كتابات فكرية

السلطة في اليمن من غنيمة الصراع إلى مسؤولية الشراكة الوطنية (مناقشة لمقال القاضي عبد العزيز البغدادي)

السلطة في اليمن من غنيمة الصراع إلى مسؤولية الشراكة الوطنية (مناقشة لمقال القاضي عبد العزيز البغدادي)

  • بقلم حسن الدولة

الأربعاء 10 سبتمبر 2025-

في مقاله الموسوم “الشراكة في السلطة: مسؤولية أم غنيمة؟”، المنشور في صحيفة الشورى الإلكترونية يوم الثلاثاء الموافق 9 سبتمبر 2025م، تناول القاضي عبدالعزيز البغدادي جذور الأزمة السياسية اليمنية، من خلال ستة محاور رئيسية سنقوم بتحليلها لاحقاً في هذه القراءة. وقد عالج القاضي البغدادي هذه الإشكالية بأسلوب العارف الخبير، حيث وضع إصبعه على موطن الداء، واقترح رؤىً تمثل – في جوهرها – وصفةً للعلاج السياسي الضروري.

وما يلفت في هذا المقال، أنه لم يكن مجرد طرح فكري أو تنظيري، بل عبّر عن قناعاتٍ وطنيةٍ صادقة، تتقاطع إلى حد كبير مع ما يؤمن به كاتب هذه السطور. ومن هذا المنطلق، أؤكد أن الدفاع عن أعظم منجز حققه اليمنيون في القرن العشرين – وهو منجز ثورة السادس والعشرين من سبتمبر – يظل واجباً وطنياً، رغم ما تعرضت له هذه الثورة من انتكاساتٍ وثوراتٍ مضادة، سواء على يد أنظمة خارجية، أو بفعل ممارسات فردية مشوهة، كإعدام علماء وضباط كبار في الأيام الأولى للثورة دون محاكمة، وعلى رأسهم المقدم قاسم الثور.

لقد تدرجت التدخلات الخارجية – وتحديداً من قبل النظام المصري ثم السعودي – في التأثير على القرار اليمني، حتى كادت تُفرغ الجمهورية من مضمونها، لولا مواقف نادرة وشجاعة كصمود القاضي عبدالرحمن الإرياني، الذي حافظ على استقلالية قراره الجمهوري. ثم جاء بعده الشهيد إبراهيم الحمدي، الذي قاد حركة تصحيحية داخل المؤسسة العسكرية، وبدأ بمحاولة استعادة القرار اليمني من الهيمنة الخارجية، فكان اغتياله نتيجة حتمية لذلك المشروع. وتكرر الأمر مع خلفه أحمد الغشمي، قبل أن تتدخل السعودية بشكل مباشر في إيصال علي عبدالله صالح إلى السلطة.

ومع بداية الحرب العراقية–الإيرانية، وبدعمٍ من صدام حسين، حظي صالح بهامش استقلال سياسي مكّنه من تحقيق منجز تاريخي تمثل في وحدة اليمن عام 1990، وما تبعها من انفتاح سياسي وتعددية حزبية، شكلت أول تجربة ديمقراطية حقيقية في تاريخ اليمن الحديث. لكن هذا المنجز لم يدم طويلاً، إذ ما لبثت قوى الرجعية الداخلية، بدعم خارجي، أن انقلبت على التعددية، وكان اجتياح الجنوب في حرب 1994م نقطة الانحدار الكبرى، حين تم تكفير الجنوبيين ووصمهم بالخيانة، وتعمّد فرض الوحدة بالقوة لا بالشراكة.

وتوالت بعد ذلك محطات التراجع السياسي، وصولاً إلى ثورة 11 فبراير 2011، التي جسدت ذروة الوعي الوطني، بمشاركة جميع فئات الشعب، قبل أن تتعرض هي الأخرى لثورتين مضادتين: الأولى قادها علي محسن الأحمر وتحالفه مع حزب الإصلاح، والثانية قادها رأس النظام السابق بتحالفه مع أنصار الله، ما أدى إلى تقويض العملية السياسية، واستبدال التعددية بخطاب مذهبي وسلالي، وهو ما تناول القاضي البغدادي بالنقد والتحليل العميق في مقاله المذكور.

ومن هنا، تأتي أهمية العودة إلى محاوره الستة، التي تشكّل في مجملها خريطة طريق للخروج من مأزق الانقسام والصراع، نحو بناء دولة عادلة تقوم على الشراكة لا الغنيمة، والتي نتناولها باختصار مع تعميق النقاش على النحو التالي:

المحور الأول: الاستبداد وغياب الدولة المدنية

 يقول فيه القاضي عبدالعزيز ما لحظه: “ما نزال نعيش في غيابة المفهوم الفردي الاستبدادي لولي الأمر الذي من حقه أن يأمر وينهي وعلى الشعب أن يسمع ويطيع!”

يرصد الكاتب هنا استمرار ظاهرة الحكم الفردي الاستبدادي في اليمن، حيث تُهمّش مبادئ الدولة المدنية التي تعتمد على الفصل بين السلطات، واحترام حقوق المواطن، والشفافية في إدارة الشأن العام. إن غياب مؤسسات الدولة القوية وغياب الثقافة السياسية التي تعترف بالشراكة والتعددية يؤدي إلى استبداد السلطة وتغولها، مما يحرم الشعب من المشاركة الحقيقية في صنع القرار. ولذا، فالتحدي يكمن في إعادة بناء الدولة المدنية من خلال إصلاح شامل للنظام السياسي والقانوني، يؤسس لحقوق المواطنة والمساءلة والعدالة الاجتماعية.

المحور الثاني: السلطة كغنيمة لا كمسؤولية

ويقول في هذا المحور ما لحظه: “السلطة ملك من يضع يده عليها بالقوة أو بأي وسيلة من وسائل الاحتيال!”

في هذا المحور، يسلط الكاتب الضوء على كيفية تحوّل السلطة من أداة لخدمة الشعب وتحقيق العدالة إلى سلعة يُتنافس عليها بقوة السلاح والمكر السياسي. هذا التغير الخطير يشير إلى انهيار الأخلاقيات السياسية وتحول القيادة إلى مطاردة لمصالح شخصية وجماعية ضيقة. السلطة هنا لم تعد مسؤولية وطنية تتطلب التضحيات والعمل الجاد، بل أصبحت غنيمة يستولي عليها من يملك القوة أو القدرة على التلاعب بالمؤسسات. وهذا الأمر يُفاقم الانقسامات ويضعف إمكانيات الدولة في التصدي لتحدياتها الكبرى.

المحور الثالث: إعاقة الثورة اليمنية

وفي هذا الصدد يقول: “المبادرة الخليجية حولت طموحات الحلم بتصحيح الثورة إلى ثورة مضادة كاملة الأركان.”

يشير البغدادي إلى أن المبادرة الخليجية، التي كانت تهدف نظرياً إلى إنهاء الأزمة، أعادت إنتاج الصراعات القديمة على شكل جديد، وحولت طموحات الشعب اليمني في الإصلاح والتغيير إلى انتكاسة كاملة. فقد استُخدمت كأداة لإجهاض الثورة وتثبيت قوى سياسية لا ترغب في التغيير الحقيقي، مما أدى إلى تعطيل العملية السياسية وإطالة أمد الصراع. هذه التجربة تعكس أهمية أن تكون أي مبادرة وطنية أو دولية متمحورة حول الشعب ومصالحه الحقيقية، وليس مجرد حلول سطحية تعيد إنتاج الأزمات.

المحور الرابع: التدخلات الخارجية والحروب بالوكالة

 نص المحور أن : “اليمن تحول إلى ساحة مفتوحة للحروب بالوكالة تخدم مطامع الدول الإقليمية والدولية.”

يلفت الكاتب الانتباه إلى الدور المدمر للتدخلات الخارجية التي تستغل حالة الضعف والانقسام الداخلي لتحقيق مصالح إقليمية ودولية على حساب سيادة اليمن واستقراره. هذه الحروب بالوكالة جعلت اليمن مسرحاً لصراعات تتجاوز مصالحه الوطنية، وأدت إلى تدمير البنية التحتية، وإزهاق الأرواح، وتعميق الانقسام المجتمعي. وهو ما يؤكد ضرورة استعادة القرار الوطني المستقل والعمل على إلغاء النفوذ الخارجي، بما يعزز وحدة البلاد وسلامتها.

المحور الخامس: سقوط الشرعية الوطنية والدولية

 حيث يقول فيه أن: “الشرعية سقطت عن جميع سلطات الأمر الواقع لأنها لم تعد تمثل سوى مصالحها الذاتية.”

هذا المحور يعبر عن حالة الانهيار الكامل للشرعية السياسية، حيث لم يعد أي طرف يملك قاعدة شعبية أو تمثيلاً حقيقياً، بل أصبح كل طرف يتصرف وفق مصالحه الضيقة، متجاهلاً الحاجة إلى انتخابات حرة ونزيهة وآليات شفافة لإدارة الحكم. سقوط الشرعية يؤدي إلى أزمة ثقة بين الشعب والسلطة، ويزيد من زعزعة الاستقرار السياسي، مما يحتم على القوى الوطنية العمل فوراً على استعادة الشرعية من خلال مصالحة وطنية شاملة وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية.

المحور السادس: الدعوة لتكتل وطني مسؤول

 ويقول فيه بأنه: “لابد من تكتل وطني لديه الإحساس بالمسؤولية تجاه اليمن… يفرق بين السلطة كمسؤولية وبينها كغنيمة.”

في هذا المحور الأخير، يطرح قاضينا الجليل بأن الحل الأمثل للخروج من المأزق السياسي، وهو تكوين جبهة وطنية تجمع كل القوى الفاعلة في البلد، تكون ملتزمة بمصلحة الوطن قبل المصالح الشخصية أو الحزبية. هذا التكتل ينبغي أن يكون متمسكاً بمبادئ الشراكة الحقيقية، والشفافية، والمسؤولية الوطنية، بعيداً عن أي تدخلات خارجية، ليعيد بناء الدولة ويؤسس لحكم رشيد يعزز الأمن والاستقرار والتنمية. هذه الدعوة تمثل نقطة انطلاق ضرورية لإعادة صياغة المشهد السياسي اليمني على أسس صحيحة.

اقرأ أيضا:الأستاذ عبد العزيز البغدادي يتساءل عبر “صوت الشورى” هل الشراكة في السلطة مسؤولية أم غنيمة؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى