بين شعارات التحرير وترتيبات المصالح: أردوغان وترامب.. ثورة أم نفاق سياسي؟

بين شعارات التحرير وترتيبات المصالح: أردوغان وترامب.. ثورة أم نفاق سياسي؟
بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف
الأحد 28 سبتمبر 2025-
لم يكن لافتًا في المشهد الدولي خلال الأيام الماضية سوى صوت الأمم المتحدة، التي أصدرت تحذيرات متكرّرة بشأن الوضع الإنساني والسياسي في الشرق الأوسط. أما بقية الأطراف — إعلامًا وزعماءً — فقد انشغلوا بترتيب أوراق المصالح لا بأولويات الشعوب.
الإعلام الدولي، منذ الأمس وحتى اليوم، يتغنّى بـ “الغزل السياسي” بين دونالد ترامب ورجب طيب أردوغان. لقاءات ودودة، تصريحات متبادلة، وحفاوة بروتوكولية انتهت — على حد وصف بعض المراقبين بسخرية — إلى ما يشبه مطارحة الفراش السياسية. في الوقت ذاته، يطلّ أردوغان على جماهير الشرق الأوسط بوجهٍ آخر: بطل إسلامي، خليفة مُرتقب، وقائد لا ينام عن هموم المسلمين. غير أن الحقيقة أكثر قسوة؛ إذ لم يجرؤ أمام ترامب على ذكر أزمة واحدة من أزمات المنطقة، بل تلقّى توبيخًا علنيًا حول اجتياحه لسوريا، تلك الأرض التي طالما حلم بها مشروع “تركيا الجديدة”.
هذا التناقض يفضح الفرق الشاسع بين أن تكون ثوريًا بحقّ، وبين أن تمتهن النفاق السياسي في أسواق النفوذ.
ترامب: سيد المسرحيات الانتخابية
من جهة أخرى، يتقن ترامب صناعة المشاهد الدعائية أكثر من أي رئيس أمريكي سابق. ففي الوقت الذي كان يوقّع فيه أمرًا تنفيذيًا للسيطرة على تطبيق “تيك توك” عبر شركة “أوراكل” بصفقة بلغت 14 مليار دولار، كان يبعث برسالة واضحة: الولايات المتحدة تُعيد تعريف السيادة الرقمية بما يخدم مصالحها.
الصين تمنع التطبيق في أراضيها، وواشنطن تُعيد هندسته بما يناسبها. أمّا بقية دول العالم، فليست أكثر من محافظ مالية مفتوحة لنهب جيوب الشعوب.
“لن أسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية”: كذبة سياسية
أما على صعيد القضية الفلسطينية، فقد صرّح ترامب مؤخرًا بأنه “لن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية”. لكن الوقائع تكذّبه: فمنذ ولايته الأولى منح الضوء الأخضر لنتنياهو للمضي في مخطط الضم، واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبالسيادة على الجولان وغور الأردن.
هذا التناقض الفجّ يكشف أن تصريحات ترامب ليست سوى فقاعات انتخابية، بينما الحقيقة أن الضم يسير قُدمًا بإرادته وإرادة حلفائه في تل أبيب.
أردوغان: خطابات في الشرق وخضوع في الغرب
أردوغان الذي يُقدَّم كـ”زعيم مسلم ثوري” لم يأتِ على ذكر غزة أو الضفة أو مأساة سوريا أمام ترامب. بل خضع لمعادلات النفوذ الأمريكي، مكتفيًا بتسويق نفسه في الشرق الأوسط كبطل يتبنّى خطاب المظلومية الإسلامية. لكن التوبيخ العلني الذي تلقّاه من ترامب حول الاجتياح التركي لسوريا، يُظهر حجم التناقض بين خطابه الثوري في الداخل وسلوكه الانتهازي أمام الكبار.
الخلاصة: بين ثورة الشعوب ونفاق الساسة
الشرق الأوسط اليوم يواجه أخطر أشكال التلاعب السياسي: زعماء يرفعون شعارات التحرير والكرامة، بينما يبيعون المواقف في الغرف المغلقة. ترامب يوظّف ملفات غزة والضفة وتيك توك لمكاسب انتخابية، وأردوغان يوظّف الخطاب الإسلامي لتغطية تنازلاته الاستراتيجية.
الفرق كبير — كما قال أحد المراقبين — بين أن تكون ثوريًا بالفعل، وبين أن تكون منافقًا بارعًا. والأخطر أن الشعوب هي وحدها من تدفع ثمن هذه المسرحيات.
📚 المراجع
تقارير الأمم المتحدة حول الوضع في غزة وسوريا (2024–2025).
تصريحات ترامب الرسمية (تويتر/البيت الأبيض).
تحليلات Foreign Policy وAl Monitor حول خطة الضم وصفقة تيك توك.
خطابات أردوغان في البرلمان التركي وتصريحاته بعد لقائه ترامب (وكالة الأناضول).
اقرأ أيضا:في ذكرى استشهاد سيد المقاومة .. الشيخ قاسم: لن نسمح بنزع السلاح
