نافذة على كتاب

قراءة تحليلية في ورقة المفكر السياسي الأستاذ القاسم بن علي الوزير “مشكلة فهم الهوية العربية”

قراءة تحليلية في ورقة المفكر السياسي الأستاذ القاسم بن علي الوزير “مشكلة فهم الهوية العربية”

بقلم / ابراهيم الحبيشي.

الجمعة 12 ديسمبر 2025-

في ورقة المفكر السياسي القاسم بن علي الوزير “مشكلة فهم الهوية العربية”، نجد تحليلاً عميقاً لأزمة الهوية العربية المعاصرة التي تنبع أساساً من اضطراب المفاهيم والمصطلحات. حيث يبدأ الاستاذ القاسم الوزير بتشخيص الواقع العربي المأزوم، مؤكداً أن الفوضى السائدة في حياتنا العربية والإسلامية ما هي إلا انعكاس لاضطراب المفاهيم التي نتعامل بها.

ويوضح ان جوهر الإشكالية يكمن في الخلط بين المصطلح والمفهوم، ويرى الاستاذ القاسم الوزير أن المصطلح مجرد تسمية متفق عليها قابلة للتغيير، بينما المفهوم هو موضوع متطور يتغير من حال إلى آخر. هذا التمييز الدقيق يفتح الباب لفهم أعمق لإشكالياتنا الفكرية، خاصة عندما نطبق هذا المنهج على مفاهيم أساسية مثل القومية والهوية والثقافة والحضارة.

لقد تتبع الأستاذ القاسم الوزير في ورقته مسار مفهوم القومية منذ نشأته في أوروبا بعد الثورة الفرنسية، وانه تحول من مجرد مفهوم لغوي إلى مذهب سياسي واجتماعي قائم على الأرض والعرق والسيادة ويشرح كيف تحولت القومية في ألمانيا إلى “عصبية عرقية” قبيحة، وكيف أدت هذه المفاهيم إلى سلسلة من الحروب والنزاعات في أوروبا. ثم يبين كيف نقل الاستعمار هذه المفاهيم إلى آسيا وأفريقيا، بما فيها العالم العربي، حيث اصطدمت بالمكونات التاريخية والثقافية للمجتمعات المحلية.

وفي السياق العربي، يلاحظ الأستاذ القاسم الوزير الانفصام الحقيقي بين المفهوم الأوروبي المستورد للقومية القائم على العرق والأرض، والمفهوم العربي الأصيل الذي يرتكز على اللغة والثقافة المشتركة بمعزل عن العرق أو الحدود السياسية وان هذا الانفصام أدى إلى أزمات متتالية في المشروع القومي العربي، والتي كان من نتائجها الهزائم العسكرية والسياسية أمام المشروع الصهيوني.

ينتقل الأستاذ القاسم الوزير بعد ذلك إلى تحليل أزمة الثقافة والحضارة في الوعي العربي المعاصر، حيث يكشف عن الخلط الخطير بين المدنية والحضارة. فبينما يمكن استيراد المدنية بسهولة لأنها تتعلق بالمظاهر المادية والتقنية، فإن الحضارة -في نظره- هي إبداع ذاتي تنطلق من رؤية شاملة للحياة والكون والإنسان. وهذا الخلط يجعل الكثيرين يظنون أنهم قد “تحضروا” بمجرد امتلاكهم لمظاهر المدنية الحديثة.

ان العرب يواجهون اليوم -حسب تحليل الاستاذ القاسم الوزير- أزمة هوية حقيقية تتجلى في حيرتهم بين الانتماء إلى ماض زاهر أو حاضر متخلف، بين الأصالة والمعاصرة، بين الذات والآخر. هذه الحيرة تنعكس سلباً على قدرتهم في صياغة مشروع نهضوي متكامل

لكنه لم يتركنا أمام هذا التشخيص المظلم دون حلول، حيث يقدم رؤيته للخروج من الأزمة عبر استعادة الذات الحضارية العربية الإسلامية التي تجمع بين الأصالة والانفتاح على إنجازات العصر. ويؤكد على ضرورة التمسك بالثوابت مع الاستفادة من كل ما هو إنساني ونافع، مع التركيز على الإنسان كغاية ووسيلة في آن واحد.

إن ورقة القاسم بن علي الوزير تظل وثيقة فكرية بالغة الأهمية لفهم جذور أزمتنا الحضارية كما أنها دعوة لتصحيح المفاهيم واستعادة الوعي بالهوية العربية الإسلامية في إطار مشروع نهضوي متكامل، يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويوازن بين الخصوصية والانفتاح على العالم.

اقرأ أيضا: الأستاذ زيد بن علي الوزير.. رحلة المفكر السياسي الذي مزج بين الرؤية والمبادئ

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى