رحلة إلى موطن الغيوم والغيول والمطر ” المروي “
ـ تعتبر المروي احد قرى عزلة عبس التابعة لمدينة حجة.
وتقع خلف جبل ظفر – الحارس الامين للبوابة الغربية لمدينة حجة – من جهة الغرب.
وتبعد عن المدينة بحوالي 7 كيلو متر
ويتوجه اليها من طريق النصيرية مرورا بالشاهلي ثم منطقة ظلام وقبل ان تتوجه منه الى شمسان التابعة لمديرية مبين هناك فرع على يمينك يتجه الي المروي.
سرنا نزولا في الطريق المؤدي للمروي وتوقنا بعد حوالي ثلاثين مترا
لنبدأ رحلتنا سيرا على الاقدام نزولا من الجبل الى وادي حرب المنحدر من الشمال الى الجنوب والذي يقع غرب محل المروي انا ورفيق ودليل الرحلة الاستاذ العزيز / يحيى محمد العليي.
ـ تتكون المروي من عدد من المحلات منها المروي والمعزاب والطنب وبيت سعدان.
ـ نزلنا من الجبل الي الوادي لمسافة قصيرة ووصلنا الي اول الغيول الذي تم تجميع روافده وعيونه عبر قناة تم بنائها بعناية فائقة لتصب في ماجل الغرزة الذي بني على شكل شبه دائري ومساحته لاتتعدى 2×3متر
وخارج سوره الجنوبي فتحة دائرية كفتحة الابيار القديمة وقطرها حوالي 70 الى 80سم ثم تتدرج للاسفل وتتصل بقناة تم حفرها بعناية واتقان عميقا ويعبر من خلالها الماء حوالي 40 متر تقريبا ليصب عبر فتحتها التي يصل قطرها حوالي 80سم الي ماجل اسفيان.
ـ والمسافة بين ماجل الغرزة وماجل اسفيان حوالي 35 متر
ولاحظت بجوار وادي الغرزة ارض واسعة غير مزروعة وفيها بقايا اشجار كبيرة .
وهناك بجواره بجهة الغرب اساسات ماجل تهدم وغارت العيون التي تغذيه بالماء
ـ ماجل اسفيان يستقبل الماء من وادي الغرزة ومساحته حوالي مترين ونصف × 6 امتار.
وتتفرع منه قناتان اجدهما شرقية والاخرى غربية تسقيان الاراضي الزراعية التي تحيط بالوادي حتي الماجل الكبير وتمتد القناة الشرقية حوالي 500منر والقناة الغربية حوالي 200 متر والتي تقع باتجاه جبل سهيل.
ـ الماجل الكبير.
تبلغ مساحة الوادي الكبير حوالي 3×10 متر وعمق حوالي 3 متر تقريبا.
وتمتد القنوات من الماجل لتسقي الاراضي الزراعية غرب وشرق المسيل عبر قناتين لمسافة تصل لحوالي 800 متر تقريبا حتى تصل الي ماجل السربة.
ـ ماجل السربة
يوجد في منطقة السربة ماجلين الاعلي مكبوس ويقع شرق الوادي والاسفل لازال قائم ومساحته حوالي 2×6 متر وتمتد منه قناتان احدهما تتجه للطنب والاخرى باتجاه المعزاب بمسافة تتجاوز 800 متر تقريبا..
ـ وتستمر العيون والغيول في التدفق وتستقبلها المواجل مثل ماجلي الضولع في الطنب اللذان لم نتمكن من الوصول اليهما.
ـ من خلال الخارطة السابقة للمواجل والقنوات في وادي حرب الذي ينحدر من الشمال للجنوب بداية من ظلام وحتى المعصرة نجد اننا امام خارطة الغيول والعيون التي تتصبب من اعالي الجبال وانها بامتداد الوادي وان مهمة المواجل والقنوات تتجاوز وظيفة حفظ المياه وايصالها الى الاراضي الزراعية وتتعداها الى وظيفة جمع وحصد مياه الغيول والعيون التي اذا لم يتم الوصول اليها عبر القنوات وحفظها في المواجل فانها ستتسرب الى باطن الارض وتضيع وهنا تتجلى الوظيفة التجميعية للقنوات التي تمكن اهالي المنطقة من حصد وتجميع المياه والسيطرة عليها.
وهذه الخارطة نتاج عشرات التجارب وتراكم هائل للخبرات التي يصل عمرها لمئات السنين والتي اهلت المنطقة لتستحق اسمها المشتق من الارتواء.
فالمروي تعني الارض المروية.
ـ وقد لاحظت ان خارطة الغيول والعيون تتوزع بين جهتي الوادي وان هناك عيون تنبع من الجهة الشرقية واخرى من الجهة الغربية وان مصباتها شبه متقاربة ولهذا تجد بجوار ماجل الغرزة ماجل اخر غارت عيونه والمفترض ان يكون هناك ماجل قريب من ماجل اسفيان من الجهة الغربية ربما طمرته المياه وتهدم وغارت مياه الغيول الذي تغذيه.
ـ. الماجل الكبير يقع غرب الوادي وتتجمع الغيول اليه من قناتين وكنت اعتقد ان حجمه الكبير يغني عن الحاجة الى وجود ماجل اخر علي مسافة قريبة منه. من جهة الغرب وقد وجدت على بعد مسافة منه اشجار خضراء باسقة وارض مبللة بالماء مما يشير الى ان هناك عين قريبة تسرب مائها ويفترض انها كانت تتصل بقناة يصب مائها الى ماجل ما طمره السيول بالتراب وهذا الافتراض حتاج الى تأكيد من كبار السن في المنطقة.
ـ يزاد انحدار الوادي للاسفل من التبة التي باعلى ماجلي السربة بسبب الصخور الكبيرة مما ادى الى طمر السيول للماجل الاعلى بالتراب .
ـ. يتسع الوادي من تحت الماجل الكبير مما يشير الى ان هناك اراضي زراعية جرفتها السيول وهي السبب في اتساع حجم مسيل الوادي مما يشير ان هناك اهمال كبير من قبل ابناء المنطقة وتقاعس عن اصلاح الاراضي المتضررة من السيول واهمال في اصلاح المواجل التي غمرتها السيول بالتراب.
مما يوضح ان الملكية للغيول والمواجل تعود لجميع ابناء المنطقة .
وبسبب وفاة الشيخ عبدالله السنور والحاج شوعي بن حسن الصباح اللذان يعتبرهما اهل المنطقة حراس المواجل والغيول وحماة الوادي من السيول
تعرض الوادي ومواجله للاهمال والخراب.
ورغم اشادة ابناء المنطقة بروح التعاون والاخوة فيما بينهم واحترامهم وحبهم واحترامهم للشيخ فارس السنور
واشادتهم بانجازاته في مجال الطريق والمدرسة والمشاريع الخدمية الا ان ماتتعرض له مواجل وادي حرب من الاهمال يستدعي تكاتف لفته كريمة منه والتفاف كل ابناء المروي لحماية المواجل وتنظيف ماطمرته السيول واستصلاح الاراضي التي جرفتها السيول.
ـ تعتبر القنوات والمواجل التي شيدها الاسلاف قبل مئات السنين هي الارث العظيم والهبة المباركة التي مكنتهم من حصد وتجميع المياه والحفاظ عليها وتعتبر الامانة المقدسة الملقاة على عاتق احفادهم ويجب ان يحافظوا عليها ويورثوها لابنائهم لتظل هذه الارض المباركة محافظة علي اسمها ورسمها عبر الاجيال ” المروي”
ولهذا ينبغي على جميع ابناء المروي الحفاظ عليها من التجريف والتسرب والطمر والضياع
ـ لقد هالني رؤية العشرات من اشجار الذرح المتيبسة على طول القناة الغربية من السربة وحتي الطنب والتي يبست وماتت بسبب توقف جريان المياه عبر القنوات اليدوية القديمة واستغناء ابناء المنطقة عنها بالتمديدات البلاسنيكية ” الليات” باللهجة المحلية وهذا امر مؤسف ومؤلم جدا ان تموت الاشجار العظيمة عطشا في الارض المروية.
ستبكي الينابيع والعيون
حتى يجف مائها
على موت اشجار الذرح العظيمة وستحل اللعنة على من تسببوا بموتها بهذا الشكل المهين.
ـ لازالت اشجار الذرح العظيمة شامخة في مكانها رغم موتها منذ سنين لتروي قصة جشع ولؤم بني الانسان
وتصم الجيل الذي ماتت في عهده بالخسة والهوان.
ظلت اشجار الذرح العظيمة تجلب الخير والبركة لابناء المنطقة لمئات السنين وفي غضون عقد من الزمن تنكر ابناء المنطقة لفضلها ومكانتها فتركوها تموت عطشا وبصورة مذلة ومهينة
واذا لم يتم تدارك هذا العمل المشين من قبل ابناء المنطقة فستتعاطف كل الكائنات التي تدب على الارض وتلمع في السماء في الارض المروية لتنتقم من قتلة الاشجار الجشعين وجلب اللعنة عليهم وعلى نسلهم.
وسيحل بهم الذل والصغار ويشربوا من ذات الكاس الذي شربت منه اشجار الذرح وستنتقل اللعنة الى كل الاراضي الزراعية وكل ابناء المنطقة.
ـ الغطاء الشجري الكثيف لاشجار الذرح والطنب والقوع واللثب والتالوق والابرايه في وادي حرب لايوجد له شبيه في منطقة اخرى والاراضي الزراعية المهملة واشجار القات الهزيلة التي لاتساوي قيمة الماء التي يرويها تنبأ عن ماضي مشرق وحاضر مظلم يطويه السواد يدعوا للبكاء والحسرة على ضياع هذه الارض الطيبة واهمال اهلها لها ونزوحهم الى الهجرة للمدن والاغتراب في دول الجوار.
ـ وجدت ارض خصبة مهمة بجوار ماجل الغرزة وسئلت احد الاهالي عن اصحابها فقال لي احدهم ان صاحبها يتشقى مع الاخرين ويهمل ارضه فادركت ان هناك مأساة وسئلت عن ارض مهملة اخرى فقيل لي ان اصحابها مغتربين في دول الجوار وشاهدت اشجار القات الهزيلة في الاراض الزراعية الخصبة وعدم الاهتمام بها او رعايتها فادركت ان هناك خطب ما…!
ووجدت بعض اسبابها في اشجار الذرح التي تم الحكم عليها بأن تموت عطشا وذلا في الارض المروية ” المروي ” واهمال المواجل المطمورة بالتراب وتجريف السيول للاراضي الزراعية.
ـ استمعت من رفيقي ودليل الرحلة الى ماكان يرويه كبار السن عن الغابة المظلمة بسبب كثافة الاشجار التي تقع تحت ماجل السربة والتي كانت تستوطتنها الوحوش المفترسة بمختلف انواعها الي منتصف القرن الماضي وان الجهة الغربية من اعلي جبل ظفر كانت محمية طبيعية يمنع الاحتطاب منها.
ـ شاهدت عبث بلحاء الاشجار في الوادي مما يشير الى ان هناك خلل في الوعي واهمال كبير من قبل العقلاء بواجبهم في توعية ابنائهم بكيفية التعامل مع الاشجار.
ـ لم انمكن من مواصلة الرحلة الجريمة المرتكبة بحق اشجار الذرح فتوجهت ومرافقي باتجاه خراب السربة ولم استطع الارتقاء بمداركي الي مقام تلك الاثار العظيمة .
حيث وجدت باعلى التبة التي تقع تحت المسجد نصب حجري كبير علي شكل طائر اسطوري يرنوا بعينيه للعابرين وضع بطريقة معينة ليرحب بالعابرين ويخبرهم بان صقور وجوارح الارض المروية ترقبكم ويعلن عن تواجد حراس الجنان الوارفة بالارض المروية بالاعلى.
وشاهدات هياكل المباني الضخمة التي لازالت قائمة لتنبأ عن عظمة وقوة. ومكانة عمارها ووجدت في بعض البيوت التي تهدمت سقوفها اخشاب الذرح التي قطعت بعناية فائقة في سقف احد البيوت الذي كان يستخدمه الاهالي الى وقت قريب لتظل شاهد على عظمة الاشجار وثراء الاسلاف ومكانتهم المرموقة.
وعدت تلك الهياكل الشامخة بأن اسخر لها زيارة اخرى تليق بمقامها وعظمتها.
ـ وشاهدت في اسفل محل المروي اضرحة لقبور مقضضة محطمة ومهملة تحكي عظمة الاسلاف واهمال من خلفوهم في تعاملهم مع ارثهم الحي والميت.
ـ وصلت الى المسجد الذي زرته قبل عقدين من الزمن وشاهدت الاصلاحات والتوسعة فيه فقرأت الفاتحة على روح الاسلاف وروح المرحوم شوعي بن حسن الصباح صاحب البصمات والمأثر الطيبة هذا الرجل الاصيل الذي وجدت له بصمة في الوادي تتمثل في جسر اسمنتي طوله حوالي ثلاثة متر وعرض حوالي 70سم يعبر عليه المشاه فرحمة الله تغشاه.
ـ وجدت من عناية الاسلاف بالاراضي الزراعية في الوادي عبارة قديمة بنيت بمهارة عالية طولها حوالي ثاثة امتار وارتفاعها حوالي متر ونصف شيدت لتحمي الارض الزراعية من ارتطام السيول وتحول دون انحرافه عن مساره وجرفه للاراضي الزراعية.
ـ وجدت في وادي حرب اشجار لثب معمرة يتجاوز قطر جذعها ستة امتار , ووجدت اشجار ذرح يتجاوز قطر جذعها حوالي اربعة امتار ووجدت ثروة كبيرة من الاشجار المعمرة في الوادي هي سر استمرار تدفق غيوله وعيونه.
ـ انتقلنا من المسجد الي بيت الفقيه سمير العليي الذي استقبلنا بحفاوة بالغة وتغدينا وقيلنا في بيته واكرمنا بما يجعل الحروف عاجزة عن شكره والثناء عليه بما هو اهل له.
وبينما نحن مقيلين في ديوان سمير الفقيه انهمرت الامطار فبدأت في التسبيح والحمد والشكر واتصلت الى حجة لاستعلمهم عن المطر فاخبروني انه لايوجد اي مطر فسبحت الله علي فضله وجوده وكرمه الذي خص به ابناء المروي دون غيرهم واخبرتهم ان الفضل يعود للاشجار الكثيفة في المنطقة وطلبت من الاخ سمير ان يتواصل بالشيخ فارس ليجمع الوجهاء في المروي ويحثهم للحفاظ على المواجل والارض الزراعية وزراعة الارضي الخصبة بالبن والفواكه الطيبة بدلا عن اشجار القات الهزيلة التي لاجدوى منها واستغلال الوادي بالشكل الذي يرضي الله والاسلاف ويتناسب مع خصوبة اراضيه وتدفق غيوله.
واما لعنة اشجار الذرح فاذا اجتمع الاهالي والتزموا بتخصيص جزء من ماء ماجل السربة وفوضوا الشيخ فارس السنور في معالجة الموضوع فلدي الوصفة المناسبة .
ـ اخبرني الاستاذ يحيي العليي عن غيل المروي الذي يقع بجوار الطريق الذي تمر منه السيارات الى المروي وانه من اخصب الغيول انه كان بجواره ماجلين.
وبهذا تكتمل لوحة العيون التي تغذي الارض المباركة ” المروي” فتبارك الله احسن الخالقين.
ـ كانت الرحلة الى ارض الغيوم والغيول والامطار ” المروي” من اجمل الرحلات وقد احتضنت العديد من الاشجار المعمرة وشعرت بالطاقة الايجابية تسري في كل خلية من جسدي فلولم يكن للاشجار من فائدة الا امتصاص الطاقة السلبية وتزويد من يقترب منها بالطاقة الايجابية لكانت كافية لتوقيرها واحترامها.
فتعاملوا مع الاشجار بمهابة واحترام لتكافئكم بالخصب وتدفق الغيول وجذب الغيوم والامطار..
ـ الصور بعدسة فريق التوثيق بمؤسسة حجة الثقافية التنموية.