اخبار محليةثقافة وسياحةنافذة على كتاب

طاهر شمسان يقدم قراءة في شعر الراحل الكبير قاسم بن علي الوزير

طاهر شمسان يقدم قراءة في شعر الراحل الكبير قاسم بن علي الوزير

الاثنين23سبتمبر2024_ قدم الأستاذ الكاتب والباحث طاهر شمسان قراءة في شعر الراحل الكبير قاسم بن علي الوزير ، وذلك لمجلة المسار العدد الـ74 الصادرة عن المركز اليمني للتراث والبحوث اليمني ، والتي خصصت هذا العدد للحديث عن الراحل الكبير الأستاذ والمفكر الكبير الأديب والشاعر القاسم بن علي الوزير.

ونظرا لأهمية هذه القراءة يعيد موقع “صوت الشورى” إعادة نشر هذا المقال خلال الأسطر القادمة..

طاهر شمسان

 رثاء القِيَم النبيلة..قراءة في شعر الراحل الكبير قاسم بن علي الوزير

.طاهر شمسان

في الشعر العربي قديمه وحديثه يشغل الرثاء حيزاً واسعاً، سواء رثاء الأقربين من الأهل والأصدقاء والرفاق والبنين والبنات والأزواج والزوجات والأحبة أو رثاء الشخصيات العامة والوجاهات الاجتماعية ورجال السلطة والسياسة أو رثاء الممالك والأوطان والأماكن والمنازل والديار.

اهتم الشعر العربي منذ ما عُرِف بالعصر الجاهلي بالرثاء وهو من الأغراض التي برع فيها كثيرون وقد ذاعت قصائد رثاء كثيرة على امتداد التاريخ العربي المدوَّن واتُّخذ كثيرٌ منها نماذج للبكاء على الأحباب والأصحاب والأهل والأقارب والأشقاء، ولعلَّ أشهر ما حفظ لنا التدوين من تلك المراثي ما كان من رثاء المهلهل التغلبي لأخيه كليب، ورثاء الخنساء لأخويها صخر ومعاوية، ورثاء دريد بن الصمة لأخيه عبد الله، ورثاء السلكة لابنها السليك، ورثاء متمم بن نويرة لأخيه مالك بن نويرة، ورثاء أبي ذؤيب الهذلي لأبنائه، ورثاء جرير لزوجته، ثم رثائه للفرزدق، ورثاء أبي تمام لأخيه ورثائه لمحمد بن حميد الطوسي، ورثاء ابن الرومي لولده، ورثاء المتنبي لجدته ولخولة أخت سيف الدولة، ورثاء أبي الحسن التهامي لولده، ورثاء أبي الحسن الأنباري لابن مقلة ورثاء البارودي لزوجته، ورثاء أحمد شوقي لعمر المختار، ورثائه لحافظ إبراهيم، ورثاء الجواهري لأخيه جعفر، ورثاء إبراهيم الحضراني لجمال جميل، وعشرات غيرهم.

 في أثناء تصفحي لما نشر من شعر الأستاذ الكبير قاسم الوزير، وهو ثلاث مجموعات شعرية منشورة عبر دار المناهل، هي: “الشوق يا صنعاء” و”أزهار الأحزان” و” لم تشرق الشمس بعد”، استوقفني رثاؤه لكثيرين، وهو ما جعلني أحاول تتبُّع تلك الظاهرة ومقاربتها؛ لأرى كيف وظف الشاعر ذلك الرثاء وأسبابه ودوافعه، فمثل هذا الأمر يكشف عن بعد في شخصية الراثي.

 وقد لاحظت بعد قراءة شعر الأستاذ قاسم الوزير أنه في كثيرٍ من قصائده لجأ إلى استخدام الشخصيات التي يرثيها في إبراز مواقفه من كثير من القضايا العامة لا الخاصة وفي مقدمتها تلك القضايا التي تتعلَّق بمصير الأمة، وهو أمر زاد من اهتمامي بقراءة تلك الظاهرة والوقوف عندها، ولقد اتضح أن الشاعر لا يولي الرثاء تلك الأهمية لكونه يكشف عن التفجع والجزع والشعور بالفقد فحسب وإنما في كونه مجالاً لتظهير القيم التي يصدر عنها المجتمع في تقييمه للذوات، لاسيما أن الراثي لا يقف في رثائه عند ما يعانيه من ألم الفقد وما يكابده من الشعور بالخسارة، وإنما يذهب إلى ما هو أبعد فهو يعبِّر من خلال الرثاء عما يمجِّده المجتمعُ من القيم والأخلاق وما يحمد من المناقب والمآثر والأفعال، إنَّ شعر الرثاء كما تراءى في شعر قاسم الوزير ينصرف عن البعد الذاتي للمرثي إلى البعد القيمي، إنَّه يعمل على ترميز القيم.

 لقد قيل إنَّ الرثاء هو ضربٌ من المديح، لكننا في شعر قاسم الوزير لا نجده مديحاً من أجل المديح فحسب، فإظهار محاسن الموتى ليست الغاية التي يقف عندها هذا الشاعر. إنَّ الشاعر قاسم الوزير يدرك أهمية من يرثيهم من حيث هم رموز لقيم عامة، ولهذا يستظهر في مدح المرثيين، تلك القيم ويحرص كل الحرص على أن يلفت نظر المتلقي إليها.

إنَّ الرجل، باستثناء ما كان من رثائه لابنته وأخته ورفيقة عمره، لا يستغرق في تظهير أوجاع الذات وشعورها الشخصي بالفقد، فهو يستطرد في تأمل مآلات قيم النضال وتنصيص ما انطوى عليه المرثي من تلك القيم، ومن هنا يمكن القول: إنَّ ما استلهمه الشاعر من التراث على مستوى المضامين ظل محكوماً بالتراث القومي والنضالي، والشاعر في ذلك الاستلهام يعمد إلى مقاربة ما كان بين الأمس واليوم، وتعلو نبرة التساؤل في كثير من تلك الوقفات طلباً لتثوير الرؤية، وتظهير الموقف.

 إنَّ الشاعر قاسم الوزير رديف الإنسان المناضل قاسم الوزير، بل إن الشاعر في خدمة المناضل ولسان حاله، وهو ما جعل تجربته الذاتية لا تقف في الرثاء عند ما كان بينه وبين المرثي من علاقة شخصية أو مودة وصداقة، وإنما تذهب إلى ما كان ينشد للأمة من خلاص على يد المرثي وأضرابه، فكأنما رثاؤه لدور ذلك الرجل أو ذاك ممن فقدهم وفقدتهم الأمة صار مجالاً لإبراز الرؤى النضالية وإعلان الموقف مما يحدث للأمة، ونبرة النضال بين التفجع وبين التطلُّع لا تنفك تعلو في أكثر من قصيدة، كما نجد ذلك في رثاء محمد المسماري، فالقصيدة توشك أن تكون مسرداً لشأن الأمة الإسلامية:

كيف أمسيت أمةً رنَّح التاريخ منها الشموخ والعنفوانُ

قادها للعلى المغاوير لا الطغيان من شرعها ولا العدوانُ

أين منا حرية نحن معناها ونحن التفسير والبرهانُ

نحن عنوانها العظيم على الدهر ونحن الفداء والقربانُ

والحزن الذي يكتنف تلك الأبيات المتسائلة، لا يغفل حقيقة الرهان على النضال، ومن هنا جاء عنوان القصيدة”وغاب فارسٌ عن الميدان” مُعلناً أن الميدان ما يزال، والتساؤل الذي استغرق معظم هذه القصيدة وجه من وجوه الرثاء لما كان لهذه الأمة، لكنه ليس الرثاء الذي يعلن التسليم بانتهاء الأمر، إنه الرثاء الذي يقصد استثارة المتلقي، وهنا تتصادى نبرة الحزن على فقد صديقه محمد المسماري مع نبرة التساؤل المستنهض للهمم المستنفر للإرادة، وفي ذلك نعرف كيف يستشرف الغد بالنظر إلى الأمس.

في رثائه لأحمد بن محمد بن علي الوزير، يتراءى الحزن شفيفاً، وتتراءى العلاقة بالمرثي واضحةً ويهيمن استحضارها على معظم أبيات القصيدة، لكن رثاء “العلم الذي انطوى” وهذا عنوان مرثيته لأحمد بن محمد بن علي الوزير، جزء لا يتجزأ من رثاء الأمة:

الأمة الثكلى يزلزلها

                                في كل يومٍ حادثُ جللُ

وأشد ما لاقته من محنٍ

                                أن الهداة- بعلمهم- رحلوا

 إنَّ شخص المرثي لدى قاسم الوزير يغدو قناعاً فنياً يبث الشاعر من خلاله خواطره وأفكاره تجاه قضايا الأمة، ولا ينفك يذكِّر وينوِّه بأن هَمَّ المرثي لم يكن لذاته وإنما كان من أجل الآخرين، وبهذا يغدو الرثاء مجالاً لتنهيض الهمم، ومناسبةً للإبانة عن موقف الذات الشاعرة مما آل إليه الأمر، ونجد الأمثلة على ذلك حاضرة في كل تلك المراثي، فهو في مرثيته لطه مصطفى يقول:

بما أبقت الأيام من ذكرياتنا

                                بماض جهادٍ بعض أسمائه المجدُ

بقدسِ عهودٍ قدس الله عقدها

                                لم ينفرط عقدٌ ولم ينتقض عهدُ

رفيق جهادٍ من رفاقٍ تقاطروا

                                على ساحة الجُلَّى، وسدُّوا الذي سدُّوا

على أثر الرواد شقوا طريقهم

                                وشدوا على تلك العزائم واشتدوا

كما هو واضح من تلك الأبيات أن شأن المرثي يندغم في شأن أعظم وهو الجهاد من أجل الأمة، ومن هنا وصفه الشاعر بأنه رفيق جهادٍ من رفاقٍ تقاطروا على ساحة الجُلَّى.

 إنَّ تتبُّع التجربة الشعرية للشاعر قاسم الوزير كما بدت في مجموعاته الثلاث يكشف لنا عن أن العلاقة بين الذات والموضوع ظلت ملتبسة بالقضايا الكبرى حتى فيما لم يكن رثاء، وهو ما جعل التجربة الذاتية تجربة إنسانية لا شخصية أو ذاتية، فالقضايا التي تعنى بها قصيدته تأخذ بعداً وطنياً وقومياً، وهذه القضايا حملت عبء التجربة الخاصة للشاعر من جهة ومن جهةأخرى حملت وجهًا شموليًا في التعبير عن التجربة الإنسانية العامة.

يعني ذلك إن رثاءه لذات بعينها هو رثاء للقيم التي تجسدت في تلك الذات، والشاعر عندما يتوحد مع المرثي لا يتوحد معه في وجدانياته وإنما في الموقف من تلك القضايا، فهو يرثي المجاهد هارون المجددي قائلاً:

أذهبت ظهر جوادِ مثلك مسرجٌ

                                أبدًا وسيف يمينِ مثلك مصلدُ

ما غاب من جعل البطولة إرثه

                                فبكل فعل بطولة يتجسدُ

ونمتك من روح الجهاد أرومةٌ

                                الحق أصل تراثها والمحتدُ

ثم لا يقف عند المرثي أو العلاقة الشخصية به، حتى يتصل بمن له صلة فكرية أو نضالية بالمرثي ويستحضره قيميًا، فمثلا في رثائه لهارون المجددي يمد رثاءه إلى السيد جمال الدين الأفغاني الذي كان معلمًا لهارون، فيقول:

من ذلك الأفق المضيء أتى على

                                وعدٍ بمنبلج الصباح: السيدُ

عطر الفتوح يفوح من أردانه

                                ومن المحيا ألف فجر يولدُ

وبعد أن يستفيض في إبراز دور جمال الدين الأفغاني في التنبيه إلى ضرورة الثورة على الحكام الفاسدين، يعود إلى المرثي هارون المجددي، ويقف عند حدث الموت والفراق وقفة متأمل، وهي وقفة تتداعى فيها ذكريات النضال حتى لكأن القصيدة كتبت للتذكير بما يجب أن تكون الأجيالُ امتداداً له، فيقول:

هارون هل أزف الرحيل وبيننا

                                فوق الجزيرة لا يزال الموعدُ؟

كم صفَّقت للثورتين أكفنا

                                نصحو على الحلم العزيز ونرقدُ

قل للطغاة: لئن خسرنا جولةً

                                فلكم بقية يومكم ولنا الغدُ

هكذا يخرج الرثاء من أفق الذوات التي طواها الموت إلى أفق القيم التي كانت تجسُّدها، ويتحوَّل المرثيون إلى رموز، فتكون صلة الشاعر بالمرثي صلةً بتاريخه وكفاحه وتضحيته ومُثُله ومواقفه، ويكون التقاء الشاعر مع ذلك المرثي الذي صار رمزاً نقطة تفاعل بين الأمس والغد، لتغدو الذكرى مناسبةً للتطلع، ويصبح التأمل في سياق الدلالة على الأمل. ويكشف من خلال بوحه عن بعدٍ فكري لا بعدٍ نفسي فحسب.

 كذلك، في رثائه للشاعر المناضل علي عبد العزيز نصر، نجد أن الشاعر خرج من لحظة الشعور بالحزن على فقد صديقه إلى فضاء التنبيه على ما يكون للثائر من دور في مجتمعه، وحتى يستوقف المتلقي ويقف به على ذلك الدور، عمد الشاعر إلى المقارنة بين ما كان لعلي نصر من دور نضالي، وبين ما صار من ممارسات باسم الثورة، قائلاً:

وثائر لم يثر يومًا لمغنمةٍ

                                ولم يحركه إلا الخير والسددُ

يلقن الثورة المثلى مبادئها

                                من قبل أن يولد الثوار أو يلدوا

للثورة الحق أخلاقٌ فإن ذهبت

                                فليس ثمة إلا الويل والنكدُ

للحق والعدل ثأر المؤمنون به

                                وثار للهدم والأحقاد من فسدوا

أذاكرٌ أنت من أيامنا سورا

                                من الجهاد تلاها السهل والنجدُ؟

في فتيةٍ آمنت بالله وانطلقت

                                جذلى.. وللحق ما تبقي وما تجدُ

مرُّوا خفافاً على الدنيا وما ثقلت

                                إلا بهم وازدهت أيامها الجددُُ

ثم يستدعي إلى أفق التلقي المرثي علي عبد العزيز نصر ليحدِّثه عن أولئك الذين غدروا بالثورة وبالأمة، ويجعل من فقده مناسبة للتبشير بقيم الثورة، ويطَّرد الحديث والبوح في تشخيص ما يمارسه أولئك من مخاتلة وخداع وانتهازية، فيقول له:

فهل أتاك حديث الغادرين بها

                                العابثين على جهلٍ بما وجدوا؟

المبدعين ولكن ضد أمتهم

                                بكل ما زرعوا فيها وما حصدوا

الرافعين شعاراتٍ تكذبهم

                                إن الشعوب على أعدائها رصدُ

أبا نضال خيول الله مسرجةٌ

                                غضبى على جنبات الغيب تحتشدُ

مثل ذلك نجد في رثائه لأحمد بن محمد عبد الله الوزير، فالحزن رغم بعده الشخصي، لم يجعله يغفل عن رثاء طلعة البطل، ومن هنا يناجيه، قائلا:

إذا ذكرتكَ لم أبرح بمنصدعٍ

                                من الفؤاد ومنهلٍ من المقلَ

وكيف أنساك والذكرى تطوقني

                                من كل صوبٍ بمثل العارض الهطلِ

وأين يممت لا ألقى سوى صورٍ

                                منها يضيء سناها مجمع السبلِ

ألوذ منه بأطيافٍ تعللني

                                فتستثير شجوني طلعة البطلِ

يا أقرب الناس ما في الناس من عوضِ

                                لواحدٍ لجميع الناس مختزلِ

 نجد في حاشية القصيدة، وهي بعنوان أحزان الشفق وصفاً للمرثي يوجز حقيقة ذلك الرثاء الذي أراده الشاعر، فكما تقول الحاشية” قصة رجل في غمار ثورة، وقصة ثورة في تاريخ رجل” وهي إشارة واضحة وصريحة إلى أن الرثاء رثاء لتلك المكانة التي كانت للرجل وهي مكانة نضالية، وتتراءى العلاقة بالمرثي واضحة لكنها علاقة موقوفة على البعد النضالي، فالتجربة الشعورية في مواجهة الموت والفقد الذي تمثَّل برحيل أحمد بن محمد عبدالله الوزير، لا تقف عند الجانب الشخصي في علاقة الشاعر بالمرثي، بل تتعداه إلى ما كان للمرثي من دورٍ في حياة أمته ومن هنا يتوجه الشاعر إلى الناس قائلا:

حيُّوا بها الثورة الكبرى وقد نسلت

                                منها البطولات في تاريخها الجللِ

دمُ الضحايا على آفاقها شفقٌ

                                باقٍ على الدهر لم يبرح ولم يزلِ

أرست على قيم الدستور يقظتها

                                فنوَّرت وأنارت أقوم السبلِ

سارت على هديه الميمون وانطلقت

                                به الجماهير ملءَ السهل والجبلِ

هذا الفقيد المسجى من طلائعها

                                بلا ادعاء ومن روادها الأولِ

كذلك، في قصيدة صلاة الشعر وهي رثاء للشاعر عمر بهاء الدين الأميري الموصوف بشاعر الإنسانية المؤمنة، يكون رثاء قيم الشجاعة والإباء والعزم ولا يغفل ما كان للرجل من دور في النضال من أجل فلسطين ومن أجل اليمن، فيقول:

قطف الموت هامةً لم تطأطئ

                                لظلومٍ ولم يشنها خضوعُ

شاعر المؤمنين قولٌ جريءٌ

                                وجبينٌ عالٍ وعزمٌ جميعُ

حيثما حل فهو شعرٌ وفكرٌ

                                وحضورٌ سمحٌ وذوقٌ رفيعُ

تذكر الفارس المجلي فلسطين

                                ويبكي الوغى وتبكي الدروعُ

ليس ينسى لك اليمانون عهداً

                                ناصعاً، في وفائهم، لا يضيعُ

لستُ أحصي لك المواقف هذا

                                مدرج الدمع؛ إذ تسيل الدموعُ

إنَّ الشاعر لا يكاد يبدي من لوعة الفقد ما يخصه، فهو يبكي في كل فقيدٍ من أولئك حجمَ الخسارةِ التي مُنيت بها الأمة، وهذا المعنى يديره مراراً في كل من نعاهم من وجهاء الأمة ومناضليها وأفذاذها، نجد ذلك في رثائه لمعروف الدواليبي وفي رثائه لسعيد رمضان، ورثائه لأحمد يحيى المداني ورثائه لأحمد الشامي ورثائه لعبد العزيز الرفاعي، ورثائه ليحيى بن محمد الوزير الذي وصفه نثراً في مستهل التمهيد للقصيدة بأنه كان منظومة من القيم الإنسانية الرفيعة تجسدت رجلا يمشي بين الناس”، ولم يلبث أن أشار إليه بالقول:

حوت القبور الصامتات أهلةً

                                كانت تنير جوانب الظلماءِ

وبقيت وحدك بعدهم مترقباً

                                يوم اللقاء، فانعم بطيب لقاءِ

الله للأحرار ألف بينهم

                                حرب الطغاة ونصرة الضعفاء

يتسابقون إلى الفداء كأنهم

                                يردون حوض مسرةٍ وهناءِ

 خلاصة:

إنَّ دراسة شعر الرثاء لدى شاعرٍ ما من الأهمية بمكان، فهو يكشف لنا عن طبيعة القضايا التي يرى الشاعر أنها تستحق الانتباه وتستوجب النظر، وإذا كان كثيرٌ من الشعراء يذهبون في رثائهم إلى تعزية أهل الميت وتضخيم مصابهم به، وإظهار حزنهم عليه، وإزجاء الدعاء بالصبر والسلوان واحتساب الميت، فإنَّ الشاعر قاسم الوزير كان يتوجَّه إلى الأمة، وينعي لها فقد أحد أفذاذها، ويستغرق في رثاء القيم التي كان يجسُّدها الفقيد، وكأنَّ الشاعر يدق الأجراس ويرسخ في الأذهان أن الفقد ليس فقد الذوات أو غيابها بالموت وإنما فقد القيم.

اقرأ أيضا:عبدالباري طاهر يكتب عن القاسم بن علي الوزير.. والحرث في حقول المعرفة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى