اخبار محليةنافذة على كتاب

مأساة التمذهب .. للأستاذ المفكر زيد الوزير

مأساة التمذهب .. للأستاذ المفكر زيد الوزير

  • تقديم :وضاح عبد الباري طاهر

الجمعة7مارس2025_

مأساة التمذهب ، كتاب صادر عن مركز التراث والبحوث اليمني، للأستاذ المفكر زيد بن علي الوزير. له طبعتان: الأولى في 1424هـ/ 1993. والثانية مزيدة ومنقحة في 1424هـ/ 2003م.

يقع الكتاب في 240 صفحة بالقطع المتوسط. يحتوي على مقدمتي الطبعتين: الأولى، والثانية، وعشرة فصول وخاتمة.

جاء في إهدائه: ” إلى الذين يسوقون الناس إلى الهاوية في ابتهاج، أهدي هذا الحديث؛ ليتبينوا سوء المصير”.

وقد اعتاد الوالد الأستاذ زيد مثل هذه الإهداءات في بعض كتبه لهذا الصنف من الناس كنوع من التهكم والسخرية والتنبيه على ما يقومون به من دعوات التفرقة والتمترس المذهبي والطائفي والجهوي والسلالي… إلخ هذه الدعوات السيئة التي ابتلي بها العالم العربي بحيث لم تخلُ بقعة منه إلا وتفشت فيها مثل هذه الأوبئة القاتلة التي لم تُبقِ حرثًا ولا نسلاً ولا دولةً ولا نظامًا، ولا سِلمًا اجتماعيًّا، ولا رابطة إنسانية إلا عاثت بها وأفسدتها.

وقبل الدخول في تفاصيل الكتاب لابُدَّ من الإشارة ولو يسيرًا إلى الوالد الأستاذ المؤرخ والمفكر زيد الوزير.

زيد بن علي الوزير
زيد بن علي الوزير

والوالد الأستاذ زيد مؤرخ وسياسي وأديب ومثقف على قدر كبير من التواضع، وسجاحة الخلق، وقرب الجناب، والمحبة الغامرة لوطنه وأبنائه. لا يدخر وسعه في أي مبادرة إنسانية، أو مجتمعية، أو وطنية إلا وقام بها وشارك فيها. ممتلئ بحب الناس، وكثير من الناس تحبه وتألفه، وهو لا يتكلف أو يتصنع من ذلك شيء. فالله يحفظه ويمد عمره في خير وعافية.

والوالد زيد من أسرة طيبة مباركة عُرفت بالعلم، وتميزت بالاستنارة والانفتاح. وأبرز من شُهِر مِنْ هذه الأسرة الكريمة -على كثرتهم- العلامة الكبير والمجتهد المطلق الذي ذاع صيته في الأقطار الإسلامية السيد محمد بن إبراهيم الوزير -قدس الله سِرَّه-، وهو الذي مهد السبيل لمَنْ جاء بعده بالانفتاح على السنة النبوية وكتب الحديث والكف عن التكفير.

أخذ بتعز على محدثها سليمان العلوي في علم الحديث، وزار تهامة- أبيات حسين والتقى بعلمائها هناك، ولو لم يكن له إلا كتاب «إيثار الحق على الخلق»، لكفاه، فكيف وهو صاحب كتاب «العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم».

وقد كان لهذا الإمام الجليل الأثر الكبير في كُلِّ مَنْ جاء بعده كالجلال والمقبلي وابن الأمير والشوكاني.

ترجمه الشوكاني فقال: “تبحر في جميع العلوم، وفاق الأقران، واشتهر صيته وبعد ذكره، وطارَ علمه في الأقطار”. (البدر الطالع:2/ 75).

ويقول: إنَّ القلم يقصر عن التعريف بحاله، وأنه ممن يزاحم أئمة المذاهب الأربعة فمن بعدهم من الأئمة المجتهدين في اجتهاداتهم، وأنه يضايق أئمة الأشعرية والمعتزلة في مقالاتهم، ويتكلم في الحديث بكلام أئمتهِ المعتبرين، مع إحاطته بحفظ غالب المتون، ومعرفة رجال الأسانيد، وتبحره في جميع العلوم العقلية والنقلية على حدٍّ يقصرُ عنه الوصف. (المصدر السابق: نفس الجزء والصفحة).

أمَّا أخوه الأكبر ومربيه السيد العلامة الجليل الهادي بن إبراهيم الوزير، فلفرط علمه واعتداله وإنصافه، وهو من كبار علماء الزيدية، يعدُّه المؤرخ البريهي في طبقاته من الشافعية، ويرثيه عند موته علامة زبيد وشاعرها الأكبر إسماعيل بن أبي بكر المقري، وشاعر الحميني المشهور المزاح.

وهذا إنَّ دلَّ على شيء، فإنَّمَا يدل على تلك الفترة الذهبية التي التقى فيها أئمة المذاهب المختلفة: سنةً وشيعة، وكانوا على قدر كبير من الوفاق والمحبة والتسامح.

عرض الكتاب

يقول الأستاذ زيد في مقدمته الثانية: إنَّ إصدار كتابه هذا يأتي بعد عامين على تحقيق وحدة اليمن، كان فيها الفرحة والأمل تجتاح القلوب، لا لمجرد إعلان الوحدة وحدها؛ بل لإعلان ميلاد الحرية السجينة والتعددية الحزبية. وأنه لولا إعلان هذين الأمرين لم يكن هذا الابتهاج الفريد.

ويذهب الأستاذ زيد أنَّ الحرية الممنوحة أوانذاك لم تكن كافيةً في ظل غياب مؤسسات المجتمع المدني، وأنَّ امتلاك الحرية الحقيقية لا يتمّ إلا إذا توفرت حرية المعلومات، وحرية المشاركة في القرار؛ بيد أنَّ هذين العنصرين كانا محصورين على القيادة السياسية فقط. (ص6).

ويتحسر أستاذنا الجليل على مآلات الحرب بين شريكي الوحدة وما ترتب عليها من تضاؤل وضيق مساحة الأمل، وتقلص ظلال الحرية التي عاشها الشعب اليمني، وكان من آثارها هو مصادرة وزارة الإعلام لهذا الكتاب عقب الحرب 1994 مباشرة.

ويؤكد الأستاذ زيد على أنه بدون الحرية لا يمكن الوصول إلى الرشد السياسي. كما أن الأستاذ زيد لا يحمِّل الأنظمة وحدها هذا الجور والتسلط الذي تمارسه وصارَ سمةً بارزةً لها، بل إنّ المعارضة والمجتمع العربي ليسا بمنأى عن النتيجة التي وصلت إليها الأوطان العربية، وهم يتحملون مسئوليتهم أيضًا إزاء ذلك.

فكلا الطرفين يجهل المعنى الحقيقي للسلطة، وهما لا يعرفان منها سوى التسلط. فالأول مستمر في تسلطه، سادرٌ في طغيانه، والثاني مذعن مسلم وقابل لهذا الواقع.

وحقًّا ما ذهب إليه الأستاذ زيد. فإنَّ هؤلاء الطغاة والساكتين عنهم يتحملان مفاسد الجور وعواقب الاستبداد كُلٌّ بحسب موقعه ومسئوليته المناطة به.

وقد تبين أنَّ الذين رئموا الضيم، وألفوا الذل إذا ما صارت إليهم الأمور لا يختلفون عمَّنْ سبقهم في ممارسة الظلم والاضطهاد؛ لأنها قد صارت ثقافةً نشأ عليها الصغير، وهرم عليها الكبير.

قال العلامة ابن عقيل الحنبلي: إنَّ أكثر الناس لا يحجزهم عن الظلم إلا العجز. وقد سبقه المتنبي إلى معنى ذلك، فقال:

والظلمُ من شيم النفوس فإنْ تجدْ * ذا عِفَّةٍ فلعِّلةٍ لا يظلمُ

وقال المعري:

إن جارت الأمراء جاء مُؤمرٌ* أعتى وأجور يستضيمُ ويكلمُ

وفي مقدمته الثانية: يذهب الأستاذ زيد إلى أنَّ المدة الطويلة التي توطن فيها الاستبداد والتسلط داخل الجسم العربي أدى إلى مشكلةٍ نفسية تتمثل بالقبول المطلق لحكم الفرد واستبداده في مقابل استخذاء الشعوب له؛ الأمر الذي حال دون مشاركتها في الحكم. فقد قام الحاكم بدور الوصي إزاء الأمة التي قامت بدورها بتمثيل دور القاصر الذي لا يملك من أمره شيئًا.

ولهذا لم يتبدل الحال كثيرًا مع ذهاب الملكية ومجيء الجمهورية التي سارت بمثل سيرها، وانتهجت نفس النهج الذي مشت عليه.

إنَّ من المفارقة التي ينبغي الوقوف عندها، هو أنه في الفترة التي ألف فيها الأستاذ زيد كتابه «مأساة التمذهب» في العام 1993هـ، لا تبعد كثيرًا عن الفترة التي ألَّفَ فيها العلامة الجليل الشهيد محمد رمضان البوطيَ كتابه «اللا مذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية» في العام 1985.

والحقيقة إنَّ إنكار الأستاذ زيد للمذهبية ليس موجهًا للمذاهب التي عرفتها اليمن بعينها، وإنما لعارض من التعصب يتلبس بها ويصيب أتباعها بدائه؛ فيزدرون مَنْ سواهم، ويتألبون على غيرهم، واتخاذ هذه المذاهب من قبل الدولة أو المتعصبين سلاحًا وذريعة للتفرقة وبثِّ الطائفية بين أبناء الوطن الواحد.

لقد عرفت اليمن مذاهب متعددة وأقليات دينية ليس بالوسع الادعاء أنها كانت في كل مراحلها على وفاق وتسامح فيما بينها، إلا أننا نستطيع القول بأنَّ التسامح طبعَ اليمن في مراحل تاريخية طويلة بطابع خاص ميزها عن غيرها من الدولة الإسلامية الأخرى.

أمَّا كتاب الأستاذ البوطي فهو رد على الدعوة التي رفع شعارها الوهابية السلفية؛ حيث كانت ترمي من ورائها القضاء على المذاهب الإسلامية، وجمع الناس على مذهبٍ واحد هو مذهب السلفية الوهابية.

وليصحَّ لهم هذا الهدف قاموا بالتشنيع على أئمة المذاهب والتقليل من شأنهم. فالإمام أبو حنيفة يعتبر الألباني مذهبه بمنزلة الإنجيل في مخالفة الشريعة الإسلامية، وقد حكم أصحاب هذه الدعوة على آلاف الأئمة الذين ترجمت لهم كتب الطبقات المختلفة بالضلال والانحراف.

وغير خافٍ أنَّ هذه الدعوة ورثت كثيرًا من الفتن في كل مكان حلت فيه في البلدان العربية والإسلامية، وما داعش وكُلّ التيارات المتطرفة إلا أحد ثمارها الكريهة والسامّة. وقد دفع الشيخ البوطي حياته ثمنًا لجهره والتصدي لهذه الدعوة المشبوهة.

والحاصل أننا واقعين في مأزق كبير ومشكلة ملحة. إذ كيف يتولد عن الشيء ونقيضه في نفس الوقت؛ وهو: المذهبية، واللا مذهبية آفات وبلايا لا زلنا نعيش ونعاني من أعراضها، وما برحت تثخن في جسد أمتنا.

لقد قام هذان العلمان البارزان الوالد الأستاذ زيد الوزير، والعلامة الشهيد محمد رمضان البوطي في درأ هذا الضلال والشغب الذي شغل الناس عن المهم والأهم في حياتهم.

 اقرأ أيضا:المفكر الكبير زيد بن علي الوزير يكتب عن الاستبداد وتسلط الفرد في كتابه “الفردية”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى