، فلا يغُرّك وقاره، فقد يكون أكثر القوم فسقًا. سترى الحيلة، والابتزاز، والإغراء بالمال والسلطة والشهوة. وإن لم يتمكنوا منك، شَوَّهُوك، وإن عجزوا عن سلب حب الناس لك، اغتالوك، كما فعلوا بكثير من العظماء.

لا أقول هذا لأخيفك، فكلنا ماضون إلى الموت وكلنا من التراب وإلى التراب نعود ،لكن إن كان لا بدّ من الموت، فليكن من أجل قضية، لا عبثًا أو طمعًا.

محيط السياسة عميق، وواسع، ليس كبركة سباحة. حتى وإن كنت ماهرًا، فقد تموت عطشًا أو جوعًا وأنت تبحث عن يابسة.

لهذا، قبل أن تغوص، احمل زادك. وزاد هذه الطريق هو كتاب الله، كما فعل الأنبياء والأولياء ، لا تظننّ أنك ستنجو بدونه، فإن تخليت عنه، حتمًا ستلوثك أوحالها.

اصبر، وتذكّر: أن العاقبة للمتقين.

إليك عزيزي القارئ بعض النصائح والتوصيات:

المال سلاح ضروري ولكن استخدمه بحكمة

ستحتاج إلى المال، فالمال له سحر عجيب في كسب القلوب. والكرم، كما قيل، يستر كل عيب. فكن كريمًا حسب استطاعتك، لكن لا تُلقِ بنفسك إلى التهلكة. تكرم من هو دونك لا من هو فوقك؛ فمن هو أعلى منك قد ذاق كرم من هو أغنى منك، ولن يرى في عطائك شيئًا، أما من هو دونك، فقد يفرح بالقليل.

والفقر قد يكشف لك الوجوه الحقيقية، إذا دخلت السياسة وأنت فقير، قد ترى الناس على حقيقتهم، بلا كثير من التزييف، أقرب إلى الواقع، وأصدق في مشاعرهم. يجاملك من يحبك، ويخالفك من يراك مخطئًا.

الغنى يفتح الأبواب لكنه يحيطك بالأقنعة، أما إن دخلتها وأنت غني، فالود سيكون كثيرًا… لكنه مصطنع في الغالب. سترى من يتملّقك ويخفي عنك الحقيقة، وقد تُحرم من أعزّ ما يحتاجه السياسي الصادق: من يصارحه دون خوف، من ينبهه إن ضل، ومن لا يطلب منه شيئًا.

لا تفرط في الصادقين من حولك،إن وجدت مثل هؤلاء، فلا تفرط فيهم. تمسّك بهم كما يتمسك الغريق بقارب النجاة، فهم القارب الذي قد ينقذك من ظلمات المحيط، وسط عواصف السياسة وأمواجها المتلاطمة.

لا تكذب… لكن لا تقل كل الحقيقة.

الصدق في السياسة سلاح ذو حدين، وقد يُستخدم ضدك. أما الكذب، فسينزع عنك الهيبة. لا تكذب، لكن لا تُفصح عن كل شيء. اختر كلماتك بدقة، فالكلمة قد ترفعك أو تطيح بك.

اجعل لك سفيهًا… ولكن لا تكن أنت السفيه ،في السياسة ستواجه من يسيء إليك بلا منطق. لا ترد على كل من نبح، ولا تنحدر إلى مستواهم. اجعل لك من يرد عنك بحكمة، دون أن تلوث يديك بالطين.

كن راسخًا كالجبال، ومرنًا كالريح

تمسك بمبادئك وقيمك وقضيتك، واجعلها درعك الواقي. لكن كن مرنًا في الخطط، واستمع لمن تثق بهم، فالثبات على الفكرة لا يعني الجمود في الوسيلة.

كن ماكرًا كالثعلب، لا مخادعًا كالأفعى

السياسة مليئة بالفخاخ. كن ماكرًا لا لتخدع، بل لتنجو. لا تتخلَّ عن مبادئك، لكن لا تكن ساذجًا. افهم اللعبة، وتعلم متى تتقدم أو تتراجع.

اقرأ لخصومك الصادقين… واحذر المصفقين المنافقين، فالعدو الصادق أصدق من صديق مخادع. استمع لما يقوله خصومك بإنصاف، فقد ترى في نقدهم ما لا يخبرك به أصدقاؤك، أما المنافقون فيقودونك إلى الغرور والسقوط.

ولا تكثر من الكلام… ودع أفعالك تتحدث، وليس كل من أُصغي إليه كان حكيمًا. دع أفعالك تتحدث، فإن القول سهل، وأما الفعل فقلّ من يقدر عليه، السياسة لا تحتفي بكثرة الكلام، بل بثِقَل الأثر وصدق الإنجاز.

كن شجاعًا… حتى وأنت خائف

فالهيبة لا تُكتسب فقط بما تملك، بل بكيفية وقوفك حين يظن الآخرون أنك ستسقط. فإن هدّدك أحد، لا تُظهر خوفك. استجمع قواك وواجه بثبات وإباء.

لا تنخدع بالمجاملات… وابحث عن الدافع الخفي

ابتسم لمن يجاملك، لكن ابحث في كلامه عمّا يخفيه، السياسة مليئة بالابتسامات المسمومة، ولا يُكشف زيفها إلا بالتأمل في ما وراء الكلام.

الخاتمة السياسة ليست دربًا مفروشًا بالورد، بل طريقًا وعرًا مليئًا بالأشواك، وقلّ من يسلكه سالمًا. فإن قررت أن تسلك هذا الدرب، فاجعل لك زادًا من الإيمان، ورداءً من الحكمة، ودرعًا من الصبر.

ولا تلهث خلف المجد الزائف، ولا تخشَ إن قلّ أنصارك، فإن النور يكفيه أن يكون صادقًا ليبدد الظلام.

واذكر قول الشاعر:

 لا يدرك المجد إلا سيدٌ فطن** لما يشق على السادات فعّالُ.

 لولا المشقةُ ساد الناسُ كلهمُ** الجودُ يفقر و الإقدام قتّالُ.

 اقرأ أيضا للكاتب:العقل اليمني بين التهميش والاتهام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى