الرد على مقالة “راقصون وشعب”

الرد على مقالة “راقصون وشعب”
- حسن الدولة
الجمعة 28 نوفمبر 2025-
أرسل إلى أحد الاصدقاء مقالة للصحفي فتحي بن لزرق الموسوم ب: “راقصون وشعب” وفي البداية أود التأكيد ان المقال اصاب كبد الحقيقة فيما يتعلق بـ انتهازية النخبة السياسية اليمنية التي قفزت من سفينة إلى أخرى مدفوعة بـ “خواء الجيب” و”المصالح” لا بـ “صحوة الضمير” أو “الأخلاق”. إن استعراضه لتحولات ساسة المؤتمر، والإصلاح، والاشتراكيين، والوحدويين المتأخرين في اكتشاف “القضية الجنوبية” هو وصف دقيق لطبقة سياسية تعاملت مع الوطن والقضايا الكبرى كـ مشاريع للكسب والتنقل.
لكنه في ذات الوقت قد افتأت على الشعب وحقيقة الثورة السلمية
لكن، وفي المقابل، فقد افتتح على الشعب وحقيقة ثورة الـ 11من فبراير 2012م المجيدة فإن في توصيفه لـ “الشعب التائه والأحمق” الذي يصفق “بغاغة كبيرة” حسب تعبيره هو إجحاف بيّن وإفتئات على الحركة الجماهيرية التي فجّرت ثورة الحادي عشر من فبراير 2011م.
لقد خرج الشعب اليمني بالملايين من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، لم يكن خروجهم مجرد تابع لقفزات علي محسن الأحمر أو غيره من اللصوص والانتهازيين؛ بل كان خروجاً جارفاً وسلمياً هدفه المعلن هو تغيير النظام وبناء الدولة المدنية، والمواطنة، والحريات، والتقدم.
إن الحكم على ثورة شعبية عظيمة شارك فيها كل فئات المجتمع بقضه وقضيضه من خلال استعراض أسماء مجموعة من الأشخاص الانتهازيين الذين حاولوا الركوب على الموجة، هو بمثابة قفزة على الواقع وتجاهل لروح الثورة الحقيقية.
كما أن البندقية حلت محل الحوار فلم تكن المشكلة الجوهرية في الثورة نفسها، بل في الانقلاب المسلّح على العملية السياسية السلمية التي بدأت في ساحات التغيير. لم يكن هذا الانقلاب صنيعة الجماهير التي طالبت بالسلامة والشرعية، بل كان نتاج الدولة العميقة التي رفضت التخلي عن سلطتها ونفوذها، فـواجهت ثورة الشباب مرحلتين :
المرحلة الأولى: مثّلها علي محسن الأحمر وبطانته حين انضموا لثورة الشباب، ليس بقناعة ثورية، بل باستغلال وانتهازية لانتزاع السلطة من قلب النظام، حيث ساهموا في إحلال البندقية محل الحوار داخل جسد الثورة والدولة.
المرحلة الثانية: مثّلها رأس النظام نفسه، وبالتالي عادت الدولة العميقة لتضرب العملية السياسية برمتها، مكرسةً لغة القوة والعنف كبديل للتوافق الوطني الذي كان يمكن أن يخرج اليمن من عنق الزجاجة.
لقد تسببت هذه القفزات المسلّحة، وهذا الرفض لاستكمال المسار المدني، في إحلال الفوضى محل التغيير السلمي. كان هذا هو الاغتصاب الحقيقي لأحلام ثوار الربيع اليمني.
لقد كانت النتائج المأساوية لهذا الانقلاب على المسار السلمي واضحة المعالم حتى في وقت مبكر، وهو ما يتطابق مع الوصف الذي سطرته أنت في عام 2013، والذي يمثل شاهداً مبكراً على تحطيم حلم التغيير وكتبت في حينها ما لفظه:
”لقد سقط الرئيس بفعل ثورة الربيع اليمني لكن النظام لا يزال قائما،لا بل زاد الامر سوءا بسبب ان الخلف لا يمتلك اي شرعية ولا اي خبرة او معرفة بليات ام رجال، وبسبب عملاء التوسعية الذين تصدروا المشهد وسرقوا احلام ثوار الربيع اليمني..
فقد ثارت كل المدن وهاهي اليوم تحولت إلى ظلام دامس وإلى ساحات تبث الرعب والخوف بعمليات القتل والذبح والاغتيالات التي يقوم بها التكفيريون الذين شكلوا تنظيما ينفر الناس من الاسلام ويحول الصراع إلى صراع ديني ومذهبي بدل ان يكون صراعا من اجل بناء الدولة المدنية والمواطنة والحريات والتقدم من اجل استكمال حلم شباب مسيرة ثورة الشباب في ساحات التغيير التي ضحوا بدمائهم من اجلها”
وهذا البوست الذي أعاد الفيسبوك اليوم ما نشرته في مثل هذا اليوم 28 فبراير من عام 2013 وهو بوست يعكس بمرارة الثمن الذي دفعه الشعب، حيث لم يكن الغرق نتيجة غفلة الجماهير التي صفقت، بل نتيجة إفشال العملية الانتقالية بدمج الانتهازيين أولاً، ثم بتغليب لغة السلاح والفتنة لاحقاً.
الخلاصة: إن السياسيين اليمنيين يحددون مواقفهم بناء على مصالحهم، وهذا صحيح، لكن الجماهير خرجت للمطالبة بحقها في حياة كريمة، والضحية الأولى والأخيرة كانت ولا تزال حلم الشباب الثائر الذي سرقته مصالح النخبة لا بلاهة الجماهير.
اقرأ أيضا للكاتب: قراءة مُعاضدة لمقالة (محاولة لفهم الديمقراطية) للقاضي عبد العزيز البغدادي





