ترسيخ الهوية الوطنية ( 2 )
إنّ الشّباب من ركائز الوطن وعماده، بهم يقومُ ويقوى، وبدونهم يَهمدُ ويضعُف، وترتفعُ الأمم والشّعوب وتتقدّم بهمّة وقوّة وسعي أبنائها وشبابها لذلك، كما أنّها ترجعُ عن ركب التقدّم وتتخلّف بركونهم إلى الجهل والخمول.
من الواجب على الشباب أن يعملوا على تطوير أوطانهم بشتّى الوسائل وفي كل المجالات. الدّفاع عنه: في حالات تعرّض الوطن للخطر فيجب بذل جميع الجهود للدّفاع عنه بكلّ شهامةٍ، ويكون الدّفاع عنه في كلّ الطّرق والوسائل. وقد رسّخت الشّريعة الإسلاميّة أنّ حماية الوطن والذّود عنه من المخاطر والصّعوبات أساسٌ دينيّ ثابت؛ فقد قرنَ الله تعالى حُبّ الأوطان والدِّيار بالديّن. في قوله تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ).
ومن الواجب تجاه الوطن عدم التعرّض لمُمتلكاته بالإيذاء أو التّخريب؛ لأنّها تُمثّل صورةً عن مدى تطوّر شعبه وارتقائه، فيجب المُحافظة على الشّوارع والحدائق لتبقى نظيفةً وجميلةً، والمساكن والمباني والمعابد لتبقى قائمةً دون تخريب، والمُحافظة على الآثار القديمة الموجودة فيه وحفظها من السّرقة والضّياع. فإنّ المُمتلكات العامّة هذه هي ملكٌ للجميع لا ملك خاصّ لأحد، والمُحافظة عليه واجبٌ على كل مواطن قادر على ذلك، كمحافظته على ماله ومُمتلكاته الخاصّة، فإنّ حفظه والدّوام على ذلك لهو حفظٌ لموارد الدّولة للأجيال كلّها، وإنّ هذا الفعل لهو مظهرٌ واضحٌ يُبيّن الانتماء والوفاء للوطن.
كما يجبُ الافتخار بالعيش في الوطن والاعتزاز بذلك، ويظهر هذا في تصرّفات مواطنيه؛ فمثلاً يُجيبون بكلّ عِزّةٍ وثقة وافتخار بأنّهم من هذا الوطن عندما يسألهم أحد عن وطنهم، دون تهرُّبٍ من الإجابة أو كذب، كذلك عندما يُشعرون السُيّاح بانتمائهم وحبّهم له فإنّ ذلك يُظهر محاسن البلد ومجده لدى شعبه. الالتزام بالقوانين: في كل بلد يوجد قوانين يجب احترامها، فلا يجوز عمل الأشياء غير مشروعةٍ؛ لأنّ القوانين التي تضعها الدّول هي الأساس في مَصلحة أبنائها، فلذلك على المواطنين احترام هذه القوانين بكلّ فخر واعتزاز.
و لكلّ وطن عاداته وتقاليده التي تُميّزه عن غيره، فعلى مواطنيه احترام هذه العادات وعدم الخروج عن نطاقها إذا كانت لا تُنافي الدّين وتُرضي الله -عزّ وجلّ-، فإذا كانت العادات تُنافي ما جاء به القرآن الكريم يجب الابتعاد عنها وتركها، أمّا عكس ذلك فيجب احترامها حتّى لو لم يُريدوا الالتزام بها ولا يجوز السُّخرية منها.
ويجب الاهتمام بدراسة تاريخ الوطن عبر العصور؛ ما هي التغيُّرات التي حدثت عليه؟ وما هي الإنجازات التي قام بها؟ والحروب التي شارك بها، والثّورات والحوادث المُهمّة التي حدثت به، لكي يتمّ فهم تاريخه والعمل على أساسه.
كما من المهم الاهتمام بالآثار الموجود فيه والاهتمام بالتُّراث الخاصّ به وذلك لأنّ الأجداد وأجداد الأجداد قد تركوا عبر العصور إنجازاتهم من مبانٍ وزخارفَ يمكنُ الافتخار بها، فلذلك يجب المُحافظة عليها من التّلف والضّياع، ووضعها في مَتاحف لتتعرّف عليها الأجيال القادمة ويعتزُّوا بالماضي الذي وُجدَ قبلهم فيزيد حبّهم للوطن، كما يجب الاهتمام بتراثه من لباسه الخاصّ، وعادات رقصه، والمُناسبات الخاصّة المُميّزة فيه.
والاعتزاز بلغة الوطن والتّحدث بها من أهمّ واجبات المُواطنين، ولا يعني ذلك عدم التعرُّف على لغات أخرى، لكن يجب أن تكون لغة الوطن هي الأصل والأساس.
إنّ محبّة الوطن والانتماءِ له في نظرِ الإسلام لا يقتصرُ على ذلك الشّعور الإنسانيّ المليء بالعبارات البرّاقة والتي تنحصرُ في ميول القلب دون أفعالٍ وسلوكاتٍ مُنضَبطَة تُترجِمه، هذه السّلوكات تعريفٌ عامٌ عن مقدار حُبّ الفرد لوطنه؛ فيُحاسب عليه بالثّواب إنْ أحسنَ ووفّى، وبالعقاب إنْ قصّر وأخلَف. كما أنّ حُبّ الوطن في الإسلام قد أثبّته القرآن الكريم ورسّخته السُنّة النبويّة في نفوس المسلمين عبر توجيهات الرّسول عليه الصّلاة والسّلام بذلك، فقد رسّخ الرّسول الكريم -عليه الصّلاة والسّلام- أنّ حُبّ الأوطان يتجاوز حُبّ المرء لأهله وولده رغم مكانتهم العالية لديه، فكلّ هذه الأمور الغالية على النّفس تأتي في نفس الإنسان بعدَ حبّ الوطن، ولذلك يُرى المُسلمون المُرتبطون دينيّاً ووجدانيّاً بأوطانهم يتواجدون في ساحات المُواجهة دفاعاً عن هذا الوطن، ولا يتراجعون أو يتقاعسون أو يتخاذلون عن نصرته والدّفاع عنه والتّضحية من أجله.
يقول الشّاعر فوزي معلوف: مهما يَجُر وطني عليَّ وأهله فالأهلُ أهلي والبلاد بلادي.