ثقافة وسياحةكتابات فكرية

صراع النملة مع الإنسان !!!!!

صراع النملة مع الإنسان !!!!!

العملية التعليمية إما تصنع جيلا يخترع او يبترع وعلينا أن نختار.

  • د_أيوب الحمادي

في محاضرة لي كانت قبل عام في اليمن تحدثت عن التفوق الغربي في المجسات والحواس والذكاء الاصطناعي والإنفاق الفلكي، وأين التوجهات بشكل سريع. ومجمل حديثي كان أن هناك أدوات مختلفة يجب نهجها بالإمكانيات المتاحة ولو في حدود الدنيا، لنجعل النظام التعليمي في بلدنا قابل للاستمرار ولتقبل التطوير، واقلها تشجيع المواهب، وإيجاد الحوافز، وتطوير البنية التحتية،  وتنظيم بيئة العمل، ودعم الأبحاث بما هو متوفر، والعمل في إطار الاستراتيجيات الكبيرة أما للجامعة، ومنها الوزارة والحكومة، ومن ثم التبني التجاري والمجتمعي. وقلت كون البلد في آخر سلم التنمية، يظل أي جهد خارج بوابة التعليم للاستقرار فشل، وهنا لن يظل أمامنا إلا أن نصعد على أكتاف العمالقة لنعرف الطريق، وبدل أن نظل بين الأقدام نتخبط ونكسر رؤوس بعضنا بصراعات دون معنى ولا صراعنا ينتج ثروة. ولو رجعت اليوم أتحدث في أي جامعة يمنية سوف أعيد نفس الحديث، لأسباب عديدة، اقلها أنني أجد المجتمع اليمني سوف يكن من المجتمعات الخاسرة، ولا توجد فرص أخرى لنجد مجتمعنا بين الأمم غير التعليم ثم التعليم.

ففي غضون 10 سنوات قادمة، أي نفس عمر الصراع اليمني، سوف يصبح الذكاء الاصطناعي الفائق حقيقة واقعة، والذي سوف يكون بعد ذلك أكثر ذكاء من  البشرية جمعاء. الحديث هنا من وجهة نظري 100 مرة  أكثر ذكاء اقلها لان العملية ليست خطية للتقديرات وإنما آسية. ولكم تصور ذلك، أن من سوف يمتلك ذلك الذكاء أو أدواته سوف يسيطر ليس على الأسواق، وإنما حياة البشر، ونبض الدول وعلى الكوكب بشكل عام. فلا يغرنكم وقتها لاجيوش، ولا زوامل، ولاشيء لان الحروب المستقبلية سوف تكن محسومة من قبل حتى أن تبدأ أصلا، حروب الآلات والتفوق التقني لاسيما والإنفاق العسكري في الربوتات والأسلحة الذكية، في البيانات وتحليل سلوكيات البشر من بوابة الذكاء الاصطناعي أرقام فلكية اليوم.

ولتبسيط ذلك لأني على ثقة انه نستسهل الأمر، أن الذكاء بوجهة نظري لا يمكن قياسه بمؤشر، وإنما لنستخدم ما هو متعارف لفهم الأمور بين السطور، وننظر كيف لإنسان مثلنا في مجتمعنا ذكائه لا يتجاوز 150 IQ سوف يحارب منظومة تقنية فائقة تمتلك 10 ألف IQ او 100 ألف IQ مثلا وكأنه مخ واحد، بمعنى سوف يكون الصراع وقتها يشبه صراع النملة وهو نحن المجتمعات الهشة مع الإنسان، فإذا لم تدخل النملة إلى المنزل أو قرب مائدة الطعام للمجتمعات الرأسمالية  فلن نسحقها وسوف نتعامل معها أنها دون معنى، وأنما سوف نتركها بما أنها بعيدة، ومهما صورنا حالنا وقتها فلن يزيد حجمنا أمام الرأسمالية المتفوقة دون تعليم عن النملة،  ولن نكن شركاء وإنما أتباع،  وحتى الثروة التي تحت أرجلنا لن نتملكها ولن تكن أصلا أمام ثروة المعلومات ذات معنى.

 أذن صراعنا مع الغرب في بوابة التقنية يشبه صراع النملة والإنسان، مما يجعلنا نخسر كل معاركنا المستقبلية أولا، وثانيا سوف ننزف العقول اليمنية إن وجدت، لأنه لا يمكن أن تقبل الاستمرار في مجتمع لا يريد أن يكن مع الركب الحضاري. فكمية الإنفاق في الذكاء الاصطناعي والربوتات للتفوق العسكري أرقام فلكية ومرعبة لديهم. اليوم عندما انظر مثلا أن نظام ذكاء اصطناعي واحد كلف تدريبه 100 مليون دولار وبوجود 25 ألف GPU  فان ذلك يجعلني أتصور أين سوف ننتهي، حيث وجامعتنا اليمنية لا تمتلك حاسوب بشكل حديث، أو شبكة ترابط معرفي، أو انترنيت متاح ذو معنى  للطلاب والباحثين. أنا لم أتحدث عن كادر تعليمي مرهق ماليا ونفسيا، ولم أتحدث عن بيئة مدمرة من الأساس. كل ذلك يجعلنا نشعر بالقلق لاسيما إذا نظرنا لمستقبل الرأسمالية العنيفة في استغلال الشعوب لمصالحها، حيث لن يبقى بيدنا شيء غير نطوبر على سلات الغذاء. فالصراع الخفي الآن بين الغرب، والشرق، والروس، يتمحور حول منظومة الذكاء الاصطناعي والمجسات والحواس والرقائق الالكترونية، مادون ذلك في التقنية أمور نسبية ونحن لم نجد بعد المنهج.

ولو نظرنا لحالنا ليس كمجتمع يمني وإنما عربي فسوف نجد أننا في عالم -مهالنيش- فلا جامعات حديثة ولا مناهج ولا قدرات ولا رؤية ولا إمكانيات ولا بيئة استقطاب وإنفاق للذكاء الاصطناعي باستثناء بعض دول الخليج، وفوق ذلك من يريد يتعلم من أبنائنا وبناتنا في اليمن والدول العربية نريده يدفع وبالدولار، ونريد نتاجر حتى معه في العملية التعليمية، مما يصيبنا بمقتل. وهنا طبيعي أن يرحل الجميع بعدها إلى الغرب أو الشرق، بعد أن يجد أن أهله كانوا يدفعون قيمة تعليمه، ولم يجد الدولة، التي تشجعه ليبني وطن ومشروع يكبر. ونستغرب وقتها لما نرحل وننزف ونحن لم نترك فرصة حتى للاحتمالات نبني مجتمع معرفي ووطن للجميع.

فالغرب وكوريا والصين ليسوا أذكى منا، لكنهم بنوا في مجتمعاتهم في بوابة الإنسان، لذا نجد التقنية هي من تسحب المجتمع وتصنع تنمية وإنتاج واستقرار. نجد العملية التعليمية تنتج فرص عمل وتوجد شركات انطلاق. شركات الانطلاق هي الخلايا المنتجة لأي مجتمع وهي من تغير البشر، وأعطيكم هنا مثال: شركة تقنية مولودة من رحم العملية التعليمية الحقيقية تأسست في عام 1993 من العدم. شركة تأسست في سنوات الاغتراب لنا ونحن لازلنا نبحث عن وطن. حجمها في السوق العالمية اكبر من امة العرب  وكلمنا ارتفع صراخنا من الهزائم، قالوا الخلل أننا امة بعيدة عن الإسلام. امة إقراء بنفطهم وغازهم اقل من شركة تقنية واحدة، فما هي المعركة، التي تريد تحسمها هنا، وأنت مجرد نملة، وكيف يمكن لك أن تنتصر إلا ببيع الوهم.  شركة واحدة لديهم من رحم العملية التعليمية اهتمت في تطوير الحوسبة المرئية والرقائق الخاصة بالحوسبة الفائقة للذكاء الاصطناعي ولن أتحدث عن الشركات المتعددة. هذه الشركة حجمها المالي اكبر من الدخل القومي للوطن العربي. نحن نتحدث هنا عن شركة واحدة قيمتها 3500 مليار دولار، أي اكبر من الدخل القومي لليمن ل 145 عام إذا استمر حالنا بالصراع والفوضى. فهل يعقل أن كل الوطن العربي من المحيط إلى الخليج إنتاجه القومي اقل من القيمة السوقية لشركة إنفيديا ونريد نكسب معتركاتنا القادمة، هل يعقل انه إلى اليوم لم نفهم من الخاسر الآن في هذه الطفرات التقنية، يعني لن يكن هناك فرص أخرى غير نظل للأبد نعيش حياة النمل بين البشر.

ومختصر الأمر نحن لا نعيش اليوم ثورة صناعية فقط وإنما نعيش ثورة ذرات السليزيوم أنها سوف تتملك وعي وإدراك، وإقدام لتتحرك، مما يعني سوف تتغير حياة البشر للأبد لان في هذه الثورة عكس كل الثورات الصناعية السابقة لم يعد الإنسان هو المحور وإنما هو الأضعف.

ولذا فان العملية التعليمية إما تصنع جيلا يخترع او يبترع وعلينا أن نختار.

اقرأ أيضا:رغم الدماء والموت والدمار.. أطفال غزة يصرون على التعليم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى