حضرموت في قلب لعبة المصالح الكبرى
حضرموت في قلب لعبة المصالح الكبرى
حضرموت في قلب لعبة المصالح الكبرى
- عبدالرحمن مطهر
الجمعة 5 ديسمبر 2025-
تمتلك حضرموت موقعاً مترامي الأطراف، وتمثل 30% من مساحة اليمن، وتكتنز 80% من ثروات اليمن، وترتبط جغرافياً بمأرب وشبوة والمهرة، وتمتد إلى الحدود الدولية مع سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، وتمتلك مخزوناً استراتيجياً كبيراً من النفط، إضافةً إلى إطلالتها على البحر العربي، وصولاً إلى أعالي البحار هذه المقومات الطبيعية والجغرافية والطاقية تجعل من حضرموت محطة يسيل لها لعاب قوى الصراع في اليمن تبلغ مساحة حضرموت نحو 193,032 كم مربع ويقدر عدد سكانها 1,028,556 نسمة (إحصائية سابقة) وتوجد مجتمعات مهاجرة في شرق آسيا، ودول مجلس التعاون الخليجي وجنوب شرق آسيا.
فحضرموت هي أكبر محافظات اليمن مساحة، تمتد من تخوم الربع الخالي شمالًا إلى سواحل البحر العربي جنوبًا، لتشكل جغرافيا متنوعة تجمع بين الصحاري الغنية بالنفط والغاز والمعادن، والسهول الزراعية، والجبال، والسواحل البحرية التي تحتضن موانئ المكلا والشحر.
هذه المحافظة التي حافظت على هدوئها منذ العدوان على اليمن في 2015 وذلك لبعدها عن مناطق الصراع، أصبحت اليوم مطمع القوى الإقليمية التي تعمل لصالح إسرائيل والدول الغربية.
موقعها المميز ومساحتها الشاسعة وغنى أرضها بالثروات جعلها عقدة استراتيجية فهي تربط الجزيرة العربية بالمحيط الهندي، وتتحول إلى ممر حيوي للتجارة والملاحة البحرية، فضلًا عن كونها خزّان اليمن النفطي والغازي بما تحتويه من حقول المسيلة وغيرها.
سكان حضرموت كذلك مسالمون ويتميزون بتاريخ طويل من الهجرات التي جعلت لهم حضورًا واسعًا في شرق أفريقيا والهند وجنوب شرق آسيا، ما أضفى على المجتمع الحضرمي طابعًا من المدنية والرقي والتقدم والانفتاح التجاري والثقافي والديني، وعزز شبكاتهم الاقتصادية العابرة للحدود.
في الأسابيع الأخيرة، شهدت هذه المحافظة توترات حادة بين المجلس الانتقالي المدعوم من الامارات وحلف قبائل حضرموت على خلفية السيطرة على المنشآت النفطية، قبل أن تتدخل السعودية لرعاية اتفاق تهدئة أدى إلى انسحاب القوات الحضرمية المحلية من محيط الشركات النفطية وإعادة تموضع قوات الانتقالي الجنوبي الانفصالي.
هذا الاتفاق أوقف التصعيد المباشر مؤقتا، لكنه كشف هشاشة التوازن القائم، حيث لا تزال القبائل تحتفظ بقدرتها على تعطيل الإنتاج النفطي متى شاءت، فيما يحاول المجلس الانتقالي تثبيت شرعيته عبر السيطرة على منابع النفط وموانئ المحافظة وكافة الخطوط الساحلية.

القوى القبلية ما زالت تحتفظ بنفوذها التاريخي في إدارة الأرض والعلاقات الاجتماعية، وتستخدم ورقة النفط كورقة ضغط سياسي، والمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًا، يرسخ نفوذه عبر قوات النخبة الحضرمية والشبوانية، ويستفيد من ضعف القوات التابعة للمجلس الرئاسي الثماني المولي للسعودية خاصة تلك الموالية لحزب الإصلاح، بينما السعودية ترى في حضرموت ضمانًا لأمن حدودها الجنوبية ومصدرًا للطاقة، وتسعى عبر أساليب ناعمة لفصل حضرموت عن الجسد اليمني، وهو حلم طالما راود القيادة السعودية منذ زمن.
القوى الغربية كالولايات المتحدة وإسرائيل ليست بعيدة عما يجري في هذه المحافظة المسالمة، فهذه القوى تنظر إلى حضرموت باعتبارها جزءًا من معادلة الأمن البحري العالمي وضمانًا لاستمرار تدفق الطاقة عبر طرق الملاحة الدولية، وتستخدم الفوضى كمبرر لتكثيف وجودها العسكري والاستخباراتي في البحر العربي وخليج عدن. إسرائيل، وإن لم تكن طرفًا مباشرًا، إلا أنها أكبر وأبرز المستفيدين من أي فراغ أمني عبر تحالفاتها الإقليمية، خصوصًا مع الإمارات، لتعزيز حضورها غير المعلن في البحر العربي ومراقبة طرق الملاحة والطاقة، في إطار حربها مع القوات المسلحة اليمنية في صنعاء، كما تسعى الولايات المتحدة بقصقصة اجنحة حزب الإصلاح في اطار حربها على ما يسمى بالإخوان المسلمين الذين صنفتهم كمنظمة إرهابية، والذين لم يتبق لهم في اليمن سوى أجزاء من مدينة تعز وحوالي مديريتين في محافظة مأرب الغنية بالنفط.
إذن الفوضى في محافظة حضرموت وفي اليمن بشكل عام تتحول إلى مصلحة استراتيجية لهذه القوى، هذه الفوضى تمنح السعودية مبررًا للبقاء كوسيط حتى تتاح لها الفرصة لضم حضرموت لها، كما تتيح للإمارات الوكيل الأبرز لإسرائيل فرصة لتعزيز نفوذها في اليمن بشكل عام وحضرموت بشكل خاص، أيضا تفتح هذه الفوضى أمام القوى الغربية وإسرائيل مجالًا لتكثيف وجودهما العسكري والاستخباراتي تحت شعار حماية التجارة الدولية تحت مبرر ضعف القوات الحكومية.
في هذا المشهد المعقد، تصبح حضرموت أكثر من مجرد جغرافيا يمنية؛ بل عقدة استراتيجية تتجاوز حدودها، حيث يتقاطع المحلي بالإقليمي والدولي، ويتصارع المعنى مع المصالح الإقليمية والدولية.
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو ما إذا كانت حضرموت ستظل ساحةً تتقاسمها الدول الإقليمية، أم ستنجح في صياغة سرديتها الخاصة لتصبح لاعبًا مستقلًا في معادلة الموارد والمعنى، وتعيد تعريف موقعها في خريطة الصراع الإقليمي والدولي، وهل ستحافظ على هدوئها ورفص كل المشاريع الضيقة الإقليمية والدولية.


