كتابات فكرية

في وداع الشخصية الاستثنائية المفكر والأديب الكبير القاسم بن على الوزير

في وداع الشخصية الاستثنائية المفكر والأديب الكبير القاسم بن على الوزير

في وداع الشخصية الاستثنائية  المفكر والأديب الكبير القاسم بن على الوزير

في وداع الشخصية الاستثنائية المفكر والأديب الكبير القاسم بن على الوزير

د/ طارق محمد الاكوع

الكتابة أو الحديث عن أحد المفكرين والعلماء بالتأكيد ليس أمراً سهلاً، فما بالنا عندما نتحدث أو نكتب عن شخصية استثنائية بحجم المفكر والشاعر  القاسم بن على الوزير،هذه الشخصية الاستثنائية التي لا يشبهها أحد، والتي تعتبر حالة مميّزة بحدّ ذاتها،شخصية وهبت كل حياتها للنضال والجهاد في سبيل الحق ، والحرية والاستقلال ، والعلم والعطاء والقبول بالآخر ،نعم هي شخصية استثنائية بكل مقاييس الحسابات والجغرافيا والتاريخ والعلم والإبداع .

شخصية لم تتحدث عن نفسها وإنما تركت الكثير يتحدثون عنها ، شخصية صاحبة سيرة عطرة وحياة حافلة بالبذل  والعطاء ، ومواصلة الرحم وعمل الخير، وحب الناس، بكل الناس حتى مع من يختلف معهم،

 هذه الشخصية  التي نحن في صدد الحديث عنها خلال هذه الأسطر المتواضعة ، هي شخصية المفكر السياسي الكبير الشاعر والأديب ، القاسم بن علي الوزير ، الذي رحل عنا وترك لنا ذكراه الطيبة ، وروحه النقية ، وعبق أريج يفوح في كل من تعرف عليه ، وميراثاً كبيرا من القيم والمثل النبيلة، إضافةً إلى كونه عالماً ومفكرا وشاعرا قلّ نظيره؛

تميزا الراحل العظيم بسعة اطلاعه و قدرته الفائقة على تسلسل الأفكار وربطها بالأحداث .

ينفرد  المفكر القاسم بن علي الوزير بباقةٍ من الخصال والثّوابت، التي قلّما تلتقي أو تنصهر أو تذوب في شخصٍ واحد، فهو مفكر وشاعر ،ومحاور وكاتب وسياسي في أن واحد

المفكر والأديب والشاعر قاسم بن على الوزير  يمتلك مواصفات العالم والمفكر  الواثق المتواضع، الذي يغرف من تاريخه وتراثه وحضارته،  ويختزن أحلام شعبه وأمّته وآمالهما الواعدة، التوّاقة إلى مستقبل العدل والسّلام .

 تميَّز أستاذنا الجليل بشخصيّةٍ قويةٍ واعية، استمدّها من ثقافة الأسرة الكريمة المجاهدة، التي نشأ فيها فهو ابن الأمير الشهيد علي بن عبدالله الوزير وحفيد الإمام الأعظم محمد بن عبدالله الوزير ، ووالدته هي السيدة الفاضلة فاطمة أبو راس أبنه زعيم قبيلة بكيل وكبيرها .

عاش أستاذنا الجليل ،حياة صعبه بعد ثورة الدستور في عام 48 فلم يستسلم لقساوة الظروف وغياهب السجون ،بل مثل ذلك له حافزا ومنطلقا ليكون واحدا من كبار الشعراء والمفكرين ، ليس على مستوى اليمن ، بل على المستوى العربي والعالمي بشكل عام. 

وها نحن اليوم نفتقده أيّما فقد، في ظلِّ المتغيّرات المتسارعة الّتي يشهدها العالم أجمع، وفي ظلِّ ما نواجهه في بلدنا العزيز اليمن الّذي يعيش مرحلةً من أسوأ المراحل، وأصعب الظّروف، وأشدّ الأوقات محنةً،  ومع تكالب الأمم علينا، وحصار الأعداء لنا…

اشتغل الراحِل على مشاريع فكرية كبيره يستحيل التحدّث عنها في هذا المقام ، واهتمّ بقضايا الفكر والتُراث والنهضة والديمقراطية واشتهر بعملية التحليل والتدقيق في قضايا ألامه  . وكما هو الحال بالنسبة إلى مجموعةٍ من المُفكّرين، انكبّ المفكر الكبير  القاسم بن على الوزير ،على البحث في السؤال ماهو الموقف من الحضارة الغربية

الذي يهمنا من فكر القاسم بن على الوزير ، هو الجانب العملي من هذا الفكر، وما ينبغي أن يبنى عليه لكي نتمكن من تغيير نمط حياتنا وتفكيرنا وتعاملنا مع الوجود والعناصر المشكلة لهذا الوجود الإنساني،وحول تغيير تفكيرنا ونمط حياتنا يؤكد الأستاذ القاسم في أكثر من محاضرة له ،” إن البلدان العربية بحاجة إلى “الإصلاح” ولا أقول: “إصلاح”. ففي حسباني أن البناء كله بحاجة إلى إصلاح شامل ينتظم الجوانب كله”..

فالمفكر الكبير القاسم بن علي الوزير عندما درس الحضارة إنما درسها انطلاقاً من ألمه وهو يرى أمته متخلفة مهانة مُستعبدة تعيش في فوضى وتخلف وتفتقر إلى الذوق الجمالي، فبحث بعقله الجبار في أسباب نشوء الحضارات، وعندما عاين وعايش الحضارة الغربية، رأى فيها الكثير من العوامل التي هي حقاً سبب نشوء الحضارة، ومن الصفات والمقومات التي ينبغي أن يتأثر بها المسلم وأن يحاول احتوائها، الحضارة الغربية ليست ركام من السلبيات وحسب، ولكنها أصلاً بناءٌ من الإيجابيات ولأسباب تخص الخصوصية الحضارية والتاريخية للحضارة الغربية.

يرى المفكر القاسم بن على الوزير أن قضية النهضة مازال سؤال قائما منذ قرن أو يزيد وان أسباب الفشل في الرد على هذا السؤال هو الانطلاق من ذات الواقع الذي أدت إفرازاته إلى الخروج أصلا من الحضارة والوقوع في بؤرة التخلف ولا يمكن ذلك إلا بتصفية ينابيع تلك الإفرازات في الفكر والنفس والثقافة، وذلك بتصفية المفاهيم على المستويات التاريخية النفسية والاجتماعية انطلاقا من العقيدة التي أرست الدفعة الأولى الرائعة.

العبرة الكبرى التي يمكن أن نستفيدها من فكر القاسم بن على الوزير لا سيما في موقفه من الحضارة الغربية هي أن:نتحلى بقدر عال من الموضوعية في التعامل مع ذواتنا ومع غيرنا.

و ينبغي أن نتحرر من الكثير من العقد التي تصورنا عظماء ونحن لسنا كذلك، أو تصور غيرنا عظماء وهم ليسوا بذلك المستوى من العظمة، هذا أمر في غاية الأهمية، علينا أن نستفيده من فكر الراحل قاسم الوزير والذي كان موضوعياً جداً في التقاطه عوامل القوة وقيم الفضيلة والنهوض في الحضارة الغربية، وذكرها وعبر عن إعجابه بها وفي الوقت ذاته لم يقع ما وقع فيه الكثير من المفكرين على امتداد القرن الماضي وإلى الآن، الذين ما إن رأوا الحضارة الغربية فقدوا قدرتهم على التفكير الموضوعي وعلى ملاحظة ما فيها من علامات التخبط والاضطراب، وما فيها من منافاة القيم الإنسانية الناهضة بروح الإنسان والمُتدفقة بالقيم الضامنة للاستمرار.

يرى المفكر القاسم بن على الوزير أنَّ الخروج إلى موكب الحضارة يحتاج إلى إيجاد تيار عقلاني عربي متنور يبذل التضحيات اللازمة لتشكيل فلسفة حضارة عربية جديدة يكون لها مقدمات البقاء بعيداً عن أدبيات البكاء على الماضي.

فقدم الراحل العظيم مشروعاً كبيرا ناقش فيه قضية النهضة نمن جوانبها المختلفة عبر مجموعه من المحاضرات والأحاديث جمعها في كتاب  هو حرث في حقول المعرفة ، هذا الكتاب الذي يجب أن يدرس في المعاهد والجامعات ، والذي عالج الكثير من القضايا ، لعل أهمها ، الموقف من الحضارة الغربية _ وأولويات للنهضة العربية، وأفكار في غاية الأهمية للإصلاح والتغيير في البلاد العربية، وكذلك عوامل الانقسام والتجزئة في الأمة والمجتمع، إلى جانب أسباب العنف في المجتمع.

فقد أهتم هذا الكتاب الهام بدراسة  مشاريع النهضة ومكوّناتها، واهتم بالبحث والتحليل والنقد في  الفكر العربي، وتناول بالتحليل الموقف من الحضارة الغربية وأولويات النهضة العربية وقدم أفكارا حول الإصلاح والتغيير في البلاد العربية والكثير من المراجعات والتأملات الفكرية محاولا الإجابة بإسهاب عن السؤال الآخر نحن بحاجه إلى أصلاح؟

-القاسم بن على الوزير الشاعر

يتميز شعر القاسم بن على الوزير بصدق النبرة وتوهج الالتياع وبقدرة ظاهرة على توظيف المفردات توظيفها فريدا لتؤدي وظيفتها أقوى أداء كما يتميز بابتكار المعاني والتأمل الفلسفي ويبقى القاسم بن على الوزير شاعر المعنى المعجب والسبك المطرب ويعده الكثير من الأدباء والشعراء والنقاد بأنه واحد من عمالقة الشعر في العصر الحديث وله ديوان مجموعات شعرية جمعت فيه معظم قصائده التي نشرت وقدم له وتناوله بالدراسة والنقد العديد من الشخصيات الأدبية في عالمنا العربي.

ولعل من ابرز قصائد، هي قصيدة صوت المناحة ،التي تم نشرها عند الاقتحام الإسرائيلي البربري الوحشي لبيروت في عام 1982م ، والتي يقول فيها :

  أمة عانت من الموت طويلا       *      فادفنوها لم تعد تجدي فتيلا

أمعنت من زمن في موتها عبثا   *   من ميت ترجوا مقيلا

لا تقولوا عرب قد ذهبت نخوة  *  كانت هي الأصل النبيلا

ذهبت غير بقايا لم تزل            *      في ربى بيروت تأبى أن تزولا

جثمت في مربض الموت على    *      شرف ،يأبى على الذل نزولا

أمة في فتية قد غسلت           *   لعنة الذل وأولتها الدخيلا 

ثبتت حتى إذا ما استبسلت  *   كتب الله لها نصر جميلا

-القاسم والمُمارَسة السياسية

انخرط أستاذنا الجليل المفكر والسياسي الكبير القاسم بن على الوزير ، في الحقل السياسي في سنٍّ مُبْكِرة، وعايش أحداثاً سياسيه كبيره ،أكبر بكثير من سنة ، وجاوَر كِبار الساسة، والعلماء والفقهاء والشعراء، خاصة في معتقله في سجن حجه، وتمرَّس في رِحاب رفقتهم العمل السياسي والفكري.

وكان  أحد أبرز المؤسسين الأوائل لحزب اتحاد القوى الشعبية، اليمنية إلى جوار شقيقيه الزعيم المؤسس المفكر الإسلامي الكبير إبراهيم بن علي الوزير رحمه الله، وكذا المفكر الكبير والكاتب والمحقق الأستاذ القدير زيد بن علي الوزير، متعه الله بالصحة والعافية، وعلى خطى من مضوا من الرعيل الأول أخويه عبدالله والعباس حيث ظلّ الانتماء والوجدان، واستمر في العطاء، سواء على مستوى صحيفة الشورى أو في عضوية المجلس السياسي للحزب ثم رئاسة المجلس السياسي للحزب  ، 

كان حامِلاً لمشروع أفكار، ومؤمناً بقناعاتٍ ومبادئ،  والمتمثلة في الشورى في الأمر والعدل في المال والخير في الأرض، وخصوصاً أن ولادة الحزب انبثقت عن الرغبة المُلحَّة في مُسايرة طموحات الشعب في التقدم والرفاهية ونبذ التعصب بكل أشكاله وصوره

عندما تكون في حضرة المفكر الكبير ، القاسم بن علي الوزير ، فأنت في خضرة الفكر والإبداع والمبادئ القيمة ، في حضرة مفكر استثنائي، لن نستطيع أن نفيه حقه.

عندما نكتب عنه نكتب عن فكره المتجدد ومبادئه وجهاده ونضاله ، الذي يعتبر نبراسا للأجيال ، فهو صاحب اطلاع واسع ومدهش، وتكوين موسوعي متعدد الحقول والتخصصات، وذاكرة حادة جدا تحتفظ بأدق التفاصيل في حياتنا الفكرية والثقافية، وإلمام دقيق  بالثقافة  العربية و الإسلامية، وبتيارات الفكر الإسلامي قديما وحديثا. وقد اكتسب هذه الخاصية، بنظرنا، من مسار حياته العلمية والفكرية والسياسية؛ مسار غني ومتنوع، عرف تحولات وانعطافات في الفكر والمنهج والموقف

 أن تفرغه الفكري  جعله على صلات وثيقة بالتراث الثقافي و الفكر العربي الإسلامي، وبكل التيارات والمدارس  والسياسية والاجتماعية والثقافية. فقد عاش متفرغا للجهاد وقول كلمة الحق ، عاش للفكر والمبادئ والبحث والشعر والأدب ، مطالعة وتأليفا. وكان يعتبر الوظيفة العمومية شكلا من أشكال الجمود تجعل الباحث محصورا في مكان ضيق ، لذلك رفض الكثير والكثير من المغريات والعروض والمناصب الكبيره .  ولم يقبل إلا المهام البحثية المندرجة في مشاريعه الفكرية وفي أجندته البحثية؛ مثل عضوية مركز الحوار العربي، الذي لاقى فيه الكثير والكثير من المحاضرات القيمة في شتى المجالات ، وكذا عضويته في مركز التراث والبحوث اليمني.

أشتغل على القضايا المعاصرة في فترته في موضوعات: التراث، والحرية، والنهضة، واليقظة، والعلمانية، والتعددية، والسياسة،فعندما تكون في حضرته، ستكتشف أنك أمام رجل قمة في التواضع والبساطة،يكلمك بحميمية وكأنك صديقه الحميم حتى لو كان أول لقاء بينكما، يقبل عليك بكل أريحية وبساطة ، ويستمع إليك ويوليك جل اهتمامه ، حتى يراودك الشك: أهذا هو المفكر والشاعر الكبير القاسم بن علي الوزير؟ تواضع جم إلى حدود الخجل، وعمق إنساني، ورحابة صدر. عندما يتكلم، فكأنه شلال متدفق من المعارف والأفكار، باتساق وانسجام، ومن دون رطانة أو تكرار . فقد وهبه الله بلاغة القلم وبلاغة اللسان،تشرفت شخصيا بمرافقته وحضرت معه أكثر من محاضره  وكان لي نعم المربي ونعم الأستاذ، ونعم العالم، ونعم الإنسان سلام الله عليه في يوم مولده ، وفي يوم لقائه لربه ورحمه الله،تغشاه، وجعله مع الأنبياء والمرسلين والصالحين والصادقين في جنات النعيم .

إن فكره النير، ومواقفه السياسية وآرائه وأطروحاته وكتاباته  هي أصدق برهان على بصيرة فذة  وإيمان قوي وعزيمة صلبه.

لقد كان لي شخصيا القلب الحنون والصديق الوفي والصاحب السند والمعلم القدوة. ترك برحيله فراغا كبيرا ، ليس فحسب ، بل لليمن وللأمة العربية والإسلامية ،وعزائنا برحيله أن روحه ستظل  معنا دائما ، سنتذكر مواقفه، وكلماته وتعاليمه فكان لي ولجميع من عرفه، نعم الناصح الأمين و  الأب والمرشد والسند في كل المراحل. هكذا كان لنا القاسم .

كان لنا الأستاذ والمعلم والعلم والنبراس الذي نهتدي  به في كل أمور حياتنا واليوم نفتقده إذ يفارقنا بجسده الطاهر ، إلا أن روحه ا وفكره ا وكلماته وابتسامته وسيرته العطرة ومواقفه الراسخة ستبقى خالدة ، وسيبقى فينا الدافع القوي لمواصلة المشوار والنهج الذي سار عليه الراحل العظيم .

 إنني أتقدم بأحر التعازي وعظيم المواساة إلى ألامه العربية والإسلامية  عموماً واليمنيين خصوصاً، وبالأخص إلى أسرته أسرة العلم والفضل والجهاد والشرف وفي مقدمتهم عميد الأسرة سيدي المفكر والأديب والكاتب الأستاذ زيد بن علي الوزير وسيدتي والدتي خالتي الحبيبة حوريه بنت علي الوزير  ولأولاده أخوتي وأخواتي البراء وعمر ورقيه ونجيه وعليه والعمة فاطمة وجميع أفراد الأسرة الكريمة، أعزيهم واعزي نفسي  بهذا المصاب الجلل الذي أصابنا  وأصاب امتنا. ونعاهد روح سيدنا الجليل الراحل العظيم أننا سنبقى الأوفياء للأهداف والمبادئ التي عاش من أجلها وعمل لها وضحى في سبيلها ليل نهار، وان نبذل في سبيلها كل غالٍ ونفيس إن شاء الله

 نسأل الله تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته، وان يتقبله في الصالحين، وإنا لله وإنا إليه راجعون. ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي))

صدق الله العظيم

المكلوم

د/طارق محمد الأكوع

اقرأ أيضا:الأستاذ القاسم بن علي الوزير ..عرفته بأفكاره ومبادئه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى