هل أطراف الحرب جاهزة للحوار؟
الحرب اليمنية بالأساس حرب أهلية حَوَّلها الصراع الإقليمي إلى حرب مركبة يتمازج فيها الأهلي بالإقليمي بالدولي. حوّل التدخل الإقليمي القوي الحرب إلى صراع إقليمي، وجعل من الأطراف اليمنية مجرد أدوات، ومع استطالة الحرب فقدت الأطراف الداخلية القرار والقدرة، على التأثير فيما يجري على أرضهم.
راهنت الأطراف الإقليمية ذات التأثير الأكبر، خصوصاً التحالف السعودي – الإماراتي الذي يمتلك الأوراق الأقوى في اللعبة، على حسم المعركة خلال أسابيع. وتمتلك السعودية مع اليمن حدوداً طويلة، وعلاقات متشابكة مع بعض الأطراف في الداخل اليمني، وبالأخص «التجمع اليمني للإصلاح والقبائل الموالية»، ولديها تفوق عسكري كبير، وسيطرة مطلقة على الأجواء، وتحظى بدعم لوجستي: أمريكي – بريطاني – فرنسي، فيما راهنت حركة «أنصار الله» على الوجود العسكري والأمني والولاءات الشعبية الحزبية والقبلية للرئيس السابق صالح، وعلى دعم إيران وبعض شيعة العراق، وحزب الله، وإلى انتصاراته في حروبه الستة.
لم تكن غالبية الشعب اليمني مع الحرب، ولكنها كانت منهكة وغير قادرة على خوض نضال شعبي وسلمي ضدها. الداعم اللوجستي للحرب أصبح الأقوى والأكثر فاعلية وتأثيراً. ربما تراجعت قليلاً أوهام الحسم العسكري، ليحل محلها المزيد من الضغط والتصعيد، والتوسع على أكثر من جبهة، عبر توسيع دائرة الحرب للإنهاك، وإرغام «أنصار الله» على القبول بالانصياع للذهاب إلى المفاوضات، والقبول بحل سياسي. أما الأطراف الدولية فرهانها قائم على تعب كل الأطراف، وتعاظم جرائم الحرب الواصلة إلى تخوم الإهلاك والإفناء. فجرائم الحرب في اليمن تكاد تكون «بطلة إيقاظ الضمير العالمي»؛ فهي ترغم مقترفيها على البراءة منها، ونسبتها للطرف الآخر، وهي سلاح للرأي العام الدولي؛ لفرض خيار التفاوض، لإيقاف مسلسلها الكارثي.
غالبية الشعب اليمني ضد الحرب لكنها منهكة
على المستوى الوطني يسعى كل طرف لتحقيق انتصارات حزبية أو مناطقية أو جهوية على حساب الآخرين حتى حلفائه. فـ «أنصار الله»، وهم في ذروة المعركة مع الطرف الأقوى عسكرياً – التحالف الاثنا عشري- يحاولون الانفراد والقبض على سلطة الأمر الواقع على حساب «المؤتمر الشعبي العام» المتحالف كرهاً معهم. وتدور أيضاً خلافات داخل «أنصار الله» أنفسهم. أما طرف «الشرعية» فهو الأكثر تفككاً وتصدعاً. فـ«الحراك»، وهو أكثر من طرف، يقف بعضه ضد «الشرعية» معطياً الولاء كله للإمارات العربية المتحدة، وفي حين يطالب بالانفصال يخوض المعركة في الحديدة، وفي دمت وفي البيضاء باسم «الشرعية» التي لا يعترف بها في الواقع، ويخوض صراعاً ضدها في كل مناطق الجنوب. والأغرب في التصعيد الأخير، أن يتشارك في المعارك في الحديدة مليشيات «سلفية» من الحراك المسلح، وبقايا من جيش صالح ومحازبيه والموالين له، والحراك التهامي. وكل هذه الأطراف متعادية، ولا يجمع بينها جامع سوى الضغط والتوجيه الإماراتي.
في تعز – مدينة المدن اليمنية- المحاصرة منذ بدء الحرب يجري فيها التنافس بين «الإصلاح» والسلفيين. وتقوم الإمارات بدعم السلفيين- كتائب أبي العباس-، بينما تدعم السعودية الإصلاح – جماعة علي محسن-، ويُقصى الطرف الأساس، وهو اللواء 34 الذي يقوده عدنان الحمادي الآتي من الجيش الوطني، وهو أول من تصدى لجيش صالح و«أنصار الله» الذين اجتاحوا الجنوب، وحاولوا اقتحام المدينة، وفرضوا الحصار عليها.
في مأرب التابعة مباشرة للنفوذ السعودي بواسطة قبائل موالية للسعودية ومجاميع من مختلف مناطق اليمن وحضور قوي «للإصلاح» يجري التنافس بين سلطان العرادة (محافظ مارب)، وبين هاشم الأحمر، وكلاهما موالٍ للسعودية وللواء علي محسن، غير أن الصراع في مأرب محكوم بقبضة السعودية.
«الإصلاح» الماسك بمفاتيح سلطة «الشرعية» المحتضرة يتهيأ لوراثتها والحصول على رضا السعودية والإمارات، كما يسعى الطرف الموالي لقطر وتركيا إلى مد الجسور مع «أنصار الله»، وربما تلاقى الحبل السُّري بين أكثر من طرف.
تسعى السعودية إلى تحويل الحرب إلى يمنية- يمنية، وتأمين مناطق نفوذها وحدودها، والخلاص من التهديد الإيراني، ومد أنابيب النفط إلى بحر العرب بدون دفع أي استحقاق، والخلاص من أي مسؤولية عن جرائم الحرب أو دفع تعويضات عنها، بينما تهتم الإمارات بالاستيلاء على الجزء والموانئ، وفرض كيان موالٍ لها في الجنوب، أو في مناطق تواجدها.
هذه الحرب المدمرة على مدى الأعوام الأربعة ضد إرادة الشعب اليمني وطموحه لبناء كيانه الاتحادي الديمقراطي، وبناء اقتصاد وتنمية وتحديث وحريات عامة وديمقراطية وحرية رأي وتعبير، ليست في أجندة كل أطراف الحرب أو الداعمين اللوجستيين لها.
جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي كشفت الغطاء عن جرائم الحرب في اليمن؛ فهي جرائم تصل إلى جرائم حرب وضد الإنسانية، وحولت بلداً وشعباً تعداد سكانه يقارب الثلاثين مليوناً إلى أسوأ كارثة على وجه الأرض. فهل هذه الجرائم، ويقظة الضمير العالمي سيفرضان على كل أطراف الحرب الانصياع للسلام، والعودة للتفاوض؟ ثم إن كل أطراف الحرب الإقليميين، وهم يمتلكون قرار الحرب والسلم، ومثخنون بجراح الأزمات الشاملة داخل بلدانهم، معرضون للابتزاز والتهديد والحصار من قبل القوى الكبرى؛ فهل يكون ذلك دافعاً لهم للبحث عن حل؟ اللاعبون الدوليون أيضاً لديهم صراعاتهم الداخلية والبينية، وهم أكثر إدراكاً لاستحالة الحسم العسكري؛ فهل يساعد ذلك على الضغط للوصول إلى حل سياسي؟ وهل يكون الانتصار الجزئي لقوى التحالف الاثنا عشري في غير منطقة كافياً لإعلان الانتصار، والذهاب للتفاوض؟
السؤال الحارق والمؤرق: ما الذي تريده القوى الإقليمية، وهي اللاعب الأساس، هل تريد الانتصار لإرادة الأطراف الداخلية التابعة لهم، أم أن لديهم رؤاهم ومصالحهم وحساباتهم الخاصة التي ليس من بينها تحقيق إرادة الأدوات اليمنية المسخرة للحرب؟
المنظرون للحرب والمتحمسون لها أكثر من قادة الحرب لا يدركون أن كوارثها تطال الملايين من اليمنيين، وتدمر بلداً بكامله. ولم يعد خافياً أن قرار الحرب لم يعد بيد قادتها الأهليين، وإنما هو بيد القوى الإقليمية والدولية التي حاربت وتحارب في اليمن ضد مخرجات الحوار، وضد دستور دولة الوحدة، وضد بناء كيان يمني اتحادي وديمقراطي؛ فهي بالأساس تخوض حرباً ضد ثورة الربيع العربي في اليمن وفي عموم المنطقة العربية.