كتابات فكرية

يوميات البحث عن الحرية .. هل نعرف الفرق بين النصر والهزيمة ؟!

يوميات البحث عن الحرية .. هل نعرف الفرق بين النصر والهزيمة ؟!

  • عبد العزيز البغدادي

من يتأمل حال كثير من البلدان التي غادرها المستعمر مكرهاً أو مختاراً لا يرى علامات الانتقال إلى الأفضل، بل العكس مع شديد الأسف!.

لذا فالاحتفال بمناسبة رحيل الاحتلال أو أي مناسبة وطنية أو ثورية لم يتم البدء الجاد في تحقيق أهدافها غير مناسب خاصة لمن تبدلت أحواله إلى الأسوأ.

هذه ليست دعوة لتمجيد الماضي الاستعماري أو الملكي الاستبدادي، لكنها صرخة مدوية في وجه من يقبل بأي صورة من صورهما، ودعوة إلى ضرورة دراسة أسباب ظاهرة الانتقال المستمر من سيئٍ إلى أسوأ في معظم البلدان التي تدعي أنها تحررت من الاستعمار والاستبداد وانتقلت إلى أنظمة حرة مستقلة وجمهورية ديمقراطية في حين أن واقعها أكثر ديكتاتورية واستبداد من الأنظمة التي تحتفي بالتحرر منها!.

لا ينبغي أن يأخذنا المظهر بعيداً عن الجوهر، فالجمهورية جوهر الثورة، والديمقراطية جوهر الجمهورية، والعدالة والمواطنة المتساوية لب وجوهر الديمقراطية!.

هذا المنطق والمنهج مفتاح التمسك بالمبادئ والطريق الموصل إلى نتائج يمكن من خلالها قياس مستوى تقدم وعي الشعوب الحرة أو تخلفها وأسبابها!.

مثلاً الواقع المحزن في اليمن هو ما يدفع الناس إلى الشعور بالإحباط من الاحتفالات الرسمية سنوياً بيوم جلاء المستعمر البريطاني ويوم عيد ثورة 26من سبتمبر، 14 أكتوبر أو 13يونيو وكل المناسبات ذات البعد الوطني، أما الشعب فمن حقه التعبير عن مشاعره بكل الطرق لأن المحتفلين الرسميين غالباً ما يكونوا من المعادين لمبادئ هذه المناسبات التي يحتفل بها أبناء الشعب اليمني لأنهم يروافي تحقيق أهدافها تحقق ما يصبون إليه من حرية وتقدم وعدل وسلام!.

ومثال أبعد فإن هذا الواقع المحزن دفع البعض اليوم في ظل الظروف التي تمر بها فلسطين ولبنان واليمن والعراق وسوريا والسودان وليبيا وربما جميع الأقطار العربية الواقعة فيما يشبه الحصار السياسي الخانق والشامل ، دفعهم إلى طرح سؤال قد يبدوا ساذجاً وغريباً ولكنه مطروح بقوة في ظل وعي متدني ، والسؤال هو : بعد أن برزت بعض نتائج العدوان الصهيوني على غزة وجنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية ، واستهداف معظم قيادات حزب الله وقوته المادية الأساسية ، بعد هذه النتائج والقبول بالحلول التي كان يرى البعض أن القبول بها مستحيل – بعد هذا فالسؤال المطروح هو: من انتصر ومن هُزم خلال هذا الدمار الشامل المستمر منذ 7أكتوبر2023 ؟!

السؤال ناتج عن سوداوية اللحظة التي يفترض أن نشعر بمرارتها ولَّدتها تراكمات الهروب من مواجهات الحقائق التاريخية القريبة والبعيدة التي توارثت الهزائم نتيجة تسيد منهج الهروب من الشعور بمرارة الهزيمة ومن يفعل ذلك لن يذق حلاوة النصر.

إن هذا الوعي الزائف المتسيد المستبد يحتل العقل العربي والإسلامي أقلها منذ المواجهة الأولى بين مؤسسي دولة الكيان الصهيوني وبين الكيانات العربية الهشة التي يتحدث البعض عن مقاومتها لهذا الكيان المستمر في التمدد منذ انطلاقته عقب الإعلان عما يسمى وعد بلفور عام 1948م والمتضمن تأسيس دولة (إسرائيل) على أرض فلسطين ، وفق خطوات يجري تنفيذها بسلاسة والمضي في تأسيسها ولا يبدوا واضحاً حتى اللحظة ما هي حدودها أو إلى أين ستنتهي في ظل هذا النشاط المحموم للصهاينة المدعوم من أمريكا وبريطانيا والمعسكر الغربي ومنها دول ورثت الاستعمار العثماني في احتلال العديد من الأقطار العربية بعضها بصورة مباشرة وبعضها الآخر محتلة مذ وجدت يحكمها وكلاء للاستعمار البريطاني أو الفرنسي أو الأمريكي أو حتى الصهيوني أبرز هذه الدول وأكثرها ولاءً للمشروع الصهيوني كما تبين الأحداث بعض دول الخليج !.

والسؤال لا يبدوا غريباً في ظل غيبوبة الوعي العربي الذي اعتاد على تسمية الأسماء بعكس مسمياتها أو وصفها بأوصاف منبوذة عديدة يستخدمها المتسلطون باستمرار ضد الثوار الحقيقيين أو الحالمين بالثورة والجمهورية الحقيقية،  فالنصر وفق هذه الأوصاف هزيمة والهزيمة نصر والنظام الرجعي تقدمي والتقدمي أو الحالم بالتقدم رجعي أو خياني أو ماسوني صهيوني إلخ.

هذا هو المنهج الذي تواجه به الخلايا الحية في جسد الشعوب الميتة كي لا تقوم لها قائمة ومع ذلك لا مفر من قيامها مهما طال الزمن!.

وفي محاولة الإجابة على هذا السؤال أقول:

إذا لم نقرأ تاريخ المواجهة مع الكيان الصهيوني بواقعية ووعي قراءة نواجه بها أنفسنا بالهزائم التي تجرعناها ونتجرعها على يد هذا الكيان منذ 1948 وحتى اللحظة رغم مرارتها وباعتماد البحث العلمي وليس الخرافي حول أسباب الهزائم المتلاحقة فلا يمكن أن ننتصر، ببساطة لأننا نواجه عدواً يعتمد في عدوانه على العلم في حين نعتمد في دفاعنا على المهدي المنتظر والخرافة والخلط بين علم الغيب وعلم الشهادة ، وهذا المنهج ثبت أنه ضد العلم والإيمان معاً!.

ولابد من التفريق بين الاعتراف بالهزيمة بما يعنيه من ضرورة معرفة أسبابها ومعرفة قدرات العدو وأساليبه ومصدر قوته وأن هذا الاعتراف الواعي يختلف عن الاستسلام للإحباط بما يعنيه من فقدان القدرة على التفكير العلمي السليم.

هناك دول حية أدركت هذه الحقيقة حين وجدت عدم التكافؤ بين قوتها المادية وربما المعنوية وقوة عدوها فتعاملت مع الاعتراف بالهزيمة بذكاء وحكمة وقوة من ينحني للعاصفة كي تمر بسلام بدلاً من الوقوف في وجهها بغباء، ولهذا عادت إلى الحياة بصورة أقوى وأكثر وعياً، ومنها اليابان، وألمانيا، وفيتنام والصين وغيرها كثير من الدول التي آمنت شعوبها بأن الحياة محكومة بنواميس وقوانين الشد والجذب والحركة والثبات!.  

بعض أنفاسنا تدل على أننا

في سبات عميق

أو أننا قد سكنا المقابر

بعلم البغاة السلاطين

وعلم الولاة.

اقرأ أيضا للكاتب:الأستاذ البغدادي يكتب عن بعض إضاءات الأستاذ القاسم بن علي الوزير وفكرته عن معنى الحرية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى