باب المندب..الشريان الذي مارست اليمن حقها الطبيعي في السيطرة عليه لأول مرة
باب المندب..الشريان الذي مارست اليمن حقها الطبيعي في السيطرة عليه لأول مرة
باب المندب..الشريان الذي مارست اليمن حقها الطبيعي في السيطرة عليه لأول مرة
يمر عبر “باب المندب” نحو 6.2 ملايين برميل يوميا من النفط والمنتجات البترولية المكررة باتجاه أوروبا والولايات المتحدة والأسواق الآسيوية
إغلاق “باب المندب” في وجه الملاحة يؤدي إلى ضرورة الالتفاف حول جنوب أفريقيا، عبر طريق رأس الرجاء الصالح، مما يزيد وقت العبور بمسافة إضافية قدرها 6 آلاف ميل بحري
منع السفن الإسرائيلية من المرور عبر المضيق تسبب للكيان الصهيوني ضربة اقتصادية لم تكن متوقعة وأصاب ميناء إيلات بالشلل التام
السبت23ديسمبر2023_ باب المندب هو الممر المائي والبوابة الجنوبية للبحر الأحمر،وحلقة الوصل للطريق التجاري البحري الأقصر والأقل تكلفة، بين آسيا بأوروبا وحتى أفريقيا والهند.
ويتمتع المضيق بأهمية إستراتيجية واقتصادية وعسكرية، جعلته على مدى التاريخ ساحة للصراعات الإقليمية والدولية.
الموقع والجغرافيا
يقع مضيق “باب المندب” في أقصى جنوب البحر الأحمر، بين الزاوية الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية وشرق أفريقيا، ويحده من الجانب الآسيوي اليمن، ومن الجانب الأفريقي جيبوتي، ويبلغ عرضه نحو 30 كيلومترا، من رأس منهالي على الساحل الآسيوي، إلى رأس سيّان على الساحل الأفريقي.
وتقع جزيرة بريم اليمنية في مدخل المضيق الجنوبي، وتقسم المضيق إلى قناتين:
قناة “إسكندر”: وتعتبر الأصغر بين القناتين، وتقع إلى جهة الشرق بمحاذاة البر اليمني، ويبلغ عرضها 3 كيلومترات وأقصى عمق لها 30 مترا، وهي الصالحة لحركة الملاحة.
وقناة “دقة المايون”: وهي القناة الأكبر، وتقع غربا متاخمة للسواحل الأفريقية، ويبلغ عرضها نحو 25 كيلومترا وعمقها 310 أمتار، لكنها مليئة بالصخور مما جعل حد بحركة الملاحة فيها.
وترجع نشأة باب المندب -بحسب المصادر الجيولوجية- إلى الحركة التكتونية التباعدية التي حدثت بالحقبة الجيولوجية الثالثة التي نجم عنها انفصال شبه الجزيرة العربية عن قارة أفريقيا، وتكوين أخدود البحر الأحمر.
التسمية
تعود أصول تسمية “باب المندب” إلى اللفظ العربي “الندب” ويعني البكاء على الموتى، فالمراد به “باب الدموع”. وقد ذكروا أسبابا لهذه التسمية، منها: الدموع التي سكبتها اليمنيات على البحارة الذين فقدوا أثناء عبورهم المضيق حسب وكيبيديا.
وبعض المصادر ذكرت أن اسم “باب المندب” مستمد من الفعل “ندب” أي: جاز وعبر، لأن المضيق يمثل معبرا بين البحر الأحمر وخليج عدن.
أهميته
يعد مضيق “باب المندب” من أهم المعابر المائية في العالم، وقد برزت أهميته أكثر وبوضوح مع افتتاح قناة السويس عام 1869، حيث أصبح يشكل إحدى الحلقات المهمة للطريق البحري الأقصر، الذي يصل بين شرق آسيا وأوروبا، والذي يمتد من المحيط الهندي مرورا ببحر العرب وخليج عدن، وعبر باب المندب إلى البحر الأحمر ثم البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس.
وزادت أهميته أكثر مع ظهور النفط في الخليج العربي، وتصديره لأوروبا ، ونظرا لما تمتاز به قناتاه من الاتساع والعمق، وقدرته على استيعاب السفن الضخمة وناقلات النفط بسهولة في كلا الاتجاهين، أصبح من أهم المعابر المائية لموارد الطاقة في العالم.
ويحتل مضيق “باب المندب” المرتبة الثالثة عالميا من حيث عبور موارد الطاقة، بعد مضيقي ملقا وهرمز، حيث تمر منه معظم صادرات النفط والغاز الطبيعي من الخليج العربي، التي تعبر قناة السويس أو خط أنابيب “سوميد”. ويقدر عدد السفن التي تمر عبره بأكثر من 21 ألفا سنويا، بما يعادل 57 سفينة يوميا.
ووفق معطيات وكالة إدارة معلومات الطاقة الأميركية لعام 2018، يمر عبر “باب المندب” نحو 6.2 ملايين برميل يوميا من النفط الخام والمكثفات والمنتجات البترولية المكررة باتجاه أوروبا والولايات المتحدة، وإلى الأسواق الآسيوية مثل سنغافورة والصين والهند، وذلك بما يعادل حوالي 9% من إجمالي النفط المنقول بحرا في العالم، ويشمل النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة.
ويؤدي إغلاق “باب المندب” في وجه الملاحة، بسبب بعض الأزمات، إلى ضرورة الالتفاف حول جنوب أفريقيا، عبر طريق رأس الرجاء الصالح، الأمر الذي من شأنه أن يزيد وقت العبور بمسافة إضافية قدرها 6 آلاف ميل بحري، وتكاليف إضافية كبيرة للشحن.
ويتمتع هذا المضيق بأهمية عسكرية وأمنية، تتطلبها الحاجة للدفاع عن البوابة الجنوبية للحر الأحمر ،وللحفاظ على المصالح الاقتصادية وتأمين خطوط التجارة الدولية ،وترسيخ النفوذ السياسي بالمنطقة، الأمر الذي استدعى حرص الدول المطلة على المضيق على تثبيت قواعد عسكرية لها في الجزر الواقعة داخل المضيق وفي محيطه، وعلى شواطئ الدول المطلة عليه.
أهميته على مدى التاريخ
لعب “باب المندب” منذ القدم دورا فاعلا في ربط شرق العالم بغربه، نظرا لموقعه الإستراتيجي المميز الذي لفت أنظار الدول الكبرى آنذاك، فسارعت للسيطرة عليه تجاريا وعسكريا منذ عصور الدولة المصرية القديمة، ثم الإغريق والبطالمة وصولا إلى الرومان، الذين بدؤوا باستخدام طريق البحر الأحمر إلى آسيا وتوسيع حجم تجارتهم بعد غزوهم لمصر.
وفي القرن الـ15 الميلادي، مع وصول الأسطول البرتغالي إلى المحيط الهندي عبر طريق رأس الرجاء الصالح، تراجعت أهمية مضيق باب المندب، لا سيما فترات قوة الدولة العثمانية التي أحكمت سيطرتها على المضيق، ومنعت السفن الأوروبية من الملاحة بالبحر الأحمر.
ومع ضعف الدولة العثمانية في أواخر عهدها، بدأ التنافس الفرنسي البريطاني على المنطقة، وتسلل نفوذهما إلى البحر الأحمر وصولا إلى “باب المندب” وأصبحت منطقة المضيق محل تنافس القوى الاستعمارية الأوروبية.
وعلى إثر حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798، وضعت بريطانيا حامية عسكرية على جزيرة ميون لعرقلة وصول الفرنسيين إلى المحيط الهندي، وبحلول عام 1839 استقر البريطانيون بجزيرة كمران، وثبتوا قوات عسكرية تابعة لهم في جزيرة ميون على البوابة الجنوبية للمضيق.
وعام 1869 استولى الإيطاليون على ميناء “عصب” الإثيوبي، ووطدوا وجودهم شرق وجنوب الصومال، وسيطرت بريطانيا عام 1883 على ميناءي “زيلع” و”بربرة” شمال الصومال، وكان الفرنسيون قد بدؤوا بفرض سيطرتهم على شواطئ جيبوتي منذ عام 1862.
واستمر النفوذ الأوروبي بالمضيق حتى حلول عام 1960، حين استقلت الصومال رسميا مع خروج القوات البريطانية والإيطالية منها، وعام 1977 خرجت فرنسا من جيبوتي، وأبقت قاعدة عسكرية لها كانت قد أنشأتها عام 1969. ومع نهاية الاستعمار، أصبح “باب المندب” خاضعا للدول المشاطئة، وتتحكم به اليمن بشكل خاص وأيضا جيبوتي وارتيريا.
قواعد عسكرية أجنبية
في الوقت الذي انسحبت فيه أوروبا من المنطقة، بدأ قطبا الحرب الباردة بالظهور في المنطقة، ففي أعقاب انسحاب بريطانيا من عدن، وإعلان قيام جمهورية اليمن الجنوبي عام 1967، تمكن الأسطول السوفياتي من بسط نفوذه عند مدخل المضيق، من خلال استقراره في ميناء عدن وجزيرة سقطرى. وكانت أميركا موجودة بدورها في أرخبيل دهلك منذ الحرب العالمية الثانية.
وظهرت الأهمية العسكرية والأمنية لـ”باب المندب” عام 1973 أثناء الصراع العربي الإسرائيلي، حين اتفقت مصر واليمن على إغلاق المضيق أمام إسرائيل، وتنامت أهميته الأمنية عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، إذ قامت أميركا بالسيطرة على المضيق بمبرر مواجهة تنظيم القاعدة والقراصنة بالمنطقة، عن طريق تأسيس قاعدة عسكرية لها في جيبوتي عام 2002.
وفي الفترة بين عامي 2008 و2017 أنشأت 4 دول أخرى قواعد عسكرية لها بجيبوتي،وذلك بسبب ضعف هذه الدولة وهي: إسبانيا واليابان وإيطاليا والصين. وأدت عمليات القرصنة التي تصاعدت منذ عام 2008 في “باب المندب” وخليج عدن إلى تدويل للمنطقة، من خلال الحضور المكثف للقوى العسكرية الدولية التي تهدف لمكافحة الظاهرة.
وهناك من يرى ان القاعدة والقراصنة تم دعمهم من الولايات المتحدة للسيطرة على المضيق وأيضا للتدخل في الدول بمبرر محاربة القاعدة.
وأنشأت تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها في العالم بالصومال عام 2017، وأسست الإمارات قاعدة عسكرية في إريتريا وأخرى في بربرة بالصومال. ووقعت السعودية على اتفاق مع جيبوتي لإنشاء قاعدة لها هناك. وتمكنت إسرائيل من بناء قواعد عسكرية على عدد من الجزر التابعة لإريتريا. وهكذا أصبحت منطقة المضيق وما حولها تعج بالقواعد العسكرية للقوى المتنافسة على النفوذ فيه، كل ذلك بسبب ضعف الدول المشاطئة والتي تم أضعافها من الدول الكبرى أساسا من أجل أسيطرة على البوابة الجنوبية للبحر الأحمر وتحت مبررات متعددة.
سيطرة القوات اليمنية
ومع اندلاع العدوان على اليمن عام في مارس 2015م وما تبعها من سيطرة القوات المسلحة اليمنية التابعة للسلطة في صنعاء ممثلة بأنصار الله على “باب المندب” تضاعف مستوى الاهتمام الغربي بباب المندب خوفا من سيطرة أنصار الله على المضيق، حتى لا يتم منع مرور السفن الإسرائيلية من باب المندب مستقبلا.
وسارعت الإمارات الحليفة للكيان الصهيوني في خضم العدوان على اليمن من المسارعة في بناء قاعدة عسكرية لها في ميون للسيطرة على المضيق ، والعالم كله يعلم أنها عبارة عن ذراع أمريكية إسرائيلية.
إغلاق المضيق في وجه إسرائيل
وما كانت تخاف منه إسرائيل والولايات المتحدة والغرب عموما حصل بالفعل ،فعقب اندلاع معركة “طوفان الأقصى” في أكتوبر/تشرين الثاني 2023 بين فصائل المقاومة بفلسطين والاحتلال الإسرائيلي، انخرطت القوات المسلحة اليمنية التابعة للسلطة في صنعاء في القتال الدائر عبر إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل، وذلك بعد التخاذل العربي والدولي إزاء المجازر البشعة والتصفية العرقية التي تنتهجها إسرائيل لإبادة الشعب الفلسطيني لا سيما في قطاع غزة الذي يتم تدميره بشكل كامل .
وأعلنت صنعاء عبر بيان للناطق العسكري في 16 نوفمبر/تشرين الثاني أن “باب المندب” والمياه المحيطة به سيتم إغلاقها في وجه السفن الإسرائيلية وأي سفن حربية تحميها بشكل مباشر أو غير مباشر حتى توقف العدوان على قطاع غزة.
بعد ذلك بثلاثة أيام فقط احتجزت القوات المسلحة اليمنية السفينة الإسرائيلية حاملة المركبات “غالاكسي ليدر” المملوكة لإسرائيل وطاقمها.وفي 3 ديسمبر 2023 هاجمت القوات اليمنية سفينتين إسرائيليتين جنوب البحر الأحمر هما “يونيتي إكسبلورر” و”نمبر 9″ بمسيّرة مسلحة وصاروخ بحري، واستهدفوا كذلك سفنا إسرائيلية بالمحيط الهندي وخليج عدن.
ومع تصاعد واستمرار العدوان الإسرائيلي وارتفاع أعداد الشهداء والجرحى والمفقودين والذين وصل عددهعم إلى حوالي 80 ألف معظمهم من الأطفال والنساء ، أعلنت القوات المسلحة اليمنية عبر بيان للناطق العسكري العميد يحيى سريع في 9 ديسمبر/كانون الأول، منع مرور جميع السفن من جميع الجنسيات، المتوجهة من وإلى الموانئ الإسرائيلية في فلسطين المحتلة ، وتم مهاجمة العديد من السفن الإسرائيلية والأجنبية أثناء عبورها بالمنطقة بالصواريخ والطائرات المسيرة.
وعلى إثر ذلك، بدأت شركات شحن دولية منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول 2023 بتوقيف مؤقت لمرور سفنها عبر “باب المندب” والبحر الأحمر، من ضمنها شركات تعد الأكبر بمجال الشحن الدولي “ميرسك” الدانماركية، ومجموعة الشحن الفرنسية “سي إم إيه، سي جي إم” و”إم إس سي” الإيطالية السويسرية، وشركة النفط والغاز العملاقة “بريتش بتروليوم”.
ونجم عن ذلك ارتفاع سعر الغاز الطبيعي الرئيسي في أوروبا بنسبة وصلت إلى 7.9%، وسط مخاوف من انقطاع تدفق الطاقة، كما غيرت مجموعة من السفن مسار رحلاتها لتفادي المرور عن طريق البحر الأحمر عبر الالتفاف حول جنوب أفريقيا مرورا برأس الرجاء الصالح.
وتسببت هذه التهديدات بضربة اقتصادية لإسرائيل لم تكن متوقعة ولم تكن في الحسبان، إذ أصيب ميناء إيلات على البحر الأحمر بالشلل التام، وزاد وقت الإبحار في المسار البديل إلى إسرائيل بين 17 و22 يوما على أقل تقدير، وهو ما يرفع من تكلفة الشحن وأسعار البضائع، ويؤدي إلى عرقلة الصفقات وعمليات التبادل التجاري، وهذا ما كانت تخاف منه إسرائيل والولايات المتحدة من سيطرة اليمن على المضيق حيث يعتبر لأول مرة تمارس حقها الطبيعي في السيطرة عليه