كتاب الفردية للأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير..أزمة الفكر السياسي في التاريخ الإسلامي

كتاب الفردية للأستاذ المفكر الاسلامي زيد بن علي الوزير..أزمة الفكر السياسي في التاريخ الإسلامي
بقلم/ إبراهيم الحبيشي
الجمعة 12 ديسمبر 2025-
بين يدي كتاب “الفردية” للأستاذ المفكر الاسلامي زيد بن علي الوزير، الذي يقدم نفسه كعمل تحليلي جريء يستهدف تفكيك البنى العميقة للأزمة السياسية التي تعيشها المجتمعات الإسلامية منذ قرون. لا يقدم الاستاذ زيد الوزير مجرد تاريخ نقدي، بل يشخص داء مزمنا يراه متجذرا في التحول من نظام “الأمة” الشورى الجماعي إلى نظام “الفردية” المستبدة، الذي تمت تغطيته بغطاء ديني مقدس.
يرى المفكر الاسلامي زيد الوزير أن جوهر المشكلة لا يكمن فقط في الاستبداد السياسي العادي، بل في “تدين” هذا الاستبداد، أي تحويل النظام السياسي من مسألة اجتهادية بشرية (من الفروع) إلى مسألة عقائدية مقدسة (من الأصول). هذه العملية، التي قادها ما يسميهم “فقهاء السلطة”، حولت الخلافة من مفهومها الأصلي القائم على الشورى والقيادة الجماعية إلى ملك عضوض يقدس الحاكم الفرد وتمنح له صلاحيات مطلقة مستمدة من تفسيرات دينية حرفية وانتقائية.
الكتاب هو رحلة استقصائية طويلة، بدأها الكاتب بسلسلة من الأفكار ثم أضاف إليها عمقا وتحليلا، ساعيا إلى العثور على “اللون المفقود” الذي يكمل لوحة الأزمة. فهو لا يكتفي بالتشخيص، بل يحفر في طبقات التاريخ والفكر للكشف عن الآليات التي جعلت الفردية تتحول إلى ثقافة سياسية مقدسة، مقاومة للتغيير ومحصنة ضد النقد.
يربط المفكر السياسي الاستاذ زيد الوزير بشجاعة بين هذا الإرث التاريخي والواقع المعاصر للمجتمعات العربية والإسلامية. فالفردية التي تأسست في العهد الأموي وما بعده، لم تختفِ مع سقوط الخلافة العثمانية، بل تجددت في أشكال حديثة: في الملكيات المطلقة، والجمهوريات الوراثية، والدكتاتوريات العسكرية، وحتى في بعض الأنظمة التي ترفع شعارات دينية. في جميع هذه الصور، يبقى القلب النابض هو نفس مبدأ تقديس الفرد الحاكم واحتكار السلطة، مدعوماً بخطاب ديني أو أيديولوجي يبرر الاستبداد ويحرم المعارضة.
الكتاب ليس مجرد سرد ونقد تاريخي، بل هو إضاءة على المأزق الحالي. إن استمرار هيمنة النموذج الفردي، برأي الاستاذ زيد الوزير، هو السبب الجذري لتخلفنا السياسي، وعجزنا عن بناء أنظمة ديمقراطية تعددية حقيقية، واستمرار معاناة الشعوب من الظلم والفساد. إن الصراع الذي نراه اليوم بين أنظمة استبدادية وقوى معارضة، غالباً ما يتمحور حول السلطة وليس حول النظام نفسه، مما يؤدي إلى تكرار نفس النموذج حتى عند تغير الأشخاص.
يختم الاستاذ زيد الوزير بالإشارة إلى أن الحل لا يكمن في إصلاحات سطحية، بل تحتاج الى عملية نقد جذرية لهذا التراث الفكري والسياسي، وفك الالتباس بين الدين كنظام قيمي وبين الاستبداد كمنهج سياسي. إنها دعوة إلى إعادة قراءة التاريخ بعيون نقدية، والتمييز بين الإسلام كرسالة تحررية وبين الممارسات التاريخية التي حرفته لخدمة مصالح السلطة.
بهذا، يصبح كتاب “الفردية” أكثر من مجرد دراسة أكاديمية.. إنه بيان سياسي وفكري يدعو إلى ثورة في الوعي، من أجل الخروج من النفق المظلم للاستبداد نحو فضاءات الحرية والمسؤولية الجماعية التي تأسست عليها “أمة المدينة” في بداياتها. إنه كتاب مؤلم في نقده، لكنه ضروري لأي من يبحث عن فهم جذور علتنا السياسية وأفق الخروج منها.




