روسيا وأمريكا .. صفقة غير معلنة على سوريا
يجب على أولئك الذين ينتظرون أول بوادر التعاون والتنسيق بين الرئيس الأميركي ترامب والرئيس الروسي بوتين، أن يركزوا على متابعة أخبار سورية السياسية والميدانية التي تمثل حلبة منافسة شرسة بينهما، فنطاق المناقشات بين ترامب و بوتين يوحي بأنهما انسحبا من بعض الخطاب المتطرف في الأشهر الأخيرة، والذي أعقب دعم روسيا لجهود الجيش السوري الناجحة لاستعادة السيطرة على كامل مدينة حلب، في حين أعرب الرئيس بوتين عن أمله بأن يحسن ترامب التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا، والذي يبدو أنه بالفعل بدأ بالحدوث.
تشير الأحداث أن الجانب الأمريكي -الروسي قد وضعا الكثير من العداء جانباً، والتي تضمنت اتهامات واشنطن لروسيا باقتراف جرائم حرب في حلب، واتهام موسكو لأمريكا بدعمها لجماعات إرهابية مثل داعش في سورية، كما بدأت أمريكا فى الحديث عن الحل السياسي وفقاً لإتفاق جنيف، ودعت الى توحيد الجهود الإقليمية والدولية لوقف تمويل المجموعات المسلحة ومنع عبور المسلحين عبر حدود الدول المجاورة لسورية، فجميع هذه الدلالات تشير إلی أن واشنطن، تحاول الإقتراب من موسكو لإعادة العلاقات السياسية معها، بعد أن مرت بأنماط مختلفة بين التوتر والجفاء، فالرئيس ترامب يعرف جيداً أن هذا التقارب يصنع قوة كبيرة داخل المنطقة وإن أي تطور في العلاقات الأمريكية الروسية نحو تفاهم إستراتيجي من شأنه تحقيق أثر ايجابي بالغ علی العالم العربي والمنطقة بأكملها، فضلاً عن أثره المباشر علی شعبي كلا البلدين .
في ظل ما وصف ب الصفقة بين واشنطن وموسكو فى سورية، فهناك خطوات تم اتخاذها من الجانبين فسرها البعض على كونها تأتي في طريق التنسيق والتقارب المحتمل، والبعض الآخر في طريق استمرار الأزمة السورية وتطورها أمنياً من سيء الى أسوأ، ومنها، التوجه الأمريكي السياسي والعسكري الجديد في سورية، حيث أعلنت واشنطن صراحة أن إزاحة الأسد لم تعد من أولويات الإدارة الجديدة، في انعطافة رئيسية للسياسة الخارجية الأميركية التي ظلت منذ اندلاع الأزمة السورية في مارس عام 2011م، تنادي بإزاحة الرئيس الأسد عن السلطة، وقال البيت الأبيض “إن على الولايات المتحدة قبول الواقع السياسي بأن مستقبل الرئيس بشار الأسد يحدده الشعب السوري وأن تركيز الولايات المتحدة الآن في المنطقة يجب أن ينصب على هزيمة تنظيم داعش”، وتابع “لا يمكننا بالضرورة التركيز على الأسد بالطريقة التي فعلتها الإدارة السابقة”، وكان هذا أوضح مؤشر حتى الآن الى سياسة الادارة الأميركية الجديدة تجاه سورية ومصير الأسد.
وفي الاتجاه ذاته إن وصول آليات عسكرية وزيادة القوات الأمريكية فى منبج، بحجة ترتيبات المعركة لتحرير الرقة من داعش، وهو ما تم تفسيره على كونه مساهمة مع روسيا في ضبط الأوضاع في شمال سورية وتركيز الحرب على الإرهاب بعد أن إستشعرت مدى الخطر المتنامي الذي أضحى يشكله تنظيم داعش والتنظيماتِ المتحالفة معه على المنطقة برمتها، في حين أكد الرئيس ترامب، لنظيره الروسي بوتين، خلال اتصال هاتفي “دعمه الكامل” لموسكو إثر الاعتداء الذي استهدف عصر الإثنين مترو الأنفاق في سان بطرسبورج الروسية وأوقع 11 قتيلا و45 جريحا، وقال البيت الأبيض “إن ترامب دان خلال المكالمة الهاتفية الاعتداء وقدم تعازيه لبوتين”، مشيرا إلى أن الرئيسين “اتفقا على وجوب هزيمة الإرهاب بشكل نهائي وسريع”، وبالتالي فإن أمريكا وحلفاؤها أمام مأزق خطير ومن صنع أيديهم، لذلك من الحكمة إعادة فتح قنوات اتصال مع الدولة السورية لمكافحة خطر تنظيم داعش وأخواته، وقد تكون دمشق هي المحطة المفصلية التي ستحسم هذا الصراع الذي يمتد ويتسع لدول مختلفة، والذي على أساسه سيتحدد توازن العلاقات الدولية وخريطة المنطقة لسنوات قادمة.
وفى السياق نفسه، كشفت وكالة “إنترفاكس” الروسية عن توقع تعاون وشيك ما بين موسكو وواشنطن يتضمن شراكة لحل سياسي ومحاربة داعش لمصلحة روسيا وتقليص النفوذ الإيراني في سورية، إضافة الى التلويح ب”جزرة” إعادة الإعمار مدخلاً للتسوية في سورية.