(إطلالة سريعة).. حاجة الأمة الى فكر المفكر الإسلامي الكبير إبراهيم بن علي الوزير*
كلما هممت بان اكتب عن المفكر الاسلامي الكبير اتردد كثيرا لكوني اقف امام مدرسة فريدة من نوعها ظهرت معالمها من وقت مبكر كانت الامة مهمومة بقضاياها الخاصة في كل بلد عربي واسلامي.. مدرسة اهتمت بالقضايا الرئيسية للامة في ظل اهتمام عام للآخرين بقضايا جزيئة واخرى هامشية.
بل ان الامة كان محور اهتمامها بقضايا تفرق الامة ولا تجمعها وتردد المقولات كالببغاء دون ان تعي خطورة تلك القضايا المطروحة وانها تمزق الامة وتفتتها لصالح قوى الاستعمار والتخلف وتجعل من الامة تعيش خواء فكري وخواء حضاري.
ومن اهم تلك القضايا قضية الحرية التي لم تكن مصدر اهتمام بل ان ما كان يقال يكرس لإلغاء حق اساسي من حقوق الانسان وهو حقة في ان يعبر ويفكر ويخلق ذهنية ناضجة قادرة على العطاء والالهام طالما يرى الانسان نفسه حر وان من حقة ان يعيش بحرية ضمن ضوابط قطعية الدلالة وضمن منهجه وخطه الاسلامي ولعل من قراء (كتاب) “لا إله إلا الله محمد رسول الله شهادتان هما منهج حياة”، يرى ان المفكر ابراهيم الوزير لم يقتصر على المداولات المعهودة في ذهنيتنا جميعاً بل كانت اولى الكلمات ان اعتبر (ان الخطوة الاولى الى تنفيذ منهج الوحي الإلهي هي تحرير الانسان من ظلام العبودية الزائفة والانتقال به الى كرامة العبودية لله) وقال ايضاً (منذ تلك اللحظات الخالدة في تاريخ العالمين كانت الخطوة الاولى لذلك التحرير تتمثل في شهادتين هما منهج حياة وهما في الوقت ذاته تحرير للإنسان كل الانسان ليس على مستوى وطن او قارة او امة او شعب وانما الحرية هي الحرية المتسعة اتساع الكون.
وهذا يعني تحرر الانسان النفسي والسياسي والحياتي من اي قهر او أكراه او اي شكل من اشكال التسلط والعبودية للمخلوقين او الخرافات والاوهام والاساطير لتعبد الذي خلق كل شيء إلهاً واحداً لا شريك له وهو الذي منح حرية المشيئة المطلقة للإنسان على هذه الأرض.
وقد اوضح ان كرامة الانسان لا يتم تحقيقها إلا بأمرين:
الأول: الحرية.
والثاني: العدل.
وقد قال عنه ضياء السعداوي (ان ابراهيم لم يكن فقط مفكراً اسلامياً مهتماً في امور الفقه والشريعة بل كان رجلاً حراً بكل معنى الكلمة في فكره ومنطلقاته وعمله مع التزامه التام بمبادئ الاسلام وبالحقوق الانسانية).
بمعنى ان استاذنا الكبير لم يكن مقلوب الفكر والثقافة بل كان دائماً يغوص في اعماقها واضعاً نصب عينية حال الامة وحاجة الامة الى التغيير.
ولم يكن يتعامل مع ما يقرأ لأجل الحفظ وانما لأجل الاستنباط لما فيه صالح الامة.
وهو في كل كتبه حذر من عوامل الانغلاق والجمود التي كانت تعيشها الامة وكان يتخطى الانماط السائدة للأفكار.. لأنه كان ينظر بعين بصيرة بعد ما سوف تتعرض له الامة من تخلف وصراع واستلاب للهوية الاسلامية وتقطع وتمزق وتناحر وهو ما حدث ومازال يحدث.
إن حاجة الامة الى مدرسة ابراهيم الوزير هي حاجة ملحة وهامة كون الامة لاتزال تعاني اشد مما كانت تعاني بالأمس وتحتاج للانعتاق للخروج من الجمود والتبعية الى حالة الابداع وخلق الحالة الحضارية الخاصة بالمسلمين في ظل استمرار انكفاء النخب الى التقوقع المذهبي والسياسي لحالات خاصة ومصالح ضيقة.
وهذا ما نبه له في كتبه، ككتاب “على مشارف القرن الخامس عشر” و”هموم إسلامية”.
وهما كتابين مهمين للقارئ ليعرف كيف يمكن ان يتعامل مع قضايا وفهم ادق للإسلام، انه الفهم الواعي المنطلق من القرآن الكريم والسنة النبوية الجامعة والغير مفرقة.
ولهذا تجد المفكر الاسلامي يلتقي بقادة الفكر الاسلامي في مختلف الدول العربية والاسلامية ولا تقيده قيود بل همه وذهنه وعقله ووجدانه كيف يمكن ان تخرج الامة من واقعها الاليم وتحذر من دسائس الطائفية والتخلف السياسي وغياب العدل والمساوة.
لو ان الامة اخذت واهتمت باطروحات المفكر الاسلامي حول الحكم ونظام الشورى ورفض الاستبداد وتنقية الموروث الديني من شوائب فقهاء السلطة على مر تاريخ المسلمين، والتعامل مع مستجدات العصر وترك التناحر والاختلاف والتكفير، وكانت قراءة للقرآن حول المدارس الفكرية وكانت فكر أهل الكهف والفكر البقري والفكر المارق.
واعتبر المفكر الاسلامي ان العناصر الاساسية لخط الامة هي بتفعيل العقل وخط العقلانية والتفكير كفريضة اسلامية كما اعتبرها احد المثقفين.
والثانية نظام الحكم بعيدا عن الاستبداد والانفراد عبر نظام الشورى.
والثالثة الانفتاح بين الامة العربية والإسلامية.
كما ان القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني هي ضمن الاولويات ولو لاحظنا ان هذه القضايا لاتزال هي القضايا العالقة في امتنا ولم يتم اي معالجة فعلية لهذه القضايا ولهذا لازلنا نتخبط يميناً ويساراً.
ان معالم الفكر لدى الاستاذ الوزير كلها تصب الى عملية تطوير لحال الامة وخروجها من حالة الفساد والاستبداد وتضييع مواردها وقضاياها.
ولو ان الامة اخذت بما قاله لكان الوضع مختلف ولكان وضع الامة في مكان لايكونوا فيه تابع لدول الاستكبار والدول الاستعمارية التي تمتص خيرات بلداننا.
ما احوجنا لك ايها المفكر العظيم الذي كنت تعطي جزء من وقتك لكل من يزورك لا فرق عندك بين صغير او كبير، عشت عمرك وحياتك من اجل الناس وقضاياهم ومن اجل النهوض بأمتك.
وسلام الله عليك في كل حياتك التي كانت معظمها عناء ويوم مماتك..
ختاماً اقترح ان تكون هناك ندوة علمية حول فكر الاستاذ بشكل اعمق و تقدم دراسات مفصلة فشخصية كشخصية الاستاذ ابراهيم هي نادرة ولعله الشخص الابرز في تاريخنا المعاصر.
* ورقة قدمت في فعالية احياء الذكرى الرابعة لرحيل المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير.. التي اقامها اتحاد القوى الشعبية في امسية رمضانية يوم الاربعاء الماضي 14 رمضان 1439هـ.