من إيقاعات بلادي (2 )
أ / عائشة عبد الله المزيجي
وسط شارعنا المتداخل الواسع بعض الشيء , كنت ألحظ في صغري كثرة النساء خاصة في حاراتنا , أيضاً كثرة الكلاب , أما الدجاج صغاراً وكباراً دجاج وأدياك , وأفراخ ( شقران كما نطلق عليها بحاراتنا ) فككثرة التراب على أرض شارعنا , وحصاها المتناثر .
آنذاك في قديم شارعنا لم أكن أفكر بالمال والكل موجود أمامي إنسان , حيوان طائر وغير طائر , و الحياة يغلب عليها الكثير من التسهيل .. كنت أسمع حينها أن الإنسان وأنا منهم خليفة الله في أرضه . ولا أعي تماماً ما أتمتم به وأقلد في نقله من أخبار مثل الكبار ., وأستغرب ألا تكون الدجاج أو غيرها هي الخليفة … ولا يمكنني عقلي الصغير من الإجابة على ذلك .
يقفز الزمن ويختفي تدريجاً ما كان ملحوظ لدي وجوده في شارعنا كلاب … دجاج … حمير . وربما النساء اللاتي لازلنا نتداول ظهورهن في شارعنا القديم الجديد . أصعد سلم العمر ووعيت أنني الإنسان .. أنني ذاك الخليفة الأم بين هم وتربية عيالها , والأب وراء حفظ عزة وكفاف الأسرة . من المضحك اعتقادي العتيق أحقية أن تكون الدجاج أو الكلاب أو الحمير أ…………… .
إذا كان مقياس الخلافة مدى الظهور فقد كان للدجاج وما تتركه من كثرة ذرية بيض خارجي كما يقولون , أو بلدي فيه شفاء للأمراض , بيض لكثرته يدهس في شوارع ماضينا .
في شمس زمني الآن أتساءل من خليفة الله في أرضه أذاك الإنسان الذي بات أكبر همه الحصول على كفات يومه فقط دون اليوم التالي , وأرغمته قلت الفرص على ذاك الكفاف , أمام شهوات تذهب العقل لولا رحمة الله به . هذا إذا سلم من الاقتناع من الكفاية من ولعة القات بالقليل .. ليس الإقلاع عنه …
أما دجاج زماني الآن فمستكنة في هودجها آمنة مطمئنة يأتيها رزقها , وربما صنع لها أداة نقل تليق بإمكانات جسدها الغالي , وهناك يعد لها أيام تنزه يليق بما ستدره هذا الأسبوع علينا , وعلى رجل الاستثمار العالمي اليمني الذي ربما لا يستطيع أن يفك الخط على ورقة دفتر ابنه . فهي ـ حضرة الدجاجة ـ محط استثمار نصبح بها من اغنى دول العالم , وما لنا والمصانع والاختراعات التي تدر الشىء القليل أمام ما تقدمه الدجاجة وذريتها الدرة الثمينة . لي أن اعيش عالماً من الخيال لأراها شجرة الدر مع شطحات القصص المحكي عنها , أو الملكة أروى تحكم مقتطعات من وطني الغالي .
مال من زمن أصبح المستثمر همه ترف عيش الدجاج , فهي جالبة البيضة السحرية بثمن الستون ريالاً باليمني .. بالأمريكي بالدينار بالدرهم , بكل لغات العالم نغليها .. . أصبحت أفكر كثيراً قبل شراء أربع بيضات كما أفكر في خطة بحث وما الصعوبات التي ستواجهني . ما أعجب اليوم من الأمس حين كانت تعرض علينا كسوق النخاسة , ليتني التقطت لها عدة صور بكاميرتي الصغيرة التقليدية سريعة الإخراج , ألتقطها لها على كل الجوانب ـ آنذاك ـ يوم كنا والدجاج إخوة وفراخها الصغار سو اسوا نظهر معاً في شارعنا القديم .
للخوارق حكايات فها هو رب البيت الوالد يفكر استبدال صورة جده وأبيه اللذين لم يتركا له إرثاً يسابق به الآخرين بصورة الدجاجة ورفيقها الديك وذريها .
تائهة بين ثوابت الدين الذي لا أشك في مصداقية أن الإنسان خلفة الله في أرضه , وبين واقع يفرض غير ذلك , وقد تعزز وجود البيض الكريم على أبواب البقالات كما عهدت في شباب أمي وجدتي وفي صغري .
لن أترك الفرصة لتوقعاتي وتكهناتي المستقبلية للفوز بآراء الجهل وغلبة قهر حال الواقع على الكثير , واستسلم في ألا يكون ذاك الإنسان هو الخليفة , حتى وإن خمد ابتكاره وشلت حركته وترك نفسه لرياح الجوع تتقاذفه هنا وهناك
إلا أن تأتي ـ يوماً ما ـ خارقة السماء ومعجزة كمعجزات المطر والرياح السابقة في القرآن وتلتقط اليمني من كربته , أو ينقذ الله اليمن بما تركت من رصيد في القرآن والسنة فهي الجنتان والسعيدة والحكمة , وحتى ذاااالك اليوم أدعو لأمي اليمن المريضة بضربات أبنائها ـ اليمن ـ بالشفاء . وأعرفها مقاومة كل ذاك العصيان , تراهن على العافية وتقاوم مع ما تبقى من أبنائها المتسارعين إلى المدارس والجامعات من كل جانب , يزاحمون الجهل رغم الظروف , يدفعهم حبها ..حبها الكثير .. الدائم كدوام ربيعها . وأنتم أعلم ما للحب من أعاجيب . الحب الذي وعد مسبقاً أن يعيد سدها .. جنانها …حكمتها… والرأي الشورى المرسوم في القرآن , وكل ما خبرناه عنها ….