مجلس الشيوخ الأمريكي يُبرئ ترامب من تهمة ” التحريض على التمرد”
برأ مجلس الشيوخ الأمريكي السبت الرئيس السابق دونالد ترامب من تهمة التحريض على الأحداث التي شهدها مبنى الكونغرس في السادس من كانون الثاني/يناير.
جاءت نتيجة التصويت بأغلبية 57 مقابل 43 لصالح البراءة، وهو ما يقل بعشرة أصوات عن العدد المطلوب للإدانة وهو 67 صوتا، أي أغلبية الثلثين.
وانضم إلى التصويت سبعة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الخمسين إلى الديمقراطيين الموحدين في المجلس لصالح الإدانة.
جاءت هذه الخطوة لاختتام المحاكمة بعد أن أوقف الديمقراطيون والجمهوريون تمديدا محتملا في الإجراءات يتعلق بتفاصيل الدليل الخاص بمكالمة هاتفية بين ترامب وأحد كبار الجمهوريين خلال حصار مبنى الكابيتول.
وكان الديمقراطيون يأملون في الإدانة لتحميله مسؤولية حصار أوقع خمسة قتلى بينهم شرطي وتهيئة المسرح لاقتراع يحرمه من تقلد منصب عام مرة أخرى. وقالوا إن السماح لترامب بتقلد منصب عام مجددا سيجعله لا يتردد في تشجيع العنف السياسي مرة أخرى.
ما المتوقع أن يفعله دونالد ترامب بعد تبرئته؟
وجادل فريق الدفاع عن ترامب بأن المحاكمة ما كان يجب أن تعقد من الأساس لأن ترامب ترك السلطة، كما أن خطابه وسط أنصاره محمي بضمان الحق في حرية التعبير التي يكفلها الدستور الأمريكي.
وأظهر استطلاع أجرته إبسوس لصالح رويترز أن 71 بالمئة من البالغين الأمريكيين، منهم نحو نصف الجمهوريين، يرون أن ترامب كان مسؤولا بشكل جزئي على الأقل عن إطلاق الهجوم على مبنى الكابيتول، لكن نصف الأمريكيين تقريبا يعتقدون بضرورة إدانة ترامب بالتحريض على تمرد.
مسؤولية “عملية وأخلاقية”
ووجّه زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل انتقادات لاذعة لترامب على الرغم من التصويت على تبرئة الرئيس السابق من تهمة التحريض على التمرد، قائلا إنه “مسؤول” عن هجوم 6 كانون الثاني/يناير على مبنى الكابيتول.
وقال ماكونيل في خطاب عقب التصويت الذي أدى إلى تبرئة ترامب “لا شك في أن الرئيس ترامب مسؤول عمليا وأخلاقيا عن إثارة أحداث ذلك اليوم”، وأضاف “هؤلاء المجرمون كانوا يحملون راياته. يُعلقون أعلامه ويصرخون بالولاء له”.
ما الدلالات السياسية لتبرئة دونالد ترامب
ووصف تصرفات ترامب التي أدت إلى ذلك الاعتداء بأنها “تقصير مشين في أداء الواجب”، وذهب ماكونيل أبعد من ذلك، مشيرا إلى أن ترامب قد يواجه اتهامات الآن بعد أن ترك منصبه.
وقال “الرئيس ترامب لا يزال مسؤولا عن كل ما فعله عندما كان في منصبه (…) لم يفلت من أي شيء بعد”.
وعلى الرغم من ذلك، قال الجمهوري المتحدر من ولاية كنتاكي، إنه صوّت لتبرئة ترامب من تهمة التحريض على التمرد لأنه من غير الدستوري، على حد قوله، أن تتم إدانة رئيس في محاكمة عزل بعد تركه لمنصبه.
وبعد المحاكمة، وصفت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي استهدفت علانية من قبل مثيري الشغب وتم إجلاؤها من مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/يناير، أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين صوتوا لصالح تبرئة ترامب بأنهم “جبناء”.
وقالت إن “رفض الجمهوريين في مجلس الشيوخ تحميل ترامب مسؤولية إثارة تمرد عنيف للتشبث بالسلطة سيصبح واحدا من أحلك الأيام وأكثر الأعمال المخزية في تاريخ أمتنا”.
وترك ترامب الحكم يوم 20 كانون الثاني/يناير، وبالتالي فإن العزل لا يمكن أن يكون سبيلا لإزاحته من المنصب. لكن الديمقراطيين كانوا يأملون في الإدانة لتحميله مسؤولية حصار أوقع خمسة قتلى بينهم شرطي وتهيئة المسرح لاقتراع يحرمه من تقلد منصب عام مرة أخرى. وقالوا إن السماح لترامب بتقلد منصب عام مجددا سيجعله لا يتردد في تشجيع العنف السياسي مرة أخرى.
“أكبر حملة اضطهاد في تاريخ بلدنا”
وعقب النطق بالحكم، قال ترامب إن محاكمة مجلس الشيوخ كانت مرحلة أخرى من “أكبر حملة اضطهاد في تاريخ بلدنا”.
ورحب ترامب بتبرئته من تهمة التحريض على التمرد، معتبرا أن حركته السياسية قد “بدأت للتو”.
وقال في بيان إن “حركتنا التاريخية والوطنية والجميلة لجعل الولايات المتحدة عظمية مجددا قد بدأت لتوها”.
وأضاف “في الأشهر المقبلة لدي الكثير لأتشاركه معكم، وأنا أتطلع لمواصلة رحلتنا الرائعة معا لتحقيق العظمة الأمريكية لشعبنا بأجمعه”.
وتابع “لدينا الكثير من العمل أمامنا، وقريبا سوف ننهض مع رؤية من أجل مستقبل أمريكي مشرق وساطع ولا حدود له”.
جاء بيان ترامب بعد أن برأ مجلس الشيوخ ساحته في ثاني مساءلة له خلال 12 شهرا، إذ قام زملاؤه من الجمهوريين بحمايته من المساءلة عن الهجوم الدامي الذي شنه أنصاره في السادس من كانون الثاني/يناير على مبنى الكونغرس الأمريكي.
تأخر الجلسة بسبب الشهود
وكان مجلس الشيوخ قد بدأ في وقت سابق الاستماع إلى المرافعات الختامية السبت في إطار محاكمة ترامب.
وقبل الانتقال إلى المرافعات النهائية، تعطلت الإجراءات لبضع ساعات، بعدما أعلن المدعون الديمقراطيون بمجلس النواب، في خطوة مفاجئة، نيتهم استدعاء الشهود إلى المحكمة.
وقال زعيم فريق المدعين الديمقراطيين في المحاكمة جيمي راسكين إنه ينوي استدعاء نائبة جمهورية للإدلاء بشهادتها، لكنه اتفق في نهاية المطاف مع محامي الدفاع عن ترامب على الاكتفاء بتسجيل شهادتها ضمن الأدلة.
ورد فريق الدفاع عن ترامب على التهديد باستدعاء رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ونائبة الرئيس كامالا هاريس وغيرهما من الشهود.
وصوت المجلس بعد ذلك بـ55 مقابل 45 صوتا لصالح السماح باستدعاء الشهود، لكن المدعين ومحامي الدفاع توصلوا إلى اتفاق يسمح للمحاكمة بالانتقال إلى المرافعات الختامية.
وكان راسكين يرغب باستدعاء النائبة الجمهوريّة عن ولاية واشنطن جايمي هيريرا بيوتلر للإدلاء بشهادتها بعدما نشرت بيانا بشأن أحداث السادس من كانون الثاني/يناير.
وكانت هيريرا بيوتلر من بين عشرة نواب جمهوريين صوتوا لصالح عزل ترامب في مجلس النواب.
وقالت في بيانها إن زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي اتصل بترامب أثناء الاعتداء وحضه على دعوة المحتجين للمغادرة.
وأفادت في البيان “عندما تمكن مكارثي أخيرا من الوصول إلى الرئيس (آنذاك) في السادس من كانون الثاني/يناير وطلب منه وقف أعمال الشغب علنا وبقوة، كرر الرئيس في البداية كذبة أن حركة ’أنتيفا‘ (اليسارية) هي التي انتهكت الكابيتول”.
وقالت إن “مكارثي دحض ذلك وقال للرئيس إن هؤلاء أنصار ترامب”. وتابعت “حينها، بحسب مكارثي، قال الرئيس: ’إذا كيفن، أعتقد أن هؤلاء الناس يشعرون بالامتعاض حيال (نتيجة) الانتخابات أكثر منك‘”.
“نفتقر إلى الاختصاص”
قبيل استئناف المحاكمة السبت، بعث ماكونيل رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى باقي أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين قال فيها “أنا مقتنع بأن إجراءات العزل هي أداة استبعاد في المقام الأول وبالتالي فإننا نفتقر إلى الاختصاص”.
وأضاف أن “الدستور يوضح بشكل لا لبس فيه أنه يمكن ملاحقة سوء السلوك الجنائي للرئيس وهو في منصبه قانونيا بعد مغادرته منصبه” (أي في المحاكم لا في مجلس الشيوخ).
وأضاف “بناء على هذه الاستنتاجات، سأصوت من أجل التبرئة”.
وشدد محامو الدفاع عن ترامب الجمعة على أن الرئيس السابق لا يتحمل أي مسؤولية عن الهجوم الذي شنه أنصاره على الكونغرس بينما لم يستغرق عرض مرافعاتهم أكثر من نحو ثلاث ساعات.
وجاء ذلك بعد يومين على تقديم الديمقراطيين الذين يديرون عملية العزل أدلة تركزت على تسجيلات مصورة تظهر الهجوم.
واعتبر محامو ترامب أن إجراءات العزل غير دستورية وتندرج ضمن “الانتقام السياسي”.
وأشاروا إلى أن خطاب ترامب قرب البيت الأبيض الذي سبق الهجوم وقال فيه لأنصاره “قاتلوا” كان خطابيا فحسب ولا يدعو إلى أي أعمال معينة.
وفي مسعى إلى قلب الطاولة على أدلّة الديمقراطيّين المصورة، عرض محامو الدفاع مجموعة من التسجيلات التي تظهر نوابا ديمقراطيين في مواقف مختلفة وهم يستخدمون كلمة “قاتلوا”.
وأشار الديمقراطيون من مجلس النواب الذين يتولون إدارة إجراءات المحاكمة إلى أن ترامب أثار التوتر عن قصد بعد خسارته أمام بايدن عبر إطلاقه ما وصفوها بحملة من الأكاذيب بشأن وجود تزوير واسع النطاق للانتخابات.
وكان ترامب قد دعا إلى تجمع في السادس من كانون الثاني/يناير قرب البيت الأبيض دعا فيه الحشود للخروج في مسيرة باتجاه الكونغرس الذي كان يستعد للمصادقة على فوز بايدن.
واقتحمت المجموعة بعدها الكابيتول فعطلت جلسة المصادقة. وقتل خمسة أشخاص، بينهم شرطي وامرأة قضت بالرصاص خلال الاضطرابات.
وكان الجمهوريون قد أنقذوا ترامب من العزل من قبل في الخامس من شباط/فبراير خلال محاكمته السابقة عندما صوت لإدانته وعزله من منصبه عضو واحد جمهوري في مجلس الشيوخ هو ميت رومني.
فرانس24/ رويترز/ أ ف ب
=