إلى بيروت .. سلام
المشهد الإنساني في بيروت بعيد الانفجار الكبير أكبر من أن تصفه الكلمات في سطور كهذه، والمشاعر التي يمكن أن تعبِّر عن تضامنها مع الشعب اللبناني قد تجمع التناقضات والمتضادات، فلا يدري المرء أيحزن لحال الضحايا والمآسي التي لحقت بالآلاف من أهلنا في لبنان، أم يغضب حيال هذا الفساد غير المسبوق الذي أدى إلى كارثة غير مسبوقة، فاقم من قتامتها الضخ الإعلامي المسيس من داخل لبنان وخارجه..؟
أما الحالة التضامنية التي هيمنت على المشهد، وكشفت عن الإرادة الصلبة للشعب اللبناني في مواجهة التحديات الكبرى، وفتحت نافذة للأمل وسط الركام والدخان المتصاعد، فقد بعثت على الارتياح، وخففت كثيرا من وقع الفاجعة التي وصل صداها إلى كل العالم، فسارعت الكثير من الدول إلى إغاثة لبنان ومواساة الضحايا، في مشهدية افتقدناها كعالم عربي طيلة سنوات الجفاف الأخيرة.
بيروت تنزف وتتلوى وجعا وجزعا، قتلى بالمئات وجرحى بالآلاف، ومفقودون في البر والبحر، ودمار كلي لمرفأ بيروت أهم شريان اقتصادي للدولة وللشعب، وأحياء بكاملها انهارت كليا، وغدت أثرا بعد عين، ومع ذلك لا يزال الجاني المجرم مجهولا، وهذا هو القهر بعينه.
عروسة المدائن أعلنت الحداد، واتشحت السواد، فهي اليوم منكوبة ومكلومة بفعل من أبنائها قصدا أو إهمالا- وهو الاحتمال الأكبر حتى الآن- والآلاف من الأسر التي غدت مشردة وتبحث عن مأوى مؤقت لا تزال تنتظر من يلملم جراحها في الواقع وليس في وسائل الإعلام.
صحيح أن المشاعر الوطنية والقومية والإنسانية التي تفجرت حول الانفجار قد خففت من وقع الفاجعة وهول الصدمة، إلا أن وجع بيروت أكبر بكثير، ولا يمكن احتواؤه إلا بالمزيد من الإغاثة الإنسانية العاجلة والمستمرة والشاملة من الداخل ومن الخارج، ودونما مقايضات سياسية ليس وقتها الآن.
. والشفاء العاجل لكل الجرحى، والعار لكل فاسد أو عميل يتأبط شرا بأمنها واستقرارها وسيادتها واستقلالها.