دموع التباكي على الإنسانية.. آخر سلاح بيد المهزومين الأذلاء!!
محمد علي المطاع
بما ان المناطق التهامية تعد من اخصب الأراضي الزراعية، وهي أيضاً يقع على أراضيها ساحل بحري يمتد من ميدي شمالاً إلى باب المندب جنوباً.. إلا أن أبناءها– سواء في محافظة الحديدة أو محافظة حجة – يعدون من أفقر أبناء اليمن على الاطلاق.
فالحكومات المتعاقبة منذ قيام الثورة في عام 1962م يعد وجودها الخدمي في هذه المناطق معدوماً باستثناء بضع سنين في سبعينيات القرن الماضي شهدت شيء من اهتمام الحكومة، وخصوصاً من قبل ما أطلق عليها حينها التعاونيات.. وغير ذلك لم ير القائمون بالحكم على بلادنا في تهامة غير أرض خراجية تُفرض على أهلها الجبايات، هذا أولاً.. وثانياً أراض تتمتع بالخصوبة الزراعية العالية، كما تتمتع أيضاً بالقيمة التجارية والسياحية ويجب تملك اجزاء منها وان بالسيطرة والبسط عليها..
أغلب أبناء تهامة يعيشون حياة الفاقة والحرمان، فلا اهتمام من الحكومات المتعاقبة، ولا اهتمام من التجار الذين أستثمروا في أرض تهامة وأقاموا العديد من المشاريع التجارية والصناعية والسياحية.. بينما أبناء تهامة على مدى عقود طويلة يعانون الفقر والفاقة وتجثم عليهم حالة شبه المجاعة الدائمة.
وقد تكالبت على تهامة وأبنائها جهات عدة، بدءاً من الاقطاعيين المحليين الذين يتخذون من السكان كعمال (سخرة) يفرضون عليهم العمل في مزارعهم الخاصة بمقابل لا يزيد عن الأكل والشرب وحق الإقامة في أكواخ وعشش من القش.. ومروراً بسلطات فاسدة ومسؤولين محليين همهم الأول ارضاء المسؤولين الحكوميين الذين عينوهم في مناصبهم لخدمة مصالحهم.. ووصولاً إلى النهب والبسط والاستيلاء على الأراضي الخاصة والعامة في تهامة دون مقابل وإقامة المشاريع الزراعية والتجارية والاقتصادية والسكنية والسياحية التي لا تعود بأي خير على أبناء وسكان المنطقة، بينما يجني حيتان الفساد والنفوذ والتسلط خيراتها ويحققون الأرباح الطائلة.
عاش التهاميون عقوداً طويلة تحت وطأة الحاجة والفقر والعوز بصبر وجلد رغم القهر والحرمان الذي فرض عليهم من قبل أولي الأمر، على أمل أن يأتي اليوم الذي ينعمون فيه بخيرات أرضهم وشواطئهم..
تعاقبت الحكومات وأقيمت الدراسات والبحوث وأعدت الخطط التنموية للاقليم التهامي.. ورفدت بتقارير ودراسات جدوى مولت من دول وجهات ومنظمات تهدف لتنمية التهايم واعطاء أهلها ما يستحقونه من دعم ورعاية، إلا ان مصير كل ذلك لم يتعد الأرشفة لكل ما أعد وقدم، حتى القروض التنموية الأممية والدولية التي خصصت للتهايم التهمها الفساد والفاسدين ولم ينل أبناء التهايم منها شيئاً، اضف إلى ذلك النهب والسيطرة والتملك للكثير من خيراتها من قبل النافذين والمتسلطين..
كل ذلك كان سبباً لينخرط أبناء التهايم في عام 2011م في الحراك الشعبي الثوري الذي ساد كل المحافظات اليمنية خروجاً على أوضاع غير طبيعية عاشتها البلاد منذ عقود، ساد فيها الفساد والطغيان والاستكبار واللادولة، والذي يقابله الحرمان والحاجة والفاقة لأغلب أبناء الشعب اليمني.. وهي الثورة التي خرج فيها اليمنيون كلهم وفي جميع المناطق بحثاً عن ذواتهم وحقوقهم، مطالبين بايجاد دولة ونظام وقانون افتقدوه لزمن طويل.
لم يرق للدول والجهات – التي لا تريد لليمن وأبنائها خيراً – ذلك، فعمدت وسعت إلى اجهاض هذا الحراك الشعبي الثوري المطلبي – الذي ينشد الخلاص – وذلك عبر تحريك أدواتها في الداخلي للعمل على اجهاض الحراك الشعبي الثوري المطلبي.. وكان لها أن تحقق ذلك من خلال اشعال فتنة حرب أهلية تصدرها عملاء وخونة في الداخل.. إلا أن تصدي المحرومين والمضطهدين لعقود واجيال من أبناء الشعب اليمني وتمكنهم بحكمة يمانية لهذا المشروع الفتنوي والعمل على اطفائه..
لم يرق الأمر لهذه الجهات والدول أن يكون لليمانيين كيان مستقل عنهم، غير تابع لهم، يمتلك حرية القرار ويحافظ على سيادة الوطن.. استشعروا خطورة ذلك وتقدموا بمقترحات توهم الآخرين بأنهم حريصين على اليمن وأهلها وعقدوا لذلك مؤتمر حوار، جمع فيه اليمانيين، ورغم أن هذا الحوار لم يسلم من الإملاءات والتدخلات والفرض للكثير والكثير مما ليس في صالح البلاد وابنائها، إلا أن اليمانيون كادوا أن يصلوا إلى اتفاق يحقق الحد الأدنى من تحقيق مطالبهم بإشراف ومشاركة أممية ودولية.
من لا يريدون خيراً لليمن وأهلها، عادوا لاستخدام أدواتهم وعملائهم الداخليين ودفعهم لفرض قرارات ومشاريع غير ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الحوار، لم يبق الباحثين عن طوق نجاة طلباً للدولة العزيزة الحرة الكريمة، دولة النظام والقانون، مكتوفي الأيدي، وكان لهم أن يتحركوا دفاعاً عن ما رأوا فيه أنه يمثل الحد الأدنى مما يلبي مطالبهم وتطلعاتهم في بناء الدولة المستقلة.. وفي المقابل للخطوات التي اتخذها اليمانيون كان هناك خطوات عدائية للوطن والشعب اليمني تمثلت بإعلان حرب خبيثة تشارك فيها العديد من الدول المتحالفة بقيادة السعودية ومشاركة بريطانية وامريكية واسرائيلية، مسنودة بتواطؤ أممي غير مسبوق.
ها نحن نرى ونسمع المشاركين في التحالف العدواني الآثم على بلادنا يتشدقون بما يسمونه (إعادة الشرعية) في الوقت الذي كانت تقارير دولهم ومنظماتهم ومكاتب دراساتهم وتحليلاتهم تصف هذه الشرعية بالسلطة الفاقدة للشرعية والفاسدة وغير الكفوءة.. ولكنهم رغم ذلك يسعون إلى إعادة هذه السلطة رغم ما يعرفونه من مساوئها وعدم شرعيتها.
الحرب التي شنها هؤلاء على بلادنا وشعبنا فرضت واقعاً سياسياً جديداً وحتمت أن يتصدر المشهد الوطني رجال صادقين مخلصين يسعون إلى إخراج وطنهم وبلادهم وشعبهم من ربقة التبعية وفوضى اللادولة من خلال تصديهم للعدوان والقائمين به، وكان لهم ذلك وحققوا الانتصارات تلو الانتصارات، وفشل المعتدون في أغلب الجبهات رغم حجم ما حشدوه من عدد وعتاد حربي وامكانات.
ورغم ما مني به المعتدون من فشل عسكري ورغم الهزام التي لحقت بجيوشهم ورغم تحطيم ما حشدوه.. إلا أنهم ما زالوا يكابرون ولم يتعظوا من دروس أكثر من ثلاث سنوات حرب كلفتهم مئات المليارات من الدولارات.. إلا أنهم ما زالوا متمسكين بالعزة بالإثم مستكبرين متغطرسين مدعين أن بقدرتهم مواصلة الحرب وتحقيق انتصار.
ومع يقينهم بأنهم لن يستطيعوا أن يحققوا أي انتصار، إلا أنهم يعلنون تحقيقهم لانتصارات لا وجود لها على أرض الواقع، وانما مكابرة ومحاولة للايحاء بأن بمقدورهم مواصلة الحرب من خلال التهديد الإعلامي بأنه يمكنهم تحقيق انتصارات.. محاولين أن يبرروا ذلك بدعاوى إنسانية باطلة لا تنسجم مع الوقائع التاريخية السابقة..
فها نحن نراهم يتشدقون بأنهم يقومون بالحرب من أجل السيطرة على مدينة الحديدة ومينائها لضمان وصول المساعدات الإنسانية وتزويد اليمنيين بالمواد الغذائية والدوائية الضرورية.. ويتباكون على أبناء تهامة مدعين أنهم معرضين للمجاعة وفتك الامراض بهم.. وأن الطريقة الوحيدة لمنع تعرضهم للمجاعة هي أن يسلموا أرضهم وبلادهم ومقدراتهم للمعتدين.
وهنا يبرز السؤال: أين كانت إنسانية وضمائر ونخوة هؤلاء منذ عقود مضت كان فيها أبناء تهامة خصوصاً واليمانيين عموماً يعانون الفقر والجوع والمرض ولم يجدوا من يمد لهم يد العون.. بل على العكس من ذلك، تم اتخاذ اجراءات غير إنسانية بحق العديد من المغتربين اليمانيين الذين كانوا في بلدان هذه الدول المعتدية واتخذت بحقهم اجراءات غير إنسانية وغير أخلاقية فرضت عليهم العودة إلى الوطن ليزيدوا من تفاقم حالة الفقر والجوع والمرض وتزداد أعداد من يعانون منها.
إنكم أيها المعتدون المهزومون تتخذون من مأساة إنسانية أنتم من فرضها على وطننا وشعبنا بحصاركم وحربكم العدوانية، وبمساندة المستكبرين في الأرض لكم، وبتواطؤ فاضح ومخزي معكم من الهيئات الأممية كافة.
نحن نعلم يا هؤلاء أنه لم يعد بمقدوركم مواصلة الحرب رغم امكانياتكم المادية ورغم ما تحصلون عليه من دعم غربي واوروبي واسرائيلي، كما اننا نعلم أن تهديداتكم بمواصلة الحرب على محافظة الحديدة لم يعد إلا من باب التهويل، ونعلم أنكم بذلك تريدون أن تحققوا وتصلوا إلى شيء في المفاوضات والحوارات التي يجب أن تجرّوا إليها مرغمين..
هددوا كما تشاءون وتوعدوا كما تشاءون ومنوا أنفسكم بما تشاءون.. فشعبنا لنا يقبل أن تحصدوا إلا الخزي والعار، فقد مرغ جيشنا ولجاننا الشعبية ورجال قبائلنا أنوفكم في الوحل، وبعد الهزائم النكراء التي تلقيتموها من شعبنا لم يعد لكم أن تفرضوا ولن تستطيعوا أن تفرضوا شيئاً.. فما لم تأخذوه بسطوة وقوة سلاحكم الذي أضحى عاجزاً أمام بأس اليمانيين لن تحصلوا عليه بالتفاوض والحوار..
إن اليمانيون ياهؤلاء ينتظرون منكم أن تعلنوا هزيمتكم لتتجرعوا وبال تجرؤكم على شن العدوان على شعب عزيز كريم حر يأبى الظيم.. ولم يعد لكم إلا الذل والخزي ثم الخزي ثم الخزي.. بعد كل المخازي السابقة التي تلطختم بها في جبهات المعارك.