وحدة اليمن …وانحراف البوصلة
بعد حوالي ربع قرن من التغييب والتشويه والتخوين يتردد اسم علي سالم البيض مسبوقا بلقب الزعيم والمناضل والوحدوي في منشورات بعض القريبين من دائرة نظام صالح أمثال طارق صالح وحسين حازب وغيرهما، وهذا شيء جيد، وإن جاء بعد أن وقع الفأس في الرأس، وأصبحوا خارج الحلبة.
بعد حرب 94 عمل نظام صالح على طمس كل ما يمت إلى اسم علي سالم البيض بصلة من الإعلام الرسمي، حتى تلك الصورة التاريخية التي كان البيض بجوار صالح، وهما يرفعان علم الوحدة في عدن جري حذف صورة البيض، كما هو الحال نفسه مع صورة توقيع زعيمي الشطرين اتفاقية الوحدة، فقد جرى حذف الزعيم الجنوبي، وإبداء صالح وهو وحده يوقع اتفاقية الوحدة مع نفسه، وظل اسم البيض إذا ذكر في مناسبة عيد الوحدة على لسان صالح أو من حوله من قيادات النظام السابق فللتذكير بأنه انفصالي وخائن…تلاحقه اللعنات في وسائل الإعلام المختلفة وفي المناهج الدراسية .
لقد كانت فرصة إعادة تحقيق الوحدة اليمنية هي البوابة الحقيقية ليتخلص اليمن من مشاكله المختلفة ويلج إلى العالم الحديث، عالم الوحدة والديمقراطية وبناء الدولة المدنية العادلة التي ناضل في سبيل تحقيقها اليمنيون طويلا، بيد أن الانحراف الأول عن هذا الطريق جرى منذ اليوم الذي تآمر فيه مثلث النظام الحاكم ( الرئيس والشيخ والفندم) على إقصاء الحزب الاشتراكي اليمني شريك الوحدة من الحياة السياسية، وتطفيشه من الشراكة، واغتيال رموزه، وإخراج قياداته من اليمن مذمومين مدحورين، والانفراد بحكم اليمن…
مع أن حرب 94م أفرزت واقعا جديدا، فقد كانت بيد المثلث الحاكم فرصة لتضميد الجراح، وتحقيق العدالة ، ولكنهم للأسف الشديد تعاطوا مع الجنوب بعقلية الغازي المنتصر، فشرعوا في توزيع الغنائم، وتقسيم ما أممه الحزب الاشتراكي بين كبار رجال الدولة، وأرادوا أن يقلموا أظافر الاشتراكي فخلعوا يده عن ساعده، وعانى الجنوبيون والمحسوبون عليه على وجه أخص تسريحا من الوظائف وتقتيرا في الأرزاق، وإقصاء من المواقع الهامة لصالح قوى جنوبية انتهازية على رأسها عبدربه منصور هادي ومن يدور في فلكه.تم إنتاجها لتمثل شراكة صورية مع المؤتمر ، في تقاسم السلطة ، فيما كان عقلاء السياسة من أحزاب مختلفة بما فيها حزب المؤتمر الشعبي العام يطرحون على السلطة الحاكمة أهمية معالجة حرب 94كخطوة ضرورية لتطبيع الأوضاع وإصلاح الخلل الذي أنتجته الحرب، لكن السلطة ظلت تمارس مزيدا الغواية ظانة أنها بذلك تعزز قبضتها على الحكم وتحكم سيطرتها على المحكومين فيما هي في حقيقة الأمر كانت تحفر قبور حكامها بأيديهم..وهكذا أفرز ظلم السلطة بالجنوب احتقانات يصدق عليها قول الشاعر :
والحق يبدأ في آهات محتقن
وينتهي بزئير ملؤه نقم .
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو : كيف كان سيصبح حال اليمن اليوم لو أن (صالح والبيض) اكتفيا بشرف تحقيق الوحدة اليمنية، وغادرا السلطة طوعيا، وأسسا لليمن نظاما ديمقراطيا مدنيا لا مركزيا يحتكم فيه الجميع للشعب وصناديق الاقتراع ؟
وليت شعري ..متى سيصحو اليمنيون من عميق غفلتهم ليدركوا أن الوحدة اليمنية مجني عليها، وليست الجانية ؟
وهل آن الأوان ليفهموا أن ما يجري اليوم من عدوان خارجي وتناحر داخلي، وتفتيت وتقسيم لا يخدم إلا المصالح غير المشروعة لقوى التدخل الخارجي في اليمن، وأن مصلحة اليمنيين تكمن في العودة للحوار وتحقيق مصالحة وطنية شاملة على قاعدة الوطن يتسع للجميع والاحتكام إلى ما يقرره الشعب فيما هم فيه يختلفون.