المنطقة على حافة الجولة الثانية: بين صمت GPSوضجيج الصواريخ

المنطقة على حافة الجولة الثانية: بين صمت GPS وضجيج الصواريخ
- د. عبد الرحمن المؤلف
الاثنين14يوليو2025_
في زمن تُقاس فيه الحروب ليس فقط بأزيز الطائرات، بل أيضًا بصمت الأقمار الصناعية، تتجه الأنظار مجددًا إلى أجواء الشرق الأوسط، حيث تختفي إشارات الـGPS، وتُلغى الرحلات، وتُحذّر التقارير من ردّ قريب… الجولة الثانية من الحرب لم تبدأ رسميًا، لكنها تُدار في الخلفية بصمت مشفّر.
أولى الإشارات: صمت الأقمار الصناعية
خلال الأيام الأخيرة، شهدت مناطق واسعة من الشرق الأوسط اضطرابًا غير مسبوقًا في نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، شمل أجواء طهران، بندر عباس، مضيق هرمز، والعراق، وحتى الأراضي المحتلة وعمق الخليج العربي.
المفارقة أن اختفاء الـGPS لم يكن ناتجًا عن خلل تقني، بل بدا وكأنه جزء من خطة حرب سيبرانية معقدة، تهدف إلى تعطيل القدرات التكنولوجية للطيران المدني والعسكري في المنطقة.
صحيفة تايمز أوف إسرائيل كانت أول من أشار إلى “تشويش مُمنهج” قد يكون جزءًا من الإعداد الإسرائيلي لأي رد محتمل على الهجوم الإيراني السابق، أو على الأقل لضمان تفوق جوي في حال وقوع مواجهة جديدة.
طهران تنفي… لكنها تستعد
في الوقت الذي نفت فيه السلطات الإيرانية إغلاق المجال الجوي بالكامل، أوضحت أن الرحلات تُنظم فقط بين الساعة الخامسة صباحًا والسابعة مساءً، في إجراء احترازي تنظيمي.
لكن مراقبين يرون في هذا مؤشرًا على ارتفاع مستوى التأهب الأمني، خاصة غرب البلاد، حيث يُتوقع أن تكون تلك المناطق الأكثر عرضة لأي ضربات إسرائيلية استباقية أو ردود إيرانية.
محاولة اغتيال الرئيس الإيراني: قراءة في التوقيت
جاء الإعلان عن محاولة اغتيال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ليفتح باب التساؤلات على مصراعيه. فالتسريب لم يأتِ من قنوات غير رسمية، بل من مصدر رفيع تحدث لقناة الجزيرة، مؤكدًا أن العملية جزء من “خطة إسرائيلية لإسقاط النظام من الداخل”.
ليس التوقيت عبثيًا. فإعلان الخبر تزامن مع تصعيد متبادل في الخطاب السياسي، وتحركات عسكرية ميدانية في سوريا ولبنان، وتلميحات أمريكية عن “أيام صعبة” قد تعيشها المنطقة في حال عدم ضبط الأمور.
الأردن… مفتاح المرحلة المقبلة
حتى الآن، لا يزال المجال الجوي الأردني مفتوحًا، وهو ما يعتبره بعض المحللين “الفيصل الحقيقي” في تحديد ما إذا كانت الحرب ستندلع مجددًا على نطاق واسع.
إذ أن الأردن، بموقعه الجيوسياسي المحوري، غالبًا ما يكون أول من يُغلق أجواءه قبيل أي مواجهة كبرى تشمل “إسرائيل” وإيران، كما حدث في التصعيدات السابقة.
لماذا هذه الجولة مختلفة؟
1. الحرب السابقة غيّرت المعادلة: فإيران أثبتت أنها قادرة على ضرب أهداف عسكرية إستراتيجية داخل “إسرائيل” بقدرات صاروخية متقدمة، دون أن تتورط في حرب شاملة.
2. انكشاف إسرائيلي داخلي: الانقسامات في حكومة الاحتلال، والضغط الشعبي لإعادة الأسرى من غزة ولبنان، أضعف موقف نتنياهو داخليًا، وربما يدفعه نحو مغامرة عسكرية لتوحيد الجبهة.
3. ترامب يعود إلى المشهد: لقاء وزير الدفاع السعودي مع ترامب مؤخرًا، وتزامن زيارة عراقجي إلى الرياض، تعني أن هناك محاولة أمريكية – خليجية لاحتواء الموقف، أو توجيهه بحسب المصالح، في ظل تغير الإدارة الأمريكية وعودة الجمهوريين إلى الواجهة.
السيناريوهات المتوقعة: هل تُقرع طبول الحرب؟
السيناريو الأول: حرب استنزاف منخفضة الحدة
استمرار التشويش، واغتيالات نوعية، وهجمات سيبرانية متبادلة.
هذا السيناريو يخدم الطرفين: يحفظ ماء وجه إسرائيل، ويُبقي إيران في موقف المدافع دون توريطها في حرب مفتوحة.
السيناريو الثاني: ضربة إسرائيلية خاطفة
قد تستهدف منشآت نووية أو عسكرية غرب إيران.
احتمال ضعيف، لكنه يظل قائمًا إذا شعر نتنياهو أن الوقت ينفد سياسيًا.
السيناريو الثالث: مبادرة إقليمية لاحتواء التصعيد
يتضمن وساطة سعودية – عمانية، مع ضغط روسي – صيني لتهدئة الأجواء، خاصة مع اقتراب اجتماعات بريكس وشنغهاي.
في الختام: المنطقة بين الشفرة والصاروخ
تشويش الـGPS، إغلاق الأجواء، وإعلان محاولة اغتيال… ليست مجرد أخبار متناثرة، بل قطع شطرنج تتحرك على رقعة إقليمية مشتعلة.
ما سيحدث في الأيام المقبلة يعتمد على حسابات دقيقة بين الردع والهيبة، وبين المصالح الكبرى وتكلفة الحرب.
المنطقة لا تزال في حالة ترقب، وكأنها تتنفس على وقع خطوات خفية قد تُشعل الجولة الثانية… أو تؤجلها إلى حين.
المراجع:
“Times of Israel” – GPS Disruptions over Iran and Israel, July 2025.
قناة الجزيرة – تصريحات خاصة لمسؤول إيراني حول محاولة اغتيال الرئيس بزشكيان، 12 يوليو 2025.
وكالة فارس للأنباء – توضيحات بشأن المجال الجوي الإيراني، 11 يوليو 2025.
تقرير “Al-Monitor” عن احتمالات التصعيد بين إيران وإسرائيل، يوليو 2025.
تغطية الجزيرة مباشر – ملف التطورات الأمنية في الشرق الأوسط، يوليو 2025.
اقرأ أيضا:فشل الأقمار الصناعية وانتصار العيون المحلية
