السفير عبدالله صبري يكتب عن خفايا المبادرة الخليجية وأسباب فشل الثورة الشبابية حسب القراءة التاريخية للأستاذ محمد صالح النعيمي

السفير عبدالله صبري يكتب عن خفايا المبادرة الخليجية وأسباب فشل الثورة الشبابية حسب القراءة التاريخية للأستاذ محمد صالح النعيمي
خفايا المبادرة الخليجية وأسباب فشل الثورة في قراءة تاريخية .. لعضو المجلس السياسي الأعـلى الأستاذ محمد صالح النعيمي

- كتب/ عبدالله علي صبري
الاثنين21أبريل2025_
الأستاذ محمد النعيمي صديق ورفيق درب منذ عرفته قبل أكثر من ربع قرن، جمعتنا الكثير من المواقف والمناسبات السياسية والوطنية، وتوطدت عرى الصداقة بيننا، فكان نعم الأخ والصديق وما يزال.. ومنذ كان رئيسا للدائرة السياسية لاتحاد القوى الشعبية وعضوا بالهيئة التنفيذية للقاء المشترك، وهو على تماس مباشر بكثير من الأحداث السياسية سواء المرتبطة بأحزاب المعارضة في مواجهة السلطة، أو أثناء زخم الثورة الشبابية الشعبية، وخلال الفترة الانتقالية التي شهدت انتقال السلطة في اليمن لأول مرة منذ 33 عاما.
كما كان النعيمي حاضرا في ثورة 21 سبتمبر الشعبية، وأحد رجالات اليمن التي آثرت الوطن والدفاع عنه في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي، وقد تساقطت النخبة السياسية وتقاطرت إلى فنادق الرياض فرادى وجماعات. ولما توافقت القوى السياسية الوطنية على تشكيل مجلس سياسي أعلى لإدارة الدولة في أغسطس 2016، كان النعيمي وما يزال عضوا فاعلا بالمجلس، وتولى الكثير من الملفات الوطنية ذات الصلة بالتنمية وبناء الدولة. هذا بالنسبة للكاتب.
أما الكتاب، فعنوانه ” ساعة للتاريخ ” في سلسلة حوارية لبرنامج تلفزيوني يحمل نفس الاسم، بثته قناة المسيرة في فبراير 2023، وقد تطرق البرنامج في أربع حلقات لأبرز المحطات التي عاشها عضو المجلس السياسي الأعلى محمد صالح النعيمي، منذ شبابه والتحاقه باتحاد القوى الشعبية، وحتى يومنا هذا.
ولعل الثورة الشبابية 11 فبراير 2011، كانت الحدث الاستثنائي في حياة اليمنيين بعد أن استبد على عبدالله صالح بالسلطة وإدارة شؤون البلاد، وبات يهندس لتوريث السلطة في نجله أحمد على الضد من مبادئ الجمهورية وقيم الديمقراطية، فجاء الخروج الشعبي المتصل بالربيع العربي ليضع نهاية لعهد بائد، لكن دون أن تنتقل اليمن إلى المرحلة التي ينشدها السواد الأعظم من شعبنا وأمتنا.
من هنا تكمن أهمية الشهادة التاريخية التي وثقها النعيمي في كتابه عن انحراف الثورة مع المخاض العسير لولادة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، فقد كانت عملية إخراج الخطوط الأولى للمبادرة تشبه حالة عمرو بن العاص حين رفع المصحف في معركة صفين.
كانت ثورة الشباب قد دخلت شهرها الثالث والملايين يهتفون ” الشعب يريد إسقاط النظام ” في مسيرات يومية اتسمت بالسلمية والحماسة وغطت معظم المحافظات اليمنية. وفي جمعة الكرامة 18 مارس 2011، حدثت مجزرة دموية كبيرة بحق المتظاهرين السلميين بساحة التغيير في العاصمة صنعاء. وفي إطار تداعيات المجزرة أعلن علي محسن الأحمر، القيادي الأبرز بعد علي صالح في الجيش اليمني، انضمامه للثوار، ما شكل ضربة كبيرة لنظام صالح.
وبعد ثلاثة أيام على المجزرة وتداعياتها، تسرب أول خبر عن استعداد صالح مغادرة البلاد وتسليم السلطة، لكن لنائبه عبد ربه منصور هادي.
يقول النعيمي:
دعا علي محسن الأحمر قيادة المشترك إلى اجتماع في مقر كلية البنات / جامعة العلوم والتكنولوجيا ( استثمار خاص بشراكة من رجال أعمال في حزب الإصلاح )، وذلك بعد إعلان انضمامه إلى ثورة الشباب في إطار تداعيات مجزرة جمعة الكرامة 18 مارس 2011. وطرح علينا موضوع أنه اتصل به ” عبد ربه منصور هادي ” وطلب منه المجيء إلى منزله، وذهب إليه والتقى بـ ” علي عبدالله صالح “، الذي قدم مبادرة تفضي إلى تسليم السلطة لنائبه ” عبد ربه منصور هادي “، وأن يغادر خارج اليمن هو وأولاده وأولاد أخيه، بشرط أن يغادر معهم ” علي محسن وأولاده ” وأولاد ” عبدالله بن حسين الأحمر ” من اليمن، على أن يتم ترتيب تسليم السلطة للنائب ليكون رئيسا للجمهورية، وفي آخر اللقاء اتفقوا على أن يعقدوا اجتماعا في اليوم الثاني بحضور السفير الأمريكي.
ونلاحظ هنا أن مبادرة صالح كانت تقضي أن يغادر السلطة البلاد مع أولاده وأولاد أخيه، شرط أن يغادرها أيضا علي محسن وأولاده، وكذلك أولاد عبدالله بن حسين الأحمر.
كان صالح يدرك جيدا أن علي محسن وأولاد الشيخ عبدالله لن يقبلوا بهذا الشرط، لأنهم ركبوا موجة الثورة حتي يقودونها ويستأثرون بالسلطة، وقد كانوا شركاء صالح فيها 33 عاما. وكان صالح يدرك أيضا أن هذا الشرط سيخلق فتنة وسط شباب الثورة وأحزاب المشترك، كما فعلت خديعة رفع المصحف بجيش الإمام علي عليه السلام.
مع ذلك، وبحسب رواية النعيمي، فقد وافق علي محسن الأحمر على المقترح، وتحول فجأة إلى وسيط بين صالح وأحزاب المشترك.
في اليوم التالي، وفي حضور السفير الأمريكي، أضاف صالح شرط الحصانة له ولمن معه.. فقد أدرك جيدا أن التعاطي مع مبادرته كفيل بتحويل الثورة إلى أزمة سياسية بين صالح والمشترك. وهذا ما حدث.
لم يتطرق النعيمي إلى الكثير من التفاصيل، ولم يتناول حادثة استهداف جامع الرئاسة في النهدين، ونجاة علي صالح من اغتيال محقق، ولكنه أشار إلى مواجهات الحصبة وسط العاصمة صنعاء بين أولاد الأحمر وصالح، وهي الفترة التي تحولت فيها مبادرة صالح إلى مبادرة خليجية بمشاركة من الأمم المتحدة، وبإشراف من السفير الأمريكي في صنعاء.
هنا يعلق النعيمي على التعديلات التي أفضت إلى صيغة مختلفة للمبادرة الخليجية، فقد كانت المبادرة في صيغتها الأول تنص على خروج صالح من السلطة ومن البلاد بدون حصانة، ثم سرعان ما دخلت التعديلات مرة تلو أخرى، وكل نسخة تأتي بصيغة تنتقص من الصيغة التي قبلها، حتى رست على الصيغة المعلنة، التي تم فيها تثبيت الحصانة.
يستطرد النعيمي فيقول: في الأخير الحصانة غدت مفتوحة وشملت المؤتمر وحزب الإصلاح حيث نصت على منح الحصانة لـ ” على عبدالله صالح ومن معه “. والمعروف أن حزب الإصلاح كان شريكا في الحكم لفترة طويلة من عهد صالح.
في الأثناء أيضا طرحت فكرة العزل السياسي، ولكن الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية لم تستوعبها.
أخذت المبادرة الخليجية فترة طويلة نسبيا حتى تم التوقيع عليها في الرياض بتاريخ 23 نوفمبر 2011.وحققت المبادرة مفاعيلها حتى قبل التوقيع عليها، فقد انقسم الثوار بشأن المواقف منها، وانتقل الخلاف إلى داخل أحزاب المشترك، فيما بدأت ” فلول النظام ” إعادة ترتيب أوراقها استعدادا للمرحلة الانتقالية وتقاسم السلطة في إطار حكومة الوفاق.
ولأن الضغط الشعبي كان كبيرا على أحزاب المشترك، فقد كادت المبادرة أن تعصف بالتوافق داخل المشترك نفسه، حيث يكشف النعيمي أن المشترك كان قد اتخذ قرارا بالانسحاب من المفاوضات المتعلقة بالمبادرة الخليجية، وإحالة الملف إلى شباب الثورة ، ” واتفقنا أن باسندوة يبلغ الزياني- أمين عام مجلس التعاون الخليجي بهذا القرار، وجاء اليوم الثاني للقاء باسندوة إلى منزله عصرا، ونتفاجأ بأن عبدالوهاب الآنسي حضر هذا اللقاء، وما خرجوا من هذا اللقاء إلا وقد حددو موعد للزياني للقاء مع قيادة المشترك، وحينها عاتبنا الآنسي على حضور اللقاء بدون علم الجميع، وعاتبناه أيضا على إلغاء القرار والتزامه بعقد موعد للزياني مع اللقاء المشترك، وعندما رفضنا الاجتماع مع الزياني هدد الآنسي بأنه إذا لم يوافق المشترك على عقد الاجتماع فسوف يتخذ موقفا من اللقاء المشترك، وعند ذلك وافقنا على الاجتماع مع الزياني حفاظا على وحدة اللقاء المشترك “.
لم يقل النعيمي أن قرار المشترك حينها كان يخدم الإصلاح على نحو مباشر – بدون قصد طبعا-، فشباب الثورة كانت غالبيتهم من الإصلاح. وهذه حقيقة مرة لا ينبغي تجاوزها.
ربيع الثورة وخريف المشترك
ونستشف من هذا الموقف أن الإصلاح كان صاحب الكلمة العليا داخل المشترك، لدرجة أن الآنسي تصرف من تلقاء نفسه وتفاوض مباشرة مع الزياني، وضرب بقرار المشترك عرض الحائط.
لقد كانت ” سكرة الكرسي ” تعمل عملها حتى قبل أن يستوي الإصلاح على ظهر السلطة، فأصبح أعداء الأمس أصدقاء اليوم، وبات الحفظ على المشترك مسألة ثانوية، وهذا ما اشتكى منه النعيمي في كثير من محاور الكتاب. وقد شارك النعيمي نفس الرؤية كل رفاقه في الهيئة التنفيذية باللقاء المشترك حينها بمن فيهم ممثل حزب الإصلاح، لدرجة أن الهيئة صاغت رسالة شديدة النقد ورفعتها إلى المجلس الأعلى للمشترك (20-11-2012 ) وكانت بعنوان: ربيع الثورة وخريف المشترك، المشكلة والحل.
تحدث النعيمي عن تعمد الإصلاح إقصاء وتهميش ثلاثة من أحزاب المشترك حينها: اتحاد القوى الشعبية، حزب الحق، وحزب البعث العربي الاشتراكي. وأشار أيضا إلى استئثار ثلاثة من قيادات أحزاب المشترك باتخاذ القرار وهم: عبدالوهاب الآنسي، ياسين سعيد نعمان، وسلطان العتواني، بل وألمح إلى أن هذه القيادات كانت تتصرف أحيانا على الضد من مصالح أحزابها، دون الرجوع إلى المؤسسات الحزبية.
ولا غبار على هذا الكلام، فقد حدث مثل هذا وأكثر. ومن عايش تلك التجربة من داخل الأحزاب نفسها سيلحظ إلى أي مدى كانت النخبة السياسية تواجه امتحان الثبات على القيم والمبادئ، على مستوى الأفراد والمؤسسات، وحتى الأحزاب التي كانت خارج الفاعلية السياسية حينها فشلت هي الأخرى في هذا الامتحان، إذ كان جوهر الخلاف ينصب على نصيب هذا أو ذاك من كعكة المناصب والمغانم، إلا من رحم ربي.
ومن المفارقات التي تندرج فيما يمكن تسميته بالمضحكات المبكيات، أن ساحة التغيير التي كانت مقرا لخيام ومراكز شباب الثورة بالعاصمة صنعاء تحولت إلى نسخة أخرى للنظام المستبد بعد أن غدت تحت حماية ” الفرقة الأولى مدرع “، فقد أصبح للثورة سجنها الخاص بالفرقة، وكان من يعارض الإصلاح وعلي محسن الأحمر يجد نفسه داخل المعتقل ” الثوري “.!
يقول النعيمي في شهادته على هذا الواقع المزري:
اكتشفت ذات يوم وجود سجن في معسكر الفرقة لحبس شباب الثورة، فقد كان جيش علي محسن واللجنة الأمنية التابعة للإصلاح يختطفون من داخل الساحة من يتحدث ويبدي معارضة لحزب الإصلاح، بسبب تسلطه وتحكمه بالمنصة، وترديد الشعارات التي لا يريدونها، فكانوا يأخذون المختطف، ويدخلونه إلى وسط الباص ويقولون جريح جريح!، حتى يفتح الناس له الطريق، فهم يصيحوا على أساس أنه جريح، وهو في الحقيقة شخص مختطف إلى سجن الفرقة. وهذا ما اكتشفناه في اللحظات الأخيرة. وكان هناك عشرات الأشخاص مختطفين ومسجونين داخل الفرقة تحت الأرض.
مهزلة اسمها هادي
فيما بعد حدث ما هو أسوأ من استئثار الإصلاح وتفكك المشترك، فقد كان الرئيس الجديد لليمن عنوانا للعمالة والتبعية على نحو مكشوف، وهذا ما أبان عنه النعيمي، في قراءاته لدور عبد ربه منصور هادي منذ استلامه للسلطة وحتى هروبه إلى عدن.
كان صالح متمسكا بموقفه في أن السلطة يجب أن تنتقل إلى نائبه وفقا للدستور، وهذا ليس من باب احترام الدستور، بل لأنه كان يدرك أن هادي بشخصيته الضعيفة لن يشكل خطرا على صالح وأسرته قادم الأيام. الإصلاح وأحزاب المشترك بدورهم لم يطرحوا شخصا بديلا عن هادي، وقد كانوا يعتقدون أن هادي سيكون مطواعا لهم، من منطلق علاقته الشخصية الوثيقة بعلي محسن الأحمر.
هادي هو الآخر كان يدرك أن المهمة أكبر من إمكاناته، ولكنه ظن أنه يستطيع التلاعب بأطراف الصراع، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، واستشارة السفير الأمريكي بصنعاء في كل صغيرة وكبيرة. وهنا يقول النعيمي: لقد كان السفير الأمريكي مرجعا لقرارات الدولة في الفترة الانتقالية، سواء بالتشاور أو بالتنسيق، ليأخذوا منه الضوء الأخضر والموافقة على هذا القرار أو ذاك، وقد كان الرئيس هادي يؤكد لنا ذلك في لقاءاتنا به، حيث كان يقول، بأنه لا يتخذ أي قرار إلا بعد التشاور مع السفير الأمريكي، وحينما يتحدث عبد ربه كان يقول: قال لي السفير، قلت للسفير، اتفقت مع السفير، وهكذا..
وتطرق النعيمي إلى طريقة انتخاب هادي رئيسا لليمن، وأسماها بالمسرحية الهزلية، فقد كان بالإمكان الاختيار بين شخصين يتم التوافق عليهما من مؤيدي المبادرة الخليجية من المكونات السياسية، ومن فاز منهم يكون الرئيس. أو الخيار الثاني يكون استفتاء على قبول هادي رئيسا، بـ ” نعم ” أو ” لا “، وتحكم النتيجة بالأغلبية بقبوله رئيسا أو رفضه، والخيار الثالث والأسهل بدلا عن هذه المسرحية، هو اختيار هادي كرئيس للجمهورية بالتوافق السياسي بين الأطراف السياسية الموقعة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وتنتهي حفلة مسرحية الانتخابات.
وينتقل النعيمي إلى تجربة هادي في إدارة مؤتمر الحوار الوطني، والعمل مع الخارج على تمرير مشروع الأقاليم، برغم معارضة بعض القوى السياسية وبالذات أنصار الله، كما تناول أيضا ثورة 21 سبتمبر، التي شكلت تحولا كبيرا في حياة وتاريخ اليمن حسب تعبيره، وكيف بدأت إرهاصات العدوان السعودي الأمريكي على اليمن منذ تعطيل اتفاق السلم والشراكة، وإعلان هادي استقالته مع رئيس الحكومة خالد بحاح، دون أن تمارس الحكومة مهامها كتصريف أعمال، وهو المتعارف عليه في أية حالة مشابهة.
شكلت استقالة هادي أزمة حقيقية استفادت منها القوى الخارجية وبعض الفرقاء الداخليين، لكنها لم تحقق أهدافها الخبيثة إلا بعد تهريب هادي من صنعاء إلى عدن.
ومن أهم ما يكشف عنه النعيمي من أسرار هذه الفترة الحرجة أن الأحزاب السياسية كانت قد توافقت على تشكيل مجلس رئاسي من خمسة أعضاء، وذلك في اجتماع لممثلي الأحزاب وأنصار الله في منزل الشهيد عبد القادر هلال. وتفصيلا يشرح النعيمي ما حدث:
كان قد تم الاتفاق بين ممثلي أنصار الله وممثلون عن المؤتمر الشعبي وحزب الإصلاح والحراك الجنوبي، على تشكيل مجلس رئاسة مكون من خمسة أعضاء، بواقع عضو لكل طرف، أما العضو الخامس فيكون مستقلا ويتم التوافق عليه. وبمجرد مغادرة المجتمعين منزل هلال، ووصولهم إلى فندق موفنبيك، للإعلان عن الاتفاق بحضور بقية المتحاورين والمبعوث الأممي جمال بن عمر، إذا بمحمد قحطان ممثل حزب الإصلاح يبلغهم أن التوجيهات جاءت بعدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه بشأن المجلس الرئاسي.
كان أنصار الله مع بعض الأحزاب يسابقون الزمن من أجل تجاوز حالة الفراغ السياسي، فيما كانت السعودية وأطراف من الداخل وبالتنسيق مع أمريكا يعدون العدوة للعدوان على اليمن، من خلال إفشال أي توافق وطني، وبالعمل على تهريب هادي إلى عدن، حتى يكون الغطاء للتدخل العسكري، وهذا ما ألمح إليه بن عمر حين قدم استقالته كمبعوث للأمم المتحدة في اليمن.
عاصفة الحزم والعدوان السعودي
في إطار التهيئة للتدخل العسكري والعدوان على اليمن، تمكنت المخابرات السعودية والأمريكية من تهريب عبد ربه منصور هادي من العاصمة صنعاء إلى عدن جنوبي البلاد، ومن هناك تراجع هادي عن استقالته المعلنة وعن اتفاق السلم والشراكة مع أنصار الله، وكانت هذه لحظة البداية الفعلية للعدوان على اليمن، بحسب النعيمي.
لكن هل كان هناك مشروعية لما يسمى بعاصفة الحزم والعدوان السعودي الأمريكي على بلادنا؟
يجيب النعيمي بالاستناد إلى دستور الجمهورية اليمنية، والمواد ذات الصلة ومنها المادة 92 ، التي تمنح مجلس النواب اختصاص إعلان الحرب أو الموافقة عليها، وإن كانت صياغة المادة فضفاضة.
كذلك المادة 121، التي هي أوضح من سابقتها، فقد ألزمت مجلس النواب بالانعقاد خلال سبعة أيام من إعلان رئيس الجمهورية لحالة الطوارئ للموافقة أو الرفض، ولا تعلن حالة الطوارئ إلا بسبب قيام الحرب أو الفتنة الداخلية أو الكوارث الطبيعية.
وبالإضافة إلى الدستور، فإن الرئيس هادي حسب المبادرة الخليجية كان رئيسا توافقيا، وكذلك قرارات المرحلة الانتقالية في الحكومة ومجلس النواب كانت تقوم على التوافق.
وبالطبع، فإن كل هذه الاعتبارات جاءت مناقشتها على افتراض أن هادي من اتخذ قرار الحرب، أما في الواقع، فإن هادي كان آخر من يعلم عن عاصفة الحزم، وقد اعترف بنفسه على ذلك في لقاء له على قناة أبوظبي.
ومن المفارقات التي تطرق إليها النعيمي، فيما يتعلق باستقالة هادي، وفشل الأطراف السياسية في التوافق على ملء الفراغ السياسي قبل العدوان على اليمن، ما حدث من قبل اللجان الثورية التي منعت مجلس النواب من الانعقاد لاتخاذ موقف من استقالة رئيس الجمهورية، ذلك أن الأمور كما كان متوقعا كانت تتجه لصالح المؤتمر الشعبي العام صاحب الأغلبية في المجلس، وهو الحزب الذي يفترض أن الشعب ثار عليه وعلى رئيسه.
هنا يقول النعيمي: بعد الاستقالة سعت قيادات الإصلاح والاشتراكي والناصري وشخصيات سياسية أخرى إلى إقناع أنصار الله لمنع مجلس النواب من مناقشة الاستقالة، حتى لا يقرها المجلس، لأنها حين تقر ستمنح رئيس مجلس النواب تولي مهام رئيس الجمهورية حتى يتم انتخاب رئيس جديد، وهذا من وجهة نظر الأحزاب كان سيمنح علي عبدالله صالح فرصة الانقلاب على كل مخرجات الحوار الوطني. وأضاف: لقد كانت خدعة لأنصار الله من أجل أن يقطعوا الخط على المسار الدستوري.
ومن وجهة نظري الشخصية، فإن أحزاب المشترك وعلى رأسها الإصلاح هي التي انقلبت على ثورة الشباب، حين انخرطت في نقاشات ” الحصانة ” ثم لما تراجعت عن مسألة “العزل السياسي” للشخصيات السياسية والعسكرية التي كانت شريكة لصالح في السلطة والاستبداد والإجرام، ثم حين قبلت ببقاء المؤتمر الشعبي كجزء من المنظومة السياسية، بل وبقاء صالح رئيسا للمؤتمر وهو الحزب الذي كان شريكا في مرحلة الفساد والوصاية ما قبل ثورة الشباب.
في الأخير فإن الذين حالوا دون انعقاد مجلس النواب بعد استقالة هادي، هم الذين عرقلوا الاتفاق على مجلس رئاسي، وهم الذين باركوا العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، وارتموا مجددا في أحضان الرياض، وكل ذلك انتقاما من ثورة 21 سبتمبر الفتية، التي وضعت حدا لقوى التبعية والارتهان، وبشرت بعهد جديد تنعم فيه اليمن بالحرية والاستقلال.
اقرأ أيضا:ساعة للتاريخ .. كتاب جديد للأستاذ محمد صالح النعيمي
