اليمن في أسر اللاسلم واللاحرب
اليمن في أسر اللاسلم واللاحرب
عبد العزيز البغدادي
سلطات الأمر الواقع التي تتقاسم الحكم بالغلبة والسباق المسلح على السلطة أيا كانت مصادر دعمها يحتم عليها الواجب الديني والقانوني والشرعي والأخلاقي والإنساني أن تَعلَم يقيناً بأنها تتحمل المسؤولية الأولى عن كيفية إدارة سلطات الدولة ومؤسساتها في نطاق المساحة الجغرافية التي تبسط عليها نفوذها وسلطتها تحت أي شعار وأي مبرر، وهذه المسؤولية توجب عليها توفير المتطلبات والخدمات الضرورية ليعيش المواطن بكامل حريته وكرامته، وصيانة كافة حقوقه الأساسية؛
وهذه السلطات مسؤولة بالضرورة عن إدارة حالة اللا سلم واللا حرب التي تعيشها البلاد منذ بدء الهُدن المعلنة وغير المعلنة وعن عدم السماح بأن تطول هذه الهُدَن ليستثمرها ذوي المطامح والمطامع غير المشروعة والأحلام الشريرة المريضة في الاستحواذ على السلطة والثروة وتحويلهما إلى غنيمة حرب ومحاولة شرعنتها لأن استحلال أموال الناس بالباطل ومحاولة تقنينها وتقاسمها كغنائم أحد المظاهر المحزنة الأكثر تخلفاً في العالم وأحد عوائق بناء الدول الحضارية التي تمنع التكسب من خلال الحروب فذلك من أبرز أسباب تهييج الغرائز لاستباحة الدماء والأموال والأعراض والممتلكات وهو عمل غير مشروع يضفي عليه بعض القادة المستفيدين من هذا النهج المتوحش وصف الجهاد في سبيل الله مستغلين ظروف العدوان والحرب ؛
ومن الواضح أن تجار الحروب يحاولون تحويل حالة اللا سلم واللا حرب إلى حالة أكثر فتكا بالمواطن من حالة الحرب وإطالة أمدها ولا يهم ما يعاني منها الشعب و التطبيع مع الفساد والنهب الذي تفاقم في الظروف الاستثنائية لتكون بيئة حاضنة لزعماء الغنائم ومشايخ الفيد الذين ينهشون أموال الشعب وأراضيه بآلاف الأفدنة والمعادات واللبن ، والجبايات التي لم يسبق لها مثيل.
إلى جانب انتشار البناء العشوائي كالسرطان وبصورة فضيعة وملاحقة المستفيدين من الجمعيات من صغار الملَّاك والموظفين المدنيين والعسكريين والأمنيين ، وهذه الملاحقة جريمة هدفها تغطية ما يصنعه كبار الناهبين وإخفاء معالم وآثار ما يتم تحصيله من الجبايات المتوحشة بمختلف عناوينها ؛
لقد شارفت السنة التاسعة على الانتهاء ومرارات العدوان والحصار الممنهج يطحن عظام اليمنيين ويشوي أراوحهم ومازال التحكم في اتصال اليمنيين بالعالم في قبضة المملكة وشركائها في تحالف العدوان الذين كشفت الأيام أنهم أوضح من الوضوح وأخفى من كل الطلاسم لتثبت لنا أن التنظيم السري لإدارة الفساد والإرهاب لم تعد لإيقاعاته حدود ولا تفصل بين قنواته سدود ، فاللصوص والظلمة إخوة في الدم والنسب وإن أظهروا الاختلاف في العقيدة والمذهب فمذهبهم الجامع أكل أموال الناس بالباطل بسحر القانون المزور أو بقوة (الصميل) المعمَّل ،يتقنون تقاسم المصالح غير المشروعة في حالتي السلم والحرب وحالة اللا سلم واللاحرب الساحرة ، والخاسر الوحيد دائماً وفي كل الأحوال هو الشعب لاغير ، والكلام المعسول والخطابات الرنانة إنما هي يراها الناس تضليل إعلامي وتلاعب بالعقول والعجول في مختلف المناسبات وعن طريق مختلف الوسائل وجرعات للتنويم المغناطيسي وإلهاء للناس عن التفكير السليم لحل القضايا وفق منهج علمي وطني مدروس لا مجال فيه للخرافة والتنجيم وأمراض وآفات القلقلة والعنعنة والهروب من المسؤولية ؛
هناك من يسعى لإخراج المعتدي من المسؤولية بأسلوب هادئ وتكتيكي وكأنه شريك أساس له في كل جرائم العدوان المباشر والحصار القاتل الذي مايزال الشعب يئن من وطأته ليبرهن لنا بأن هذا العدوان لم ينته وأن بعض العتاة ذهبوا في موسم الحج لأداء التحية والسلام ومصافحة كرام المعتدين، وليؤكدوا أن الغزو الذي يجري مجرى الدم قادر على تغيير الجلد وربما العظم في كل الظروف والأحوال؛
لم يعد العدوان المبجل يبحث عن وسيلة للنزول من على الشجرة كما قيل لنا مراراً لأن له في أوساطنا وداخل جلودنا وأبعد من ذلك وكلاء سيقلعون له الشجرة ليبقوه فوق ظهر الشعب، أو بالأصح والأقرب للحقيقة لا وجود لأي شجرة، فالعدو يمارس منذ ميلاده المشئوم عدوانه على الأرض والإنسان بخطىً ثابتة لأن وكلاءه ينسلُّون من تحت الجلد ويملئون الهواء الذي نتنفس، ويقولون مالا يفعلون !؛
آه أيها الوطن المغطَّى بالأكاذيب هناك من يغطي بخبث انسحاب المجرم من مسرح الجريمة ويعمل على تحويل الهزيمة إلى نصر مستهتراً بمنطق التأريخ وعقول القطيع.
إذا الروح مَّدت إليكَ قناديلها
فاعتصم بالمحبة
وازرع بذور الحياة
غادر اليأس ياصاحبي
من رحم الليل يولد الفجر مبتسماً والصباح
أقرأ أيضا:اللغة بين واقع التعدد والحُلمِ بالوحدة
# عبد العزيز البغدادي
كاتب وقانوني يمني