كتابات فكرية

البحر الأحمر يغيّر المعادلة

البحر الأحمر يغيّر المعادلة

 “اليمن في قلب البحر والنار: حين تنتصر أمة بقيادة القرآن”

بقلم: د/عبدالرحمن المؤلف

الأربعاء30يوليو2025_

في تطور جديد يحمل دلالات إستراتيجية، كشفت القوات المسلحة اليمنية تفاصيل دقيقة عن عملية استهداف السفينة “ETERNITY C” التي أغرقت في التاسع من يونيو الماضي، بسبب مخالفتها قرار الحظر البحري اليمني على موانئ الكيان الصهيوني.

الحدث لم يكن مجرد عملية عسكرية منفصلة، بل حلقة ضمن معادلة إقليمية جديدة ترسمها صنعاء على وقع المجازر في غزة، وتحوّل فيها البحر الأحمر من ممر تجاري إلى ساحة اشتباك ردعي، يتقاطع فيها القانون الدولي مع موازين الردع الشعبي والعسكري.

من الإنذار إلى التنفيذ: تحذيرات لم تُسمع

وفق ما بثّه الإعلام الحربي اليمني، فإن السفينة “ETERNITY C”، والتي تدار من قبل شركة الشحن COSMO SHIPMANAGTMENT SA، تم تحذيرها مرارًا على القناة الدولية (16)، بضرورة التوقف الفوري لتفادي الاستهداف. لكن الكابتن تجاهل النداءات، ما دفع القوات البحرية اليمنية لاتخاذ إجراء ميداني مباشر أدى إلى غرق السفينة.

ليست هذه أول سفينة تخالف الحظر، وليست الأخيرة كما يبدو، إلا أن اللافت في هذه العملية كان الشق الإنساني غير المسبوق. فبعد تنفيذ المهمة، استمرت القوات اليمنية في عملية بحث وإنقاذ استمرت يومين، أفضت إلى إنقاذ 11 من طاقم السفينة، بينهم جريحان تلقيا الرعاية الطبية، وانتشال جثة واحدة نُقلت إلى المستشفى.

هذا التعامل يُكسب العملية بعدًا قانونيًا وإنسانيًا نادرًا في الصراعات البحرية، ويؤكد أن صنعاء لا تستهدف الإنسان، بل السياسة، والمواقف، والارتباطات مع كيان يواصل ارتكاب جرائم حرب في غزة.

رسائل الطاقم: شهادة ضد الاحتلال

ولعل الجانب الأكثر تأثيرًا في القصة، كان ما كشفه الإعلام الحربي من تسجيلات لطاقم السفينة الذين أقروا بأن وجهة السفينة كانت ميناء أم الرشراش المحتل، رغم محاولة التمويه عبر الادعاء بالتوجه إلى ميناء جدة. الطاقم لم يتوقف عند ذلك، بل وجهوا اعتذارات علنية للفلسطينيين، ودعوا الشركات البحرية إلى الكف عن التعامل مع إسرائيل، محذرين من ملاقاة المصير ذاته.

رسالة الطاقم لم تكن فقط إنسانية، بل اعتراف عملي بأن العدالة البحرية التي تفرضها صنعاء باتت تؤتي ثمارها، وتحدث رادعًا فعليًا للشركات الكبرى المتورطة في كسر الحظر.

قانون ردع شعبي بوجه الغطرسة الدولية

ما تقوم به القوات اليمنية اليوم، ليس فقط ردًا عسكريًا أو تضامنًا شعبيًا مع غزة، بل هو تنفيذ فعلي لـ”قانون ردع شعبي” بات يفرض نفسه في مياه البحر الأحمر، بعد أن فشلت المنظمات الدولية ومجالس حقوق الإنسان في ردع الاحتلال عن قتل المدنيين وتجويع الأطفال.

إن تكرار العمليات البحرية، بما فيها استهداف سفن تابعة لشركات ثبت تعاملها مع موانئ الاحتلال، يمثل تحديًا صريحًا لمعادلات الهيمنة، ورسالة واضحة أن المنطقة لم تعد قابلة للابتزاز أو الصمت.

فبحسب مصادر عسكرية يمنية، فإن سفنًا أخرى تابعة للشركة نفسها (COSMO) قد شحنت سابقًا من موانئ تركية ومصرية إلى موانئ حيفا المحتلة، منها سفينتا HSL NIKE و FAITH، ما يعكس شبكة واسعة من التطبيع التجاري الذي تسعى صنعاء إلى قطعه بوضوح.

آثار إستراتيجية متعددة الجوانب

اقتصاديًا، تمثل هذه العمليات ضغطًا بالغًا على الشركات المالكة والمشغلة، وعلى شركات التأمين العالمية، التي بدأت تعيد النظر في تغطيتها للسفن المتجهة نحو الكيان الإسرائيلي.

عسكريًا، تمثل هذه الضربات نموذجًا جديدًا من “الحروب غير المتكافئة” التي تلجأ فيها الدول غير المرتبطة بمحاور دولية إلى أدوات سيادية، تُربك حسابات الخصوم.

سياسيًا، تُحرج هذه العمليات الحكومات العربية والإسلامية الصامتة، وتطرح سؤالًا أخلاقيًا صارخًا: لماذا اليمن فقط من يتحرك بينما غزة تُباد؟

البحر الأحمر ليس للمحتلين

ما تؤكده هذه العملية، وغيرها، أن البحر الأحمر لم يعد ممراً آمناً للاحتلال، وأن القوات المسلحة اليمنية لا تستهدف التجارة العالمية، بل تقف أمام كل من يخرق الحظر المفروض تضامنًا مع شعب يُذبح ببطء.

رسالة صنعاء الآن واضحة: لا سفن إلى موانئ الاحتلال، لا تجارة مع قتلة الأطفال، ولا سلام مع من يسرق الخبز من أفواه المجوعين.

اقرأ أيضا:حتى لا يصبح التطبيع ثقافة

الصورة ارشيفية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى