كتابات فكرية

السعودية .. باكستان وتحالف الردع الجديد لإعادة تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط

 السعودية .. باكستان وتحالف الردع الجديد لإعادة تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط

  • إعداد: حسن الدولة

الاثنين 22 سبتمبر 2025-

كنت قد اعدت قراءة عن المؤتمر الدولي الذي عقد في الرياض بحضور 35 دولة تحت عنوان : “مؤتمر البحر الأحمر: شراكة أم استحواذ على الدول الساحلية”، والذي نشرته صحيفة الشورى الإلكترونية يوم السبت الموافق 20 سبتمبر 2025، استجابة لطلب الأستاذ عبدالرحمن مطهر رئيس تحرير الصحيفة، وفي هذا المقال التحليلي سوف نتحدث عن إعلان اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان التي تم التوقيع عليها بين المملكة السعودية وباكستان والتي أثارت ضجّة كبرى، نظراً للعديد من الأسباب بحسب المراقبين الذين رأى بعضهم أن هذه الاتفاقية الاستراتيجية يمكن أن تؤرّخ لتحوّل كبير في ميزان القوى الإقليمية، وأنّ من شأنها كذلك أن تقلب حسابات إسرائيل الاستراتيجية رأساً على عقب، فما القصة؟

يرى مراقبون أن توقيع الاتفاقية هو أول قرار دفاعي قوي تتخذه دولة خليجية في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة في التاسع من سبتمبر الجاري، وهو الهجوم الذي شكّل صدمة أمنية وسياسية في المنطقة، إذ لم يكن في الحسبان أن تصل الاستفزازات الإسرائيلية إلى حد استهداف عاصمة خليجية. وأدى هذا الهجوم إلى تأجيج مخاوف عميقة لدى عواصم الخليج بشأن مدى التزام الولايات المتحدة بحمايتها، لا سيما في ظل غياب ردود واضحة من واشنطن، التي لم تعد تُظهر القدرة أو الرغبة الكافية في ضبط السلوك الإسرائيلي المتفلت من كل الخطوط الحمراء.

في هذا السياق، وصف وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الهجوم على الدوحة بأنه “عدوان وحشيّ يتطلب ردّاً عربياً وإسلامياً ودولياً”. بعد أيام قليلة من هذا التصريح، وتحديدًا يوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025، وقّع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف في الرياض اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين، وُصفت بأنها استراتيجية وتاريخية من حيث المضمون والتوقيت. ونصّت الاتفاقية على أن “أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما”، مع التزام باستخدام كافة الوسائل العسكرية للدفاع المشترك.

وبحسب بيان مشترك نشرته وكالة الأنباء السعودية، فإن الاتفاق جاء في إطار تعزيز التعاون الدفاعي، وتطوير جوانب الردع، وبناء على العلاقات الاستراتيجية الممتدة لأكثر من ثمانية عقود بين البلدين. ورغم تأكيد مسؤول سعودي أن الاتفاق لا يأتي كرد مباشر على أحداث محددة، بل يتوّج تعاونا طويل الأمد، فإنّ السياق الإقليمي شديد التوتّر، لا يمكن فصله عن توقيت التوقيع، خصوصًا بعد الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة، والهجوم السابق على إيران في يونيو الماضي، والضبابية التي تكتنف الموقف الأميركي في المنطقة.

ما يعطي الاتفاقية بُعدًا عسكريًا غير مسبوق هو شمولها على بنود تمنح السعودية ما يشبه مظلة نووية باكستانية غير مباشرة. فباكستان، بحسب تقارير دولية متخصصة، تمتلك ما لا يقل عن 170 رأسًا نوويًا، بالإضافة إلى قدرات صاروخية متطورة ومنظومة دفاعية هجومية تجعلها قوة نووية إسلامية لا يستهان بها. لذلك، فإن مجرد التنصيص في الاتفاقية على أن “الاعتداء على أحد الطرفين هو اعتداء على الآخر”، يعني أن المملكة باتت مغطاة ضمنيًا بقدرات الردع النووي الباكستاني، وهو ما اعتبره محللون تغيرًا جوهريًا في موازين القوى الإقليمية، قد يعيد خلط الأوراق في حسابات تل أبيب وطهران على السواء.

وبينما يضع الاتفاق باكستان كلاعب مركزي في هندسة الأمن الإقليمي، فإنه يُعزز في الوقت ذاته مساعي السعودية لتنويع شراكاتها الاستراتيجية خارج المظلّة الأميركية. هذا التوجه لم يكن مفاجئًا تمامًا، فقد عبّرت عنه القيادة السعودية مرارًا في السنوات الأخيرة، وخصوصًا بعد حادثة هجوم ” أنصار الله الحوثيين” على منشأتي “بقيق” و”هجرة خريص” عام 2019، حينما تقاعست واشنطن في الرد، وكأنها تريد أن تستخدم ورقة التهديد اليمني لمزيد من ابتزاز المملكة، مما دفع الرياض إلى البحث عن شركاء يمكن التعويل عليهم في الظروف الحرجة.

ويُعطي هذا الاتفاق، من وجهة نظر سعودية، عمقًا جديدًا للتحالف العربي/الإسلامي، في وقتٍ تشهد فيه المنطقة انسحاب المشروع الإيراني، وتمدّدًا عسكريًا إسرائيليًا، ومحاولات متكررة لفرض وقائع ميدانية جديدة في غزة، وسوريا، ولبنان. وفي خضم هذه التحولات، يبدو أن السعودية قررت التحرك وفق معادلة جديدة: الدبلوماسية من جهة، والتسليح والتحالفات النوعية من جهة أخرى. فقد أعادت المملكة تفعيل قنواتها الرسمية مع طهران، واستقبل ولي العهد السعودي مؤخرًا أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، في لقاء أعقب مشاركتهما في القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، غير أن هذا الانفتاح السعودي تجاه إيران يتم بحذر شديد، وبناء على أسس “دولة إلى دولة”، مع إصرار سعودي على رفض التعامل مع أذرع إيران غير الرسمية، وعلى رأسها “حزب الله” الذي لا يزال مدرجًا على لوائح الإرهاب في السعودية ودول الخليج.

في المقابل، تبدي طهران محاولات لاستخدام ورقة “الحزب” لتحسين شروطها الإقليمية، حيث أعلن أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم عن رغبة في “فتح صفحة جديدة” مع السعودية، في تصريحات اعتبرها البعض صدى لتوصيات مباشرة تلقّاها لاريجاني من رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت. ومع أن الرياض ترحّب بالاستقرار، إلا أنها تفصل تمامًا بين الحوار الرسمي مع إيران وبين التعامل مع الجماعات المسلحة التابعة لها.

الخطوة السعودية الأخيرة لم تكن مجرد ردّ فعل على الأحداث المتسارعة، بل تجسيد لرؤية استراتيجية متكاملة تتبناها الرياض، تهدف إلى ضمان أمن الخليج واستقرار المنطقة، وبناء شبكة تحالفات حقيقية مع القوى المؤثرة. من هنا، تندرج الشراكة مع باكستان ضمن رؤية شاملة لإعادة تموضع المملكة في الإقليم، خاصةً في ظل مؤشرات على قرب توقيع اتفاقيات مماثلة مع دولتين عربيتين أخريين، بما يشكل تكتلاً دفاعيًا إسلاميًا يعيد التوازن الأمني، ويمنح القرار العربي بعدًا جديدًا من القوة والفاعلية.

في نهاية المطاف، تمثل الاتفاقية بين السعودية وباكستان إعلانًا عن مرحلة جديدة في العلاقات العسكرية والسياسية في الشرق الأوسطـ، وهي رسالة مزدوجة، للداخل والخارج، تؤكد أن المملكة لم تعد تراهن فقط على المبادرات الدبلوماسية، بل تملك اليوم أوراق الردع والتحالف والقرار. أما إسلام آباد، فقد وجدت في الرياض حليفًا يمكن أن يمنحها نفوذًا إقليميًا يتناسب مع قوتها العسكرية والنووية، ويعيد لها دورًا محوريًا طالما سعت لاستعادته منذ نهاية الحرب الباردة.

اقرأ أيضا للكاتب: مؤتمر أمن البحر الأحمر: شراكة أم استحواذ على حساب الدول الساحلية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى