مجلة “فورين بوليسي”: دور الولايات المتحدة في دعم السعوديين وشركائهم الإماراتيين “محط جدل عميق”.. وواشنطن ليست “بريئة” من حرب اليمن
انتقدت مجلة “فورين بوليسي”، في مقال تحليلي للباحث ستيفن كوك، الدور الأميركي في اليمن، متوقّفة عند عدد من المحطات التي جعلت واشنطن متورّطة بشكل مباشر، أو عبر دعمها لحلفائها، في قيادة هذا البلد نحو الهاوية، وخسارة الآلاف من الأرواح البريئة.
وأشار الكاتب إلى أنّ اليمن، وحتى عام 2000، كان بالنسبة لصنّاع السياسة الأميركية مكاناً لمضغ القات، وخطف السياح، ومقصداً لقضاء فصل دراسي صيفي من أجل تعلّم اللغة العربية في صنعاء أو عدن، معتبراً أنّ مشاركة القصص المبهجة من قبل المسؤولين السياسيين والطلبة عن وقتهم هناك، غالباً ما كانت تطغى على الجوانب السياسية الغامضة والمتشابكة هناك.
ولفت الكاتب إلى أنّ كلاً من إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، كانت تعتبر الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، والذي حكم البلاد على مدى طويل وفق سياسة “الرقص على رؤوس الثعابين”، “شريكاً مهماً” فيما سموها “الحرب العالمية على الإرهاب”، على الرغم من أنّه كان “شخصية تافهة”.
ولفت الكاتب إلى “الأوضاع المروعة” في اليمن، مذكراً بأنّ الحرب التي “ابتلعت” البلاد منذ عام 2014، تسبّبت، وفق إحصاءات منظمات دولية، بمقتل وإصابة 15 ألف شخص، وتشريد 3 ملايين، فضلاً عن نزوح 190 ألفاً إلى بلدان مجاورة، لا سيما جيبوتي والصومال، بينما يواجه حالياً 8.4 ملايين شخص خطر المجاعة، ويقدر أنّ 130 طفلاً يموتون كل يوم نتيجة سوء التغذية والأمراض، وخاصة الكوليرا.
وقال الكاتب إنّ “الولايات المتحدة تجد نفسها وسط هذه المأساة، لكنّها ليست عابر سبيل بريئاً”، مذكّراً بأنّ اليمن لطالما كانت هدفاً لضربات الطائرات بدون طيار “درونز” على مدار الـ 16 عاماً الماضية.
وأضاف أنّ “تلك العمليات قد قتلت بالفعل عدداً معقولاً من الإرهابيين، ولكن هناك أيضاً الكثير من الأخطاء التي أدت إلى محو عائلات بأكملها، وتشويه أناس كانوا يحضرون حفلات زفاف، وتفجير أشخاص في شاحنات صغيرة، من الذين تصادف وجودهم في المكان الخطأ، وفي التوقيت غير المناسب”.
وانتقد كوك كيف أنّ المسؤولين الأميركيين، وبعدما أعربوا عن أسفهم بشكل عام عن تلك الوقائع، انتقلوا إلى الفصل التالي من تورّطهم في اليمن، وذلك عندما اختارت واشنطن أن تصبح طرفاً في مرحلة جديدة من الحرب التي أدت إلى انهيار البلاد، مع تدخل المملكة العربية السعودية في الصراع، منذ مارس/ 2015.
“كابوس مرعب”
وبالنظر إلى حجم المعاناة الإنسانية في اليمن، أصبح دور الولايات المتحدة في دعم السعوديين وشركائهم الإماراتيين، “محط جدل عميق”، وفق الكاتب.
ولفت كوك إلى التشكيك في مشروع القانون الذي قدّمه الحزبان، الجمهوري والديمقراطي، الخاص بوقف بيع الأسلحة للسعوديين، في يونيو/ 2017، ومرة أخرى في ربيع عام 2018.
وذكّر بأنّ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، قام، في الآونة الأخيرة، بتجاوز إدارات وزارته، وأقرّ وثيقة تنازل مشكوك بصحتها على صعيد الأمن القومي، وتشهد على بذل السعودية جهوداً لتجنّب وقوع إصابات بين المدنيين، في وقت لا يزال فيه اليمنيون يموتون بسبب القتال والجوع والمرض.
ورأى الكاتب أنّه من غير الواضح إلى أي مدى يمكن لأي من “أبطال هذا الكابوس المرعب” تحقيق أهدافهم، مشيراً إلى أنّ هزيمة السعودية أبعد بكثير مما يمكن للحوثيين المدعومين من إيران تحقيقه، حد قوله، رغم أنّه بإمكان هؤلاء إجبار السعوديين على إنفاق المزيد من المال على صراع يُقدر أنّه كلّفهم ما بين 100 و200 مليار دولار، حتى الآن.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي كانت تسعى وراء تدمير تنظيم “القاعدة” في اليمن، فرجّح الكاتب أنّها في الغالب تريد أن تنتهي الحرب، لأنّه “كلما طال أمدها، ازداد الأمر سوءاً بالنسبة للسعودية”.
وأوضح كوك، في هذا الإطار، أنّه رغم استفادة مصنّعي الأسلحة الأميركيين من الصراع، إلا أنّ أي انعدام للاستقرار في شبه الجزيرة العربية، النابع من خسارة سعودية في اليمن، سيكون بمثابة انتكاسة استراتيجية كبيرة للولايات المتحدة، وخاصة أنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب ترسم خطوطاً “أكثر صرامة” لمجابهة إيران.
وقلّل الكاتب من أهمية تبرير قرار بومبيو، أخيراً، بالسماح للولايات المتحدة بمواصلة بيع الأسلحة وتقديم الدعم اللوجيستي للرياض، ومفاد التبرير أنّ زيادة الضغط العسكري على الحوثيين سوف تؤدي إلى هزيمتهم أو إجبارهم على الاستسلام، قائلاً إنّ “المشكلة هي أنّ الحوثيين يفوزون ببساطة بجر السعوديين نحو قتال نتيجته التعادل”.
سياسة “تحتضر”
ورأى الكاتب أنّ عوامل الهوية والثقافة، التي غالباً ما تعتبر عناصر تعقّد ديناميكية التحولات بعد الانتفاضات، هي عوامل لا تحظى بالاهتمام الكامل من قبل صانعي السياسات، مشيراً إلى أنّ “الخلافات حول ما هو اليمن، وما يعنيه أن تكون يمنياً، ومن يمكنه الإجابة عن هذه الأسئلة، تشكّل متاعب أخرى في ساحة سياسية لاعبوها ثعابين سامة”.
الأهم من ذلك كله، بحسب كوك، أنّه ينبغي على صانعي السياسة والمحللين، الإقرار بأنّ النظام القديم للسياسة التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة “يحتضر”.
وقال إنّ حلفاء الولايات المتحدة لم يعودوا يتصلون بواشنطن قبل اتخاذ إجراءات في المنطقة، مشيراً إلى أنّ السعوديين قاموا بمواصلة الحرب في اليمن، دون أي اعتبار يذكر لوجهات نظر واشنطن، بينما طالبوا في الوقت عينه، باستمرار تلقّي الدعم اللوجيستي من البنتاغون، وعدم وقف مدّهم بالأسلحة والذخائر.
وتابع أنّه “سواء كانوا على صواب أو خطأ في ذلك، فإنّ المسؤولين في الرياض، لم يعودوا يثقون بأنّ الولايات المتحدة تقدّر شعورهم بالتهديد أو تدعمهم”.
وختم كوك بالقول إنّه “بين خنادق حرب ثقافية متشعبة، ينشغل الأميركيون بحرق قمصان (نايكي) وبحساب دونالد ترامب على (تويتر)، بينما لا يبدون اهتماماً يُذكر بالحروب الحقيقية التي تدور رحاها في الشرق الأوسط، وتقود المنطقة بشكل فعّال نحو المآزق”، مبدياً أسفه لكون “الكثير من الناس سيخسرون حياتهم في خضم ذلك”.