نافذة على كتاب

قراءة تحليلية في ورقة المفكر والسياسي القاسم بن علي الوزير حول الإصلاح والتغيير في البلاد العربية

 قراءة تحليلية في ورقة المفكر والسياسي القاسم بن علي الوزير حول الإصلاح والتغيير في البلاد العربية

بقلم/ إبراهيم الحبيشي

الجمعة 12 ديسمبر 2025-

يعد موضوع الإصلاح والتغيير من أكثر القضايا حضوراً وإلحاحاً في الفكر العربي المعاصر، إذ ارتبط تاريخياً بتجارب النهضة الأولى في القرن التاسع عشر، ثم بتقلبات الدول العربية بعد الاستقلال، وصولاً إلى أزمات الواقع العربي اليوم. وفي هذا السياق، قدّم المفكر والسياسي القاسم بن علي الوزير ورقة فكرية معمقة تناولت جدلية الإصلاح والتغيير، محاولاً رسم معالم مشروع نهضوي شامل يعالج أزمة المجتمع العربي ويضعه على مسار الحضارة. تسعى هذه القراءة إلى تقديم تحليل نقدي لمضامين تلك الورقة، من خلال إبراز أهم مرتكزاتها، واستجلاء قيمتها الفكرية، ومناقشة إشكالاتها المفتوحة. ينطلق الاستاذ القاسم من ضرورة التمييز بين الإصلاح والتغيير: فالإصلاح عنده هو تصحيح للأخطاء وتقويم للاعوجاج، أي أنه فعل يستهدف إعادة الوضع إلى مساره الطبيعي والأفضل. أما التغيير فهو إزالة العوائق وتوفير المناخ اللازم لتحقيق الإصلاح، وقد يكون إيجابياً أو سلبياً بحسب طبيعته وأهدافه. ويؤكد الاستاذ القاسم أن الإصلاح لا ينفصل عن التغيير، بل لا يتحقق بدونه، إلا أن التغيير المنشود يجب أن يكون أداة خادمة للإصلاح لا غاية بذاته. هذا التمييز المفهومي يمنح الورقة وضوحاً منهجياً، إذ يحسم اللبس الشائع بين الدعوة إلى التغيير الجذري وبين الإصلاح التدريجي، ويضع مساراً متدرجاً يوازن بين النظرية والتطبيق. كما يرى السيد الوزير أن الإنسان هو البداية وهو الغاية؛ إذ لا إصلاح بلا يقظة للذات الفردية والجماعية. ومن هنا يدعو إلى تحرير “روح الإنسان” من أربع قيود أساسية: -الخرافة التي تعطل العقل. -الجهل الذي يكرّس التخلف. -الخوف الذي يشل الإرادة. -الاستبداد والظلم اللذان يصادران الحرية. ويستند في ذلك إلى قول الله تعالى {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.بهذا يصبح الإصلاح في جوهره مشروعاً أخلاقياً وثقافياً قبل أن يكون سياسياً أو اقتصادياً، وهو ما يميز رؤية الوزير عن المقاربات الجزئية التي تقتصر على معالجة جانب واحد من الأزمة. وايضا تشخص الورقة بدقة أزمة الدولة العربية الحديثة التي نشأت على أساس التجزئة الاستعمارية، فكانت –في نظر الاستاذ القاسم – بناءً هشاً يخدم مصالح القوى الاستعمارية أكثر مما يخدم مجتمعاته. ومن ثم، يستبعد إمكانية أن تكون الدولة القطرية أداة إصلاح، لثلاثة أسباب رئيسية: نشأتها المفروضة من الخارج. ارتباط النخب الحاكمة بمصالح القوى الأجنبية. الفجوة العميقة بينها وبين شعوبها. كما يستبعد قدرة المجتمع –في وضعه الحالي– على قيادة الإصلاح، بسبب تفكك مؤسساته المدنية وضعف روابطه التقليدية والجديدة، فضلاً عن تراكم الاستبداد الذي أورثه السلبية والركود. أما التغيير المفروض من الخارج، فقد أثبتت التجارب –من العراق إلى غيره– أنه يفضي إلى الكوارث، ومن ثم فهو خيار مرفوض. أمام هذا المأزق، يطرح الاستاذ القاسم حلاً وسطاً يقوم على إحياء المجتمع المدني باعتباره الأداة القادرة على إحداث التغيير التدريجي السلمي. يرى الاستاذ القاسم أن الإصلاح عملية شاملة لا يمكن تجزئتها، غير أن الأولويات تحددها الإمكانات الواقعية. فإذا توافرت شروط الإصلاح في مجال اقتصادي أو سياسي أو ثقافي، وجب المبادرة فيه، إذ إن أي خطوة إصلاحية ستفتح المجال لخطوات أخرى بحكم الترابط بين المجالات. ومع ذلك، يظل الإصلاح الثقافي –في نظره– المدخل الحاسم، لأنه يوقظ الوعي ويشحن الفعالية النفسية، وهو الشرط المسبق لأي إصلاح آخر. وبالاستناد إلى طارق البشري ومالك بن نبي، يحدد الاستاذ القاسم أركان المشروع النهضوي المنشود في أربعة محاور أساسية: الاستقلال الحضاري: استعادة الهوية الثقافية والذات الحضارية للأمة. الاستقلال السياسي: تحرير الإرادة الوطنية من الهيمنة الخارجية. الاستقلال الاقتصادي: بناء تنمية معتمدة على الذات. الاستقلال القضائي: تحقيق العدل وضمان الحريات. هذه الأركان تشكل ما يمكن وصفه بالعقد الاجتماعي الجديد” الذي يربط بين تحرير الإنسان من الداخل وتحرير الأمة من الخارج. يولي الاستاذ القاسم أهمية كبرى للفكرة بوصفها الشرارة الأولى لأي نهضة، مستشهداً بتجارب التاريخ من الرسالات السماوية إلى الحركات الفكرية والسياسية الحديثة. ومن ثم، يدعو إلى صياغة “مشروع نهضوي” يلتف حوله الرواد والمثقفون، ليصبح نواة لحركة مجتمعية واسعة. ويعتبر أن المجتمع المدني –بمؤسساته وجماعاته– هو الحامل الطبيعي لهذا المشروع، شرط أن يُبعث من حالة الجمود ويستعيد دوره التنويري والتعبوي. وتفتح الورقة آفاقاً فكرية مهمة، غير أنها تثير تساؤلات لا تقل أهمية، أبرزها: هل يمكن لمجتمع مدني ضعيف ومقموع أن يكون أداة التغيير الفاعلة؟ ما مدى واقعية التعويل على الإصلاح السلمي في ظل أنظمة سلطوية متجذرة؟ كيف يمكن التوفيق بين الطموح النهضوي الشامل والظروف الجيوسياسية الضاغطة على المنطقة العربية؟ كما أن الورقة تُعلي من شأن الثقافة والوعي، وهو أمر جوهري، لكنها قد تقلل من أهمية البنى المادية والمؤسساتية اللازمة لأي إصلاح فعلي. إن ورقة المفكر والسياسي القاسم بن علي الوزير تمثل إسهاماً نوعياً في النقاش العربي حول الإصلاح والنهضة. فهي تقدم رؤية متكاملة ترى الإصلاح مشروعاً شاملاً يبدأ من تحرير الإنسان، ويمتد ليشمل السياسة والاقتصاد والقضاء، ضمن مشروع حضاري جامع. وعلى الرغم من التحديات الواقعية والاعتراضات الممكنة على بعض أطروحاته، فإن قوة الورقة تكمن في وضوحها المفهومي، وعمقها التشخيصي، وشموليتها النهضوية. وهي بذلك تشكل مرجعاً مهماً لأي نقاش جاد حول مستقبل الإصلاح في العالم العربي.

اقرأ أيضا: الطائفية: آخر ورقة للعالين في الأرض قراءة تحليلية في خطاب الوحدة الإسلامية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى