“مشكلة فهم الهوية العربية..
بسم الله الرحمن الرحيم
مداخلة الاستاذ القاسم بن على الوزير في ندوة بعنوان
“مشكلة فهم الهوية العربية..
وحول مفاهيم القومية والأمة والثقافة والحضارة“
(مع تقديم للموضوع من قاسم الوزير وصبحي غندور)
ندوة “الحوار اونلاين“
الأربعاء 17 شباط/فبراير 2021
كما اخبرنا الاخ صبحي فإن المشكلة الاساسية التي نراها الآن متمثلة في التناقضات الكبيرة في الفوضى الضاربة أطنابها على مختلف المستويات العربية والإسلامية الحقيقة الواقعة أن هذا الاضطراب هو انعكاس موضوعي لاضطراب المصطلحات واضطراب المفاهيم فأننا عندما نأخذ مفهوماً معيناً أو مصطلحاً معيناً لى يدفعه بعد ذلك انحياز إلى هذا المصطلح والمصطلح متغير بطبيعته ولذلك أريد أن أتوقف قليلاً عند معنى المصطلح والفارق الكبير بين المصطلح والمفهوم..
والمصطلح ياسادتي تسمية متفق عليها هي اصطلاح يتفق عليه مجموعة من الناس المفكرين وغير المفكرين ثم يطبقونها عليه.. أما المفهوم فهو ليس اسما ولكن موضوعاً، لذلك الأول الذي هو المصطلح هو متغير، وأما المفهوم فهو متطور يعني يتطور من حال إلى حال ويجب إن يكون هنالك توقفاً عميقاً حول الفارق بين المتغير والمتطور، فلو أخذنا مثلاً لتطبيق هذه المسألة على الواقع لنجد إن المصطلح هذا هو مصطلحاً أختلف من زمن إلى زمن ومن مجتمع الى مجتمع آخر لكن لكي ندركه لتأثيره وابعاده وعمله في التاريخ لابد أن ندرك ما المفهوم لهذا المصطلح، لو اخذنا مثلاً موضوع القومية وهو أحد عناوين الحديث اليوم لوجدنا أن القومية يعني تستند الى جذر لغوي وهو القوم كما أشار الأخ صبحي ولكنه تغير من مفهوم لغوي إلى مذهب سياسي اجتماعي قائم وقد تم هذا في الواقع على مستوى التاريخ الأوروبي فمفهوم القومية القائم الآن الذي نراها ونرى التناقضات القائمة بينها هي ولدت في رحم المجتمع الغربي فبعد الثورة الفرنسية يوم إعلن بيان المواطن حقق بذلك معنى المواطنة وقامت على ذلك أسس الدولة القومية التي لا تقوم على الحد الجغرافي والعمق والعرق البشري والسيادة القومية أو سيادة الدولة.. إذا هذه الاشياء ان عجزت وانعكست بعد ذلك إلى ألمانيا وتحولت من ألمانيا إلى عصبية قومية أنتهت ولديّ مقولات كثيرة عن الفلاسفة الأوروبيين وعلمائها حول مثل هذه النقاط ولكن باختصار القومية فى ألمانيا تحولت إلى عرقية كاملة وطغت فيها العرقية على الجوانب الأخرى بينما بقيت في الأخرى قائمة على العرق والأرض والقانون والسيادة هذا الموضوع أدى إلى أنه يعني صراع قائم بين القوميات داخل أوروبا نفسها وانطلق من الصراع الذي كان قائماً على أساس ديني في أوروبا إلى صراع على أساس قومي وشهدنا الحرب السبعينية بين فرنسا وألمانيا وشهدنا الحروب المتتابعة بين فرنسا وبريطانيا وكذلك نشأت حروب صغيرة في أوروبا على أساس هذا المفهوم الضيق للقومية القومية، حتي انتهت أوروبا إلى إن جاءت (الفزنتيا) وحددت لذلك لها التوزيع القائم والحدود المتفق عليها القائمة الآن ماعدا محاولة واحدة وهي التي قام بها نابليون لإعادة توحيد أوروبا وتحت السيطرة الفرنسية على كل حال هذا المصطلح القومي القائم على العرق وعلى الأرض وعلى السيادة هو الذي ساد على المجتمع الغربي وطبع الحضارة الغربية بحضارة واكتفي إنا بشهادة واحد من أكبر المؤرخين في هذا العصر الذي قال فيه إن الديمقراطية قد اصطدمت بنظام السيادة الإقليمية قبل أن تصطدم بشرعية الحرب وقد تولد عن استجلاب القوتين الدافعتين الجديدتين الديمقراطية والصناعية ونعت الديمقراطية والصناعية إلى نظام الدولة القديم نظامان توأمان قبيحان العصبية والقومية السياسية والعصبية والقومية الاقتصادية هذا قول جون تون وهو قول يعرفه كل وقائع التاريخ وكل الناظرين اليه بوجهة نظر علم الاجتماع السياسي، هذه القومية انتقلت مع الاستعمار إلى آسيا وأفريقيا ووجدت في دول آسيا وأفريقيا من يتبناها وحصل الانتصار بين التاريخ أو المكون التاريخي الكامل لهذه المجتمعات وبين المفهوم المستورد الذي يقوم على العرق والأرض والسيادة وقد رأينا أن السيادة قد حدت من انطلاق الديمقراطية الاجتماعية إلى حد بعيد باعتبار مبدأ السيادة الذي أباح للدولة القومية أن تستبيح ما ل ايباح خارج حدودها وأن تضمن كل الحقوق داخل حدودها لذلك انتقل هذا المفهوم وبالذات للأسف الشديد على يد الاستاذ الحصري – رحمه الله وغفر له – إلى المجتمع على المفهوم الألماني الذي جاء رد فعل كما قال مؤرخ تاريخي: الافكار في أوروبا في الحضارة الغربية جاءت ردت فعل للاهانة التي لحقت بها أمام فرنسا..
إذاً هذه المفاهيم، هذا المفهوم للقومية انتقل إلى منطقتنا وقام على ذلك مفهوم منفصل عن المكونات التاريخية لهذا المجتمع وبالتالى تبنى ما لا ينسجم معه ولذلك يجب أن أتوقف عند تصريح آخر سفير لبريطانيا في إيران الذي قال انه كان على إعتقاد انه سيفهم الوضع جيداً ولكنه بعد الثورة التي قامت فيها رأى أن المشكلة الأساسية أن الشاة أراد ان يتبنى ما ليس يتبنى ومرفوض اجتماعياً وتاريخياً بالنسبة للمنطقة..
اذاً مفهوم المشكلة الأساسية تكمن في المفهوم، ما هو مفهوم القومية القائم الآن، هو متنوع المفهوم الأول والسائد للأسف والذي ساد في مجتمعاتنا كان هو المفهوم الأوروبي القائم على الأرض – القانون – السيادة – العرق، وهنا حصل الانفصام الحقيقي بينها وبين المفهوم الحقيقي العادي الذي هو قومية بالنسبة لنا وهو ما ذكره الأخ صبحي القوم ينتمي أو يعني انتماء جماعة معينة أو مجموعة معينة تنتمي إلى ثقافة معينة أو إذا أردنا أن نحد أكثر إلى لغة معينة إلى لغة محددة لاعلاقة لها بالجنس بالعرق ولاعلاقة لها بالقوانين التي تنطلق اليه، هذا الانفصام الحقيقي بين المفهوم الجذري الذي كان ممكن أن ينطلق وتقوم على اساسه حركات، كان المفهوم المستورد حكم للأسف وتمثل في أنظمة معينة في المنطقة وتبنت سياسات أخرت بالاقتصاد والاجتماع والسياسة معاً، ولحقت بها الهزائم العسكرية في معركتها المصيرية مع الكيان الصهيوني..
اذاً لكي نقف موقف حقيقي من القومية يجب أن نتفهم الفارق بين المصطلح العادي وبين المصطلح اتخذته أو بين المفهوم المتطور فالمفهوم الذي أخذه التاريخ الأوروبي ونقله بواسطة الاستعمار إلى آسيا وأفريقيا ونقله إلينا بعض مفكرينا هو الذي أوجد هذا الشق يجب إن نتذكر نقطة مهمة اعتقد انه يجب الوقوف عليها أن أول ما جاءت فكرة القومية العربية على يد الأوائل من المسيحيين هم الذين قالوا واعتقدوا بأنه يجب أن يكون في ذهننا وفي برامجنا موقف معين يأمن هذه القومية لا انفصام لها عن الدين عن الإسلام انظروا ما كتب عفلق وما كتبه المؤرخون الأوائل أو المفكرون الأوائل من المسيحيين عن الارتباط بين الإسلام والعروبة وبالتالي الانطلاق كان ممكن أن ينطلق بلا حدود ولا عوائق ولا شيء، ولكن تغيرت الأمور كلها، تغير مفهوم المصطلح فتغير المسار الحركة جملة وتفصيلاً.. إن الأساس الأساسي الذي يجب أن نفهمه هو أن المصطلح معنى متغير يتغير بمتغيرات الظروف والزمان وأن المفهوم مفهوم متطور يختلف من زمان إلى زمان ومن حضارة إلى حضارة ومن مجتمع إلى مجتمع كذلك الأمر واريد أن اختصر كثيراً ليكون هناك مساحة للنقاش كذلك الأمر بمعنى الثقافة وجد مفهوم لها وهو مفهوم من بعد عصر التنوير في أوروبا ولكن كان موجوداً عندنا في التاريخ وفي القرن الرابع نجد بأنه كانت كلمة الثقافة تعني الأدب أو الاديب، فلذلك كانوا يعرفون الأديب بأنه الأخذ من كل فناء بطرف والذي يعني انه واسع المعرفة ومطبق هذه المعرفة على نفسه..
إذاً هذا المفهوم وكما تغير هذا المفهوم نحن نفهم إن كل حضارة تنحت أو تلد ثقافتها ولا ندخل في الحوار، حوار البيضة والديك، الثقافة تعتبر حضارة أو الحضارة تعتبر ثقافة الامران ممتزجان مع بعض كل حضارة تلد ثقافتها الخاصة وكل ثقافة تكوّن حضارتها وتكون حضارتها ضمن مفاهيمها وقيمها العليا..
إذاً نحن في أزمة ثقافية حقيقية لأننا لا نعرف لا الى أين ننتمي، هل ننتمي إلى الماضي القريب الذي دخل به المنطقة عصر الانحطاط؟ أم إلى الماضي الزاهر الذي ازدهرت به الحضارة؟ أم إلى التغريب والغرب أم إلى الغد الذي يمكن أن يجعل الاستفادة من التاريخين ومن المصدرين معناً حقيقياً للنهوض والقيام بالواقع.. نحن بحاجة أيضاً إلى وقفة جادة وموضوعية مع مفهوم الثقافة لأننا اذا لم نتفق على مفهوم معين للثقافة سوف نختلف كثيراً في تعريف الحضارة التي ترافقها وتولد في رحمها الحضارة هنالك ثلاثة مفاهيم تشتبك مع بعضها الثقافة المدنية هنالك فرق كبير بين المدنية التي تعني التمدن يعني الانتقال والعيش في المدن ونحن نرى في أن مثلما لو نظرنا إلى المدن نفسها كيف اتسعت للهجرة اليها وأصبحت المدينة التي كانت بالآلاف تعد الآن بالملايين ومع ذلك فالمدينة هي ما ينعكس من إنتاج مدني ينعكس على حياة الناس سواء برفاهية أو بغيرها، وهذا الموضوع يعني يمكن أن نأخذه.. ما يحصل الآن في دولنا وهم يرون أنه إذا زفلتت الشوارع ونورت الطرق وبنيت البنايات الطويلة بالاسمنت ومشت السيارات عليها فهذه هي الحضارة، كلا.. هذه هي المدنية والمدنية يمكن أن تستورد بسهولة وبلا صعوبة فأنت تستطيع أن تستورد كل آلات الحضارة وتسمى ذلك مدنية، أما الحضارة فهي إبداع وهي أصلا فكر وفهم ومفهوم للحياة والإنسان والكون وبالتالى أبداع وإنتاج على هذا الأساس..
اذاًهنالك فرق كبير بين الحضارة والمدنية يبقى الفارق الصغير بين الحضارة والثقافة لاشك أن الحضارة أي كل حضارة هي في الواقع لها ثقافتها الخاصة التي تحكم وحدتها في التاريخ وتورث هذه الحضارة قيمها الأخلاقية والإنسانية والعملية وبالتالى الإنتاجية والاقتصادية التي قائمة فيها..
إذاً هنالك فرق بين الحضارة وبين المدنية ما يحصل في مجتمعاتنا أن الأغلبية يظنون أن المدنية هي الحضارة وبالتالى يمكن أن تستورد الحضارة كما يمكن أن تستورد المدنية، كلا.. أيها السادة الحضارة لا تستورد ولكنها تبدع وهي تنطلق من الذات وتنطلق من القيم الذاتية التي يتكون بها مجتمع من المجتمعات على أساس حي لسنا أمام خيارين كلاهما مر لسنا أمام خيارين إما أن نتوجه إلى ماضينا القريب، ماضي الانحطاط، وأما أن نتوجه إلى التقليد والذوبان في التغريب.. الموقف هو غير ذلك هو أن نستأنف حضارتنا الأساسية من حيث هي قيم ومبادئ وأشار إلى بعضها بذكاء الأخ صبحي وأما أن ننشأ على هذا وأن نستفيد من ثقافة العالم من ثقافة الإنسان من حضارة الإنسان من كل ما هو مفيد لهذا الإنسان.. إذا اعتبرنا أن أساس وجوهر الحضارة وغايتها، وسيلتها وغايتها معاً هو الانسان، إذ هنالك فرق كبير بين المدنية وبين الحضارة وتمازج بين الحضارة والثقافة لأنه لا يمكن أن توجد حضارة بلا ثقافة ولا يمكن أن لا تلد ثقافة ما حضارتها الخاصة كما نرى في الصين وفي اليابان وفي كوريا وكما نرى في أوروبا هذا الفرق الكبير الذي يشغل الكثير من الناس يظنون أنهم قد حضروا اذا هم ملكوا الوسائل المدنية..
إذاً الإشكال الأساسي، فلكي نستعيد حضارتنا لابد أن نعود إلى قيمنا الفاعلة الحية لابد أن ننطلق من ذواتنا وان لا نحاول ما حاوله الآخرون أن يبتروا بيننا وبين الذات ثم يعملوان بالقدرة على ارتداد الحضارة، فنحن في الواقع نستطيع أن نقول أننا أمة ذات هوية عربية بما اعتبار أن لغتنا هي العربية ديننا العام هو الإسلام والمسيحية انظروا انسجام تاريخي هذه المنطقة وجدت فيها الأديان كلها، هذه المنطقة ترسخت فيها الفكرة الدينية الغيبية المؤمنة، هذه مهبط الأنبياء ومهبط الوحي كله، هي لمواضع الأنبياء على اختلافهم فلا يمكن أن نأتي فنخسر هذا بحد السكين ثم نقول له كوني فتكون هذا مصدر تاريخي عامل لابد أن يعمل فيه ولكن لابد أن يكون مفتوحاً على أحدث ماتوصل إليه الإنسان من علم ومعرفة وإن تكون النظر وإن يكون الدافع هي المصدر والحدث هي الإنسانية كلها باعتبارها وحدة واحدة يجمعها معنى الإنسان ولكن مع ذلك مختلفة زماناً ومكاناً ومختلفة يوجد بينها هدف واحد هو أننا وجدنا على هذه الأرض لكي نبنيها ووجدنا وخلقنا أناساً لكي يكون هدفنا ومهمتنا وهدفنا هو الإنسان ومصلحة الإنسان وهدف الإنسان ضمن ثقافة متفق على أصولها وضمن علاقات كونية ومحلية متفق عليها على مفاهيمها بحيث نصبح أمة واحدة لها أفكارها المتعددة وثقافتها الخاصة الذاتية ضمن ثقافتها العامة التي تجمعها ……
أقول قولى هذا وأرجو أن يكون مختصراً حتى يتاح بقية الوقت لنقاش الاخوة الذين يريدون أن يناقشوا..
وشكراً كثيراً.