الأستاذ عبدالعزيز البغدادي يكتب لـ صوت الشورى يوميات البحث عن الحرية .. محاولة لفكفكة معيار النصر والهزيمة!
الأستاذ عبدالعزيز البغدادي يكتب لـ صوت الشورى يوميات البحث عن الحرية .. محاولة لفكفكة معيار النصر والهزيمة!
الاثنين 16ديسمبر2024_
يوميات البحث عن الحرية .. محاولة لفكفكة معيار النصر والهزيمة!
- عبد العزيز البغدادي
من المعلوم بداهة أنه ليس من حق أي فرد أو حزب أو جماعة أو مذهب أو حتى دين في أي بلد متعدد الأحزاب والمذاهب والانتماءات والأديان المختلفة، والتعدد بل والاختلاف من سنن الحياة في جميع البلدان مهما ضنناها موحدة فالأسرة الواحدة تتعدد أراء أفرادها والإخوة داخل الأسرة يختلفون شكلاً ومضموناً.
من هذا المنطلق لا أرى أن من حق أحد في أي دولة أياً كان موقعه في السلطة أن ينفرد باتخاذ القرارات الإستراتيجية الهامة وتقرير مصير البلد الذي هو جزء من نسيجه الاجتماعي والسياسي والديني سواء في الحق في إدارته في حالة السلم أم في اتخاذ قرار إدخاله في حرب أو تحديد أسلوب الدفاع عنه من أي اعتداء خارجي.
القرارات المتعلقة بالحرب والسلم من المسائل الإستراتيجية والسيادية وتشترط فيها الدساتير والقوانين في البلدان الحديثة التي غادرت دهاليز الحكم الفردي المستبد لاتخاذها شروط مشددة ودرجة عالية من التوافق السياسي والمجتمعي بين مختلف القوى السياسية والمجتمعية التي تمثل المجتمع تمثيلاً ديمقراطياً صحيحاً كما تقرر ذلك المبادئ الدستورية والقانونية لأن آثارها تنعكس على الجميع.
والاستبداد بالرأي سر ضعف البلدان المحكومة به!.
فإذا انفرد باتخاذ القرار حاكم مستبد فرداً كان أو جماعة أو حزب شمولي حاكم سواء كانت سلطته قائمة على شرعية دستورية أو ثورية مدَّعاة (سلطة أمر واقع) فإن عليه تحمل كامل المسؤولية عن تبعات قراره وآثاره على الدولة والمجتمع!.
ودساتير الدول وقوانينها تختلف حول تحميل متخذ القرار المسؤولية في هذه المسائل الإستراتيجية فبعضها يعفيه عن المساءلة في حالة النصر ويخضعه للمساءلة في حال الهزيمة إذا تجاوز صلاحياته القانونية.
أما البعض الآخر من الدساتير والقوانين فتذهب إلى أن متخذ القرار لابد أن يخضع للمساءلة حتى ولو أدى قراره إلى النصر لأن تفرده باتخاذ القرار في مسألة كهذه قد عرض البلد لمخاطر المعاناة واحتمال الهزيمة قائم، ولأن آثار هذه القرارات خطيرة على الدولة والمجتمع !.
والنصر والهزيمة لا يتقررا من خلال الجدل العقيم بين من يؤيد الحرب أو المقاومة وبين من يرفضها وإنما من خلال ما يتحقق على أرض الواقع وعلى سبيل المثال:
فإن حركة حماس قد أعلنت مسؤوليتها الكاملة عن عملية (طوفان الأقصى)التي انطلقت في 7/ أكتوبر /20233 تخطيطاً وتنفيذاً وأنها لم تُعلم أحد بموعدها وموضوعها وأن هدفها حسب عنوانها هو تحرير بيت المقدس من الاحتلال أو فلنقل خطوة في طريق تحقيق هذا الهدف ، وإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة.
فإذا كانت نتيجة العملية السير خطوة ولو ضئيلة باتجاه تحقيق هذه الأهداف فإننا نكون أمام نصر مؤكد، ولأن الدولة الفلسطينية ما تزال في إطار المشروع ولا علم لي بقواعد أو مبادئ دستورية تحكم وتنظم تحركات القوى والفصائل الفلسطينية وتضبط إيقاع تصرفاتها بشأن خيارات وسبل المقاومة الموحدة أو النضال أو تحقيق الدرجة المطلوبة من التنسيق بين هذه المكونات والفصائل التي تضمن السير باتجاه التحرير.
أما إذا كانت نتيجة العملية إعطاء العدو المبرر ولو أن تأريخ إجرامه يبين أنه ليس بحاجة لمبرر كي يرتكب ما يشاء من الجرائم دون أي مبالاة بأحد وتمكينه من تدمير غزة بل وإبادة أهلها وتشريد من بقي منهم على قيد الحياة، فأعتقد أن من العبث والغفول تسمية ما تم نصراً ، وأياً كان حجم الضحايا من حماس فهم أصحاب القرار!.
هناك من يرى أن ممارسات الاحتلال على مدى معاناة الفلسطينيين أي منذ 1948 قد بددت جميع الخيارات المتاحة، والحقيقة أن أهم خيار لدى الشعب الفلسطيني وكل الشعوب التي يختطف فيها حق إصدار القرار في الحروب والأزمات هو البحث الديمقراطي الجاد عن الأسلوب والطريقة المثلى للشراكة الوطنية في اتخاذ القرار وألا تسمح لأي مكون سياسي أو حزب أو حركة أو فرد بالانفراد بتقرير مصير الوطن بقرارات فردية مهما كانت المبررات!.
وللمصرين على عدم التفريق بين المقاومة والحرب المحسوبة علمياً وليس تكهناً ولا تبخيتاً وبين الانتحار أقول: إذا أدى صمود أبناء غزة إلى إنقاذ غزة ولو بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل 7أكتوبر 2023 فهذا نصر سيحسب للمستميتين في البقاء تحت أنقاض منازلهم المدمرة وليس لحماس أو لغيرها من متخذي القرار أو العملية وداعميه.
المعركة التي خاضها الكيان من الناحية المادية إنما هي من طرف الكيان وإن كانت بداية طلقتها الأولى من حماس وهدف الاحتلال المعلن هو إنهاء حركة حماس ، في حين الهدف الحقيقي هو محو غزة من الوجود ، فإذا لم يتحقق هذا الهدف الإرهابي الأهوج المدعوم أمريكياً وبريطانياً وبتواطئ أطراف أخرى من المحسوبين من العرب والأصدقاء الذين سيكشف التأريخ حجم تواطئهم إذا لم تتحقق أهداف الكيان وتحقق صمود المقاومين تحت الأنقاض فذلك نصرٌ عظيم سيحسب لهم وحدهم !.
وأداة الشرط تأتي هنا من باب إبقاء بصيص من الأمل بغض النظر عن مستوى التدمير وجرائم الإبادة الوحشية التي يتوجب إنسانياً فتح تحقيق دولي محايد يكشف حجمها بحق غزة والشعب الفلسطيني!.
وعلينا أن لا نغض الطرف عن السبب الرئيس لمعاناتنا المتكررة وهو عدم المبالاة بوقت وكيفية اتخاذ القرار ودراسة كل أبعاده وتبعاته وأهمية تنسيق جهود وإمكانات جميع القوى والفصائل في البلد الذي يتخذ فيه!.
اشحذوا بصائركم
كي تروا أن حجم الخديعة
أكبر مما تضنون.
أقرأ أيضا للكاتب:الأستاذ عبد العزيز البغدادي يكتب لـ “صوت الشورى” عن يوميات البحث عن الحرية