تقرير : الطفولة المذبوحة في اليمن .. لا يمكن تبرير هذه الجرائم !!
أكثرت الحرب من معاناة أطفال اليمن خلال أزيد من ثلاث سنوات ارتفعت معها في أوساطهم مؤشرات القتل والإصابة واليتم والموت والمرض والتسرب من التعليم والتشرد والتسول في الشوارع وسوء التغذية والعمل والتجنيد وغيرها من أشكال المعاناة التي ما زالت تتمدد، وخاصة منذ التدخل السعودي على رأس تحالف عسكري في آذار/مارس 2015 لمساندة القوات الحكومية في مواجهة المسلحين الحوثيين.
هناك نتائج إجرامية مهولة لهذا العدوان بقيادة السعودية على أرض الواقع خلّفتْ أكبر مأساة إنسانية في العالم من صنع البشر يعيشها اليمنيون حالياً، كما خلقتْ واحدةً من أكبر أزمات الحماية في العالم يعاني منها أطفال اليمن، وما تزال تهدد ملايين الأطفال هناك بعدد من الأمراض والأوبئة علاوة على ما يعانون من فقر وعوز ونزوح وغيرها من مظاهر المأساة التي تظهر من خلالها الحرب الدائرة هناك، وكأنها، حرب ضد الأطفال.
وكانت الأمم المتحدة أدرجتْ في حزيران/يونيو 2016 التحالف برئاسة السعودية في القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال، واستمر في القائمة لفترة قصيرة، ومن ثم تم إخراجه منها بناء على توجيهات من الأمين العام للأمم المتحدة، حينها، بان كي مون، وأتهم بان، آنذاك، السعودية بممارسة ضغوط «غير مقبولة» وغير مشروعة، وتداولت حينها وكالات الأنباء أخباراً مفادها أن الرياض هددت بوقف بعض تمويل الأمم المتحدة.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2017 أدرجت الأمم المتحدة التحالف برئاسة السعودية مع القوات اليمنيّة الحكومية وقوات الحوثيين ضمن القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال في اليمن، بسبب مقتل وإصابة آلاف الأطفال وشن هجمات عشوائية على المدارس والمستشفيات والمرافق المدنية الخدمية هناك.
وبعد أكثر من ثلاث سنوات من النزاع المستعر سجلت المنظمات الدولية أرقاماً ورصدت مؤشرات ضاعفت من القلق على الوضع الإنساني للأطفال في هذا البلد، الذي كانوا قبل الحرب يعيشون فيه أوضاعاً صعبة لتخلق الحرب واقعاً أكثر تعقيداً وتهديدا.
مقتل وإصابة نحو خمسة آلاف طفل
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» الثلاثاء الماضي مقتل 2200 طفل وإصابة 3400 طفل آخر في اليمن، وذلك منذ تدخل السعودية على رأس تحالف العدوان.
وكانت «يونيسيف» أعلنت في كانون الثاني/يناير الماضي مقتل وإصابة نحو خمسة آلاف طفل منذ التدخل السعودي. وفي آذار/مارس 2017 بلغ عدد القتلى من الأطفال حسب المنظمة 1546 طفلا، بينما بلغ عدد الجرحى من الأطفال 2450 طفلا.
وتتحدث هذه الأرقام عن الضحايا المباشرة للحرب هناك من الأطفال، وهو رقم كبير من أصل عشرة آلاف قتيل من المدنيين، على الرغم من أن الرقم في الواقع يبقى أكبر من المعلن عنه من الأمم المتحدة.
وللتدليل على ذلك سنرجع قليلاً إلى ما أعلنته «يونيسيف» في منتصف حزيران/يونيو عن انعكاسات العملية العسكرية المحتملة على مدينة الحديدة على صعيد الأطفال في المدينة وعلى مستوى اليمن، حيث أعربت «عن القلق إزاء الأثر الذي سيتركه الاعتداء على الحديدة على الأطفال في هذه المدينة الساحلية». وحسب البيان أشارت تقديرات «يونيسيف» إلى أن ما لا يقل عن 300000، طفل يعيشون حالياً في مدينة الحديدة وحولها ـ أي الفتيان والفتيات الذين يعانون منذ فترة طويلة بالفعل. كما «يعتمد ملايين الأطفال في جميع أنحاء اليمن على السلع الإنسانية والتجارية التي تأتي من خلال ذلك الميناء كل يوم لبقائهم. وبدون الواردات الغذائية، ستتفاقم إحدى أسوأ أزمات سوء التغذية في العالم. وبدون استيراد الوقود، وهو أمر حاسم لضخ المياه، سيتقلص وصول الناس إلى مياه الشرب، مما يؤدي إلى المزيد من حالات الإسهال المائي الحاد والكوليرا، اللذين يمكن أن يكونا مميتين للأطفال الصغار».
وتحدثت المنظمة عن 11 مليون طفل بحاجة لمساعدات إنسانية في هذا البلد الذي مزقته الحرب.
قد يمثل هذا الرقم عنواناً لمأساة أطفال اليمن جراء الحرب المستعرة في بلادهم، ذلك أنهم يمثلون مع النساء الفئة الأكثر معاناة في المجتمع جراء الحرب، كما يأتي الأطفال قبل النساء في مؤشرات الخسائر باعتبارهم أضعف الأضعف، أيضاً، في مواجهة تداعيات الحرب من أمراض وفقر وعوز وسوء تغذية وتشرد وحرمان وتسرب من التعليم ودخول مبكر لسوق العمل والتعرض للاستغلال بما في ذلك الالحاق بمعسكرات التجنيد…الخ. وهنا يصبح الطفل مقتولاً وقاتلاً، وهو في الحالتين ضحية، بالإضافة إلى كونه يقع في مقدمة ضحايا الجوع والحرمان والعوز والمرض والنزوح…الخ؛ وهو ما يجعل مستقبل البلاد ملغوماً بأعداد كبيرة ممن شوهت الحرب حيواتهم وميولهم، ليصبح ضحايا اليوم منهم تهديداً لغيرهم في الغد، الأمر الذي يعزز من أهمية التدخلات لمواجهة احتياجات حماية هذه الفئة في المجتمع خلال الحرب.
وقالت هنرييتا فور، المديرة التنفيذية لمنظمة «يونيسيف» في مؤتمر صحافي عقدته في جنيف عقب زيارة لليمن: «رأيت ما أمكن لثلاث سنوات من الحرب المستعرة، بعد عقود من التخلف الإنمائي والتجاهل العالمي المُزمن، أن تفعله بالأطفال». وأوضحت «أُخرجوا من المدارس، وأُجبروا على القتال، وزُوّجوا، وجُوّعوا، وهلكوا بفعل أمراض يمكن الوقاية منها». وحذرت من أن «ثمة 11 مليون طفل في اليمن – أكثر من سكان سويسرا بأجمعهم – بحاجة إلى مساعدة». وأكدت ان «يونيسيف» تحققت من هذه الأرقام، لكن «من الممكن أن تكون الأرقام الفعلية أكبر من ذلك». وتابعت «لا يمكن تبرير هذه المذبحة!».
أسوأ أزمة إنسانية من صنع البشر
لقد أدت ثلاث سنوات من الصراع المتصاعد في اليمن إلى تحويل البلد إلى أسوأ أزمة إنسانية من صنع البشر في العصر الراهن، حيث يحتاج ثلاثة أرباع السكان 22.2مليون شخص، لمساعدات إنسانية وحماية، منهم 11.3 مليون شخص، يحتاجون لمساعدات إنسانية عاجلة للبقاء على قيد الحياة، و17.8 مليون شخص يعانون من فقدان الأمن الغذائي، منهم 8.2 مليون شخص عرضة لخطر المجاعة، كما يفتقر 16 مليون شخص إلى المياه المأمونة والصرف الصحي، و16.4 مليون شخص، يفتقرون للرعاية الصحية الكافية. ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» فقد أوضحت المؤشرات المعلنة مستهل العام الجاري أن جيلاً كاملاً من الأطفال ينشأ في ظل المعاناة والحرمان، حيث هناك ما يقرب من مليوني طفل خارج المدارس و1،8 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد منهم 400000 طفل دون سن الخامسة من العمر يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، وهم أكثر عرضة بعشرة أضعاف لخطر الموت مقارنة بأقرانهم إذا لم يتلقوا العلاج الطبي اللازم.
بلا شك أن تصاعد النزاع منذ آذار/مارس 2015 قد أدى لتفاقم كبير في أزمة الحماية التي يواجها ملايين الأشخاص هناك، ويتعرضون بسببها لمخاطر تهدد سلامتهم وحقوقهم الأساسية.
ويقع النساء والأطفال في مقدمة أولئك المهددين بأزمة الحماية، حيث يمثل اليمن واحدا من أكبر أزمات الحماية في العالم، وهي الأزمة التي يتعرض خلالها المدنيون هناك لانتهاكات مستمرة لحقوقهم من قبل أطراف الصراع التي تتجاوز باستمرار التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي.
عمالة الأطفال وتجنيدهم
لقد تسبب الصراع ، في تفاقم المعاناة الإنسانية، من خلال استمرار الغارات الجوية والاشتباكات المسلحة في استهداف المدنيين، موقعة الكثير من القتلى والإصابات باستهداف المناطق السكنية المدنية بالإضافة إلى مرافق البُنية التحتية، حيث تسببت الغارات الجوية في إيقاف تشغيل نصف المرافق الصحية وتدمير 1500 مدرسة فيما 21 أخرى تحتلها جماعات مسلحة، علاوة على ما تسببت وتتسبب به العمليات العسكرية من نزوح داخلي، حيث وصل عدد النازحين داخلياً لنحو ثلاثة ملايين شخص معظمهم نساء وأطفال، ونسبة من الأطفال النازحين فقدوا فرصة موصلة الالتحاق بالتعليم وتحولوا إلى العمالة والتجنيد في الجماعات المسلحة والزواج المبكر للفتيات قبل سن 18 سنة وغيرها من المشاكل.
وحسب مؤشرات منظمات دولية فإن النساء والأطفال يمثلون ثلاثة أرباع النازحين داخلياً، وكانوا هم الفئة الأكثر ضعفاً، وزاد من مرارة المأساة أن 52 في المائة من النازحين تعيلهم نساء.
وقال مكتب «أوتشا» إن4.1 مليون طفل يمنيّ في حاجة ماسة للمساعدة لمواصلة تعليمهم، على اعتبار أن 13 محافظة يمنية أصيبت بانتكاسة في التعليم نتيجة أن عددا من المدارس أصبحت غير صالحة للاستخدام جراء الأضرار الناجمة عن النزاع مع عدم الانتظام في صرف مرتبات المعلمين وغيرها من الأسباب والعوامل التي تأثر بها واقع التعليم في اليمن خلال الحرب التي تسببت أيضاً في ارتفاع نسبة الزواج المبكر للفتيات تحت سن 18 سنة بمعدل 142 في المائة منذ عام 2016. وزادت حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي بنسبة 136 في المائة، كما تسبب النزوح لفترة طويلة في عجز كثير من الأسر عن التكيف ما يجبرهم على الانخراط في استراتيجيات التكيف الاستغلالية مثل البغاء، وعمالة الأطفال، والزواج المبكر ما يجعلهم في حاجة ماسة لخدمات نفسية واجتماعية وغيرها من خدمات حماية الأطفال. وهنا يؤكد «أوتشا» أن 51 في المائة من الأطفال هناك بحاجة لحماية. وحسب مؤشرات أممية فإنه حتى نهاية العام الماضي تم تجنيد حوالي 2419 طفلاً يمنياً، على الأقل، من قبل الجماعات المسلحة منذ عام 2015 وهو رقم صغير مقارنة بما هو عليه الرقم الحقيقي على أرض الواقع.
الأمراض والأوبئة
لقد ضاعفت الحرب من الانكماش الاقتصادي والتدهور المعيشي، وربما من المعاناة أيضا توقف صرف مرتبات الموظفين الحكوميين وتراجع ساعات العمل في القطاع الخاص، وهو ما تسبب، مع استمرار الحرب والحصار والنزوح، في مفاقمة الوضع المأساوي لغالبية الناس حد لجوئهم لمصادر أكل وشرب غير آمنة، ما أدى لانتشار أوبئة وأمراض خطيرة كوباء الكوليرا الذي ضربت موجته الثانية البلاد في نيسان/أبريل من العام الماضي، وتسبب في وفاة أكثر من ألفي حالة من أصل أكثر من مليون حالة اشتباه بالإصابة في 22 محافظة من أصل 23 محافظة، ومثل الأطفال ما نسبته 41 في المائة من حالات الاشتباه بالإصابة. بالإضافة إلى الكوليرا ضربت البلاد أوبئة أخرى كالدفتيريا الذي ذهب ضحيته المئات من الأطفال، علاوة على ضحايا الأطفال من الأمراض الخطيرة كالسرطان وغيره في ظل تراجع خدمات الرعاية الصحية والفقر، علاوة على وفاة أعداد منهم جراء أمراض يمكن الوقاية منها كالتهابات الجهاز التنفسي وسوء التغذية الذي فتك ويفتك بأعداد منهم، حيث تقول البيانات إن 15 في المائة من أطفال اليمن يعانون من سوء التغذية.
إلى ذلك ما زال قتل الأطفال مستمرا، وقالت الأمم المتحدة: لا تزال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأطفال مستمرة الحدوث بسبب النزاع هناك، بما في ذلك القتل العشوائي للأطفال وتشويههم وتجنيدهم والهجمات على المدارس والمستشفيات. وأضافت إن الأطفال المتأثرين بالنزاع المسلح بحاجة إلى متابعة فردية وإحالات طبية ودعم نفسي واجتماعي وغير ذلك.
وتبقى قصة معاناة أطفال اليمن جراء الحرب مفتوحة على فصول طويلة من الألم، ويكفي التوقف أمام معاناة أطفال محافظة الحديدة ومقارنتها بتداعيات العمليات العسكرية داخل المحافظة خلال الفترة الراهنة، حيث كانت مناطق في محافظة الحديدة/غرب تشهد أعلى معدلات الوفيات في أوساط الأطفال نتيجة سوء التغذية والجوع، وها هي العمليات العسكرية اليوم تهدد مئات الآلاف من الأطفال هناك، وفق الأمم المتحدة، سواء جراء الاستهداف المباشر بالسلاح أو غير المباشر بالنزوح والفقر والأمراض.
أحمد الأغبري .. القدس العربي