تدمير حصون الفساد يبدأ بإرادة القيادة
تدمير حصون الفساد يبدأ بإرادة القيادة
خالد العراسي
قمة العجز والفشل هو الاكتفاء بعقد الورش، والاجتماع مع الأجهزة الرقابية والتهديد والتوعد بحق الفاسدين، فالشعب الصابر والصامد يستحق التقدير والعناية بمصداقية، أما الوعود الكاذبة فقد سئم منها منذ عقود مضت.
أي مواطن بسيط لو تولى مهمة مكافحة الفساد لعمل قبل كل شيء على تفعيل الأجهزة الرقابية وعلى رأسها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة العليا لمكافحة الفساد، ومنحهما الصلاحيات الكاملة للرقابة والمحاسبة على كل المسؤولين، كبارهم قبل صغارهم.
لو ولينا الأمر لأي مواطن لحاكم كل من فاحت رائحتهم النتنة وثبت فسادهم، ولما اكتفى بإزاحتهم من مناصبهم، ولجعلهم عبرة لمن لا يعتبر.
ولو أن أبسط الناس تولى مهمة مكافحة الفساد لكان شغله الشاغل هو تعديل القانون الذي تم تفصيله ليكون أداة لحماية الفاسدين ودعمهم، مع الحرص على أن تكون التعديلات كفيلة بتحويل حياة أي فاسد إلى رعب دائم.
ولو أن أبسط الناس تولى مهمة مكافحة الفساد لشجع وحفز الأجهزة الرقابية على الانطلاق وفق خطة عمل مزمنة تشمل الفحص المالي لكل مؤسسات ومرافق الدولة بالتدريج بحسب حجم المؤسسة، وتكون البداية من الأعلى إلى الأسفل بدون استثناءات وانتقاءات، ولن يجعل تقاريرهم حبيسة الأدراج، وسيقوم بتفعيل مبدأ الثواب والعقاب بناء على هذه التقارير وما يتبعها من محاكمات قضائية عادلة.
ولو أن أبسط الناس تولى مهمة مكافحة الفساد لما سمح لأي مرفق حكومي أو شركة مساهمة بإغلاق أبوابها أمام الأجهزة الرقابية، ولمنع وزارة الشؤون القانونية من إصدار فتاوى قانونية تساعد على إغلاق هذه الأبواب أمام الرقابة، حتى لو كان ذلك مسنودا بالقانون العقيم، لأننا في ظل عدوان كوني ووضعنا خاص جدا والفساد في هذا الزمن حتى لو كان بسيطا ستكون أضراره وخيمة وكارثية، وبالتالي فالتحجج بالقانون العفاشي الداعم للفساد عذر أقبح من ذنب، والعدوان يحتم علينا أن نضرب بيد من حديد وألا نتهاون مع أي فاسد.
ولو أن أبسط الناس تولى مهمة مكافحة الفساد لعزز وسائل الدفاع والحماية وحوائط صد الفساد، والحائط الأول هو المسؤول عن الجهة، وهذا يجب أن يتم اختياره بعناية فائقة خارج إطار الشللية والولاءات الشخصية والطاعة العمياء، “وحول الشللية والولاءات الشخصية الضيقة سيكون لنا وقفة “وبهذا يكون لدينا أقوى حائط صد أول، ثم يقوم بتفعيل الرقابة المصاحبة في كل جهة (المراجعة الداخلية) ويعمل على تشجيع كل الموظفين والمواطنين على الإبلاغ عن أي فساد يعرفونه.
يجب أن يصل الفاسد إلى المرحلة التي تجعله يفكر ألف مرة قبل أن يمارس فساده ويعرف أن مصيره سيكون السجن، ولكم أن تتخيلوا عندها من يمكن أن يمتلك الشجاعة لممارسة الفساد!
ولو أن أبسط الناس تولى مهمة مكافحة الفساد لقام بتفعيل دور وزارة الخدمة المدنية، المعنية بوقف كل أشكال وأنواع الفساد الإداري (إلى درجة مدير عام)، ولوضع معايير لتعيين كبار المسؤولين (ما فوق مدير عام)، ولنا حديث مستقل بشأن القرارات السيادية.
ولو أن أبسط الناس تولى مهمة مكافحة الفساد لأطلق العنان للهيئة العليا لمكافحة الفساد لممارسة كل صلاحياتها الممنوحة لها، وعلى رأسها مساءلة كل من تظهر عليه الثروة بشكل مفاجئ، بدلا من تجميد الهيئة وحصر أعمالها في الانتقامات وتصفية الحسابات.
ولو أن أي مواطن شريف تولى مهمة مكافحة الفساد لفعل الكثير والكثير والكثير رغم بساطته وقلة خبرته، فما بال قياداتنا المخضرمة تقف عاجزة؟!
خالد العراسي
كاتب يمني وناشط سياسي وإعلامي