في الطريق إلى ستوكهولم…
أيام قلائل، وتكون الوفود اليمنية قد التأم شملها في ستوكهولم، لبدء جولة جديدة من المشاورات، بعد الجولة الفاشلة في جنيف مطلع أيلول/سبتمبر الماضي… التوقعات تبدو مرتفعة هذه المرة، والموفد الأممي مارتن غريفيت، يعمل بكثافة بين العواصم ذات الصلة، من دون استثناء صنعاء، التي أظهرت أنها طرفاً جدياً في هذا الصراع، لا حل من دونها أو على حسابها.
خلال الأشهر الثلاثة التي فصلت جنيف عن ستوكهولم، وقعت تطورات ميدانية وسياسية بالغة الأهمية والأثر، أهمها اثنان: الأول؛ انقضاء المهلة التي منحتها واشنطن وحلفائها للتحالف العربي لحسم معركة الحديدة من دون تسجيل أي اختراق ميداني يذكر … والثاني؛ جريمة اغتيال الخاشقجي وما أطلقته من تفاعلات وتداعيات إقليمية ودولية، وما ترتب عليها من إعادة ترتيب و”توزين” الأولويات والتحالفات.
ميدانياً، وعلى الرغم من كثافة الهجوم وتعدد أسلحته والوحدات المشاركة فيه، نجح الحوثيون وحلفاؤهم في الشمال، في صد الهجمات المتكررة على مدينة الحديدة الاستراتيجية ومينائها، بل أنهم نجحوا في إلحاق خسائر جسيمة كما تقول مصادر محايدة، في صفوف القوات المهاجمة… وتعد الهجمات الأخيرة على الجديدة، ثالث موجة من الهجمات الاستراتيجية المركزة التي شنها التحالف العربي وحلفاؤه على المدينة من دون أن ينجح في بسط سيطرته عليها، ومن غير المتوقع أن يحظى التحالف، بمهلة إضافية لتنفيذ هجوم رابع، في ضوء تنامي الاهتمام الدولي بضرورة وضع حد للحرب الطاحنة في اليمن وتفاقم مأساته الإنسانية.
سياسياً، ومنذ اليوم الأول للكشف عن جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال الخاشقجي، بدا واضحاً أن المجتمع الدولي أقام رابطاً عضوياً بين مطلب الكشف عن الجناة والمتسببين في الجريمة النكراء من جهة، ووقف الحرب اليمنية وإنهاء الأزمة الخليجية (حصار قطر) من جهة أخرى.
وعبر كثيرٌ من المراقبين والمحللين ذوي الصلة، عن اعتقاد راسخ بأن دماء الخاشقجي المهدورة، وفرت فرصة نادرة لحقن دماء اليمنيين، حيث توفرت لهؤلاء المختصين معلومات من مصادر متعددة، عن “مرونة مفاجئة” في مواقف العواصم النافذة في التحالف العربي، أملتها على نحو خاص، الحملة الدولية المكثفة على الرياض في أعقاب حادثة القنصلية، وتزايد الضغوط السياسية والإنسانية لإغلاق هذا الملف.
ليس واضحاً بعد، ما الذي ستنتهي إليه هذه الجولة، وما هي حدود التقدم أو التراجع الذي يمكن إحرازه من خلالها … بل وليس من الواضح حتى الآن، ما إذا كانت الجولة ستعقد أم لا، سيما في ضوء تجربة مفاوضات جنيف الفاشلة، حيث حالت “عقبات اللحظة الأخيرة” دون وصول وفد أنصار الله إلى جنيف … لكن المؤكد أن ثمة رياح جديدة، تهب على الأزمة اليمنية، وتحمل في طياتها أنباءً سارة عن “نضج” الإرادة الدولية لحل هذا الملف ووضع حد لأبشع كارثة إنسانية في العصر الحديث.
الحوثيون، لا يبدون شديدي التفاؤل بمخرجات جولة ستوكهولم المقبل، فيما معسكر “الشرعية” وحلفائه، ما زال يعوّل على “التجييش” الأمريكي ضد إيران، لقطف الثمار والنتائج المرجوّة في اليمن … ما يعني أن مارتن غريفيت، لم يدع الأطراف لـ”نزهة قصيرة”، بل لمفاوضات شاقة، مريرة ومديدة … ولا يستبعد أن يتخللها جولات إضافية من العنف المتبادل والتسخين اللاهب لخطوط التماس، وعلى مختلف الجبهات.
في مطلق الأحوال، يبدو أن الأزمة اليمنية قد دخلت “ربع الساعة الأخير”، على أن تجربة الجرب في سوريا وعليها، علمتنا أن “ربع الساعة” هذا، قد يطول ويتطاول، وقد تسجل خلاله أرقاماً قياسية في أعداد القتلى والجرحى والموتى من نقص الغذاء أو قلة الدواء.