كتابات فكرية

هل يتجه العالم نحو حرب عالمية شاملة؟

هل يتجه العالم نحو حرب عالمية شاملة؟  

بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف

 السبت 27 ديسمبر 2025-

لم يعد سؤال “هل نحن على أعتاب حرب عالمية شاملة؟” ترفًا فكريًا، بل أصبح سؤالًا عمليًا تفرضه كثافة بؤر الصراع وتداخلها، من أوروبا الشرقية إلى غرب آسيا، ومن بحر الصين إلى البحر الأحمر، مرورًا بأفريقيا وأمريكا اللاتينية. غير أن المشهد الراهن لا يشبه عامي 1914 أو 1939؛ فالحرب اليوم تُدار غالبًا دون إعلان، عبر حروب الظل: العقوبات، الحصار، التجسس، الاغتيالات، والحروب بالوكالة.

من الحرب التقليدية إلى “الحرب الشبكية”

الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا ليست نزاعًا إقليميًا فحسب، بل مواجهة غير مباشرة بين موسكو من جهة، والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من جهة أخرى. في المقابل، يتصاعد التوتر في شرق آسيا بين الصين وتايوان، وتُستدعى الهند إلى معادلة ضغط مزدوجة تجاه الصين وباكستان. وفي غرب آسيا، تتقاطع المواجهات بين إيران والاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة، مع تمدد ساحات الاشتباك إلى سوريا ولبنان والبحر الأحمر.

هذه التفاعلات لا تتحرك بمعزل عن منطق الردع غير المتكافئ؛ حيث تُفضّل القوى الكبرى توظيف أدوات أقل كلفة سياسيًا: عمليات استخبارية، اغتيالات نوعية، هجمات سيبرانية، وحروب اقتصادية تُنهك المجتمعات دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة.

دور الولايات المتحدة: إدارة الفوضى أم منع الانفجار؟

تُظهر الوقائع أن واشنطن لا تدفع نحو حرب عالمية شاملة بقدر ما تُدير توازن توترات يخدم مصالحها الاستراتيجية. فالتصعيد في الكاريبي مع فنزويلا، والضغط على دول الخليج لمواجهة إيران، ومحاولات تحريك جبهات جنوب اليمن ضد حكومة صنعاء، كلها أدوات لإعادة ضبط النفوذ الأمريكي في مناطق تعتبرها حيوية.

في هذا السياق، يعود دونالد ترامب – أو ما يُسمّى “الأمريكيون الجدد” – بخطاب يرفض “الحروب المكلفة”، لكنه في الواقع يُكثّف الحروب غير المباشرة: العقوبات القصوى، الابتزاز السياسي، وتفويض الحلفاء بالتصعيد. هذا النموذج يسمح لواشنطن بالبقاء في موقع القيادة دون تحمّل كلفة الحرب الشاملة.

أفريقيا… الساحة المنسية

تتحول أفريقيا تدريجيًا إلى مسرح تنافس دولي حاد، حيث تُستغل الموارد البشرية والاقتصادية في صراعات بالوكالة، من الساحل إلى القرن الأفريقي، مع تصاعد التوترات بين المغرب والجزائر، وتنامي الحضور العسكري الأجنبي تحت عناوين “مكافحة الإرهاب” و“حفظ الاستقرار”.

السيناريوهات المحتملة

1) استمرار حروب الظل (الأرجح):

تصعيد استخباري، اغتيالات، عقوبات، وحروب سيبرانية دون إعلان حرب شاملة.

2) انفجار إقليمي محدود:

حرب واسعة في ساحة واحدة (تايوان، غرب آسيا، أو أوروبا الشرقية) مع احتواء دولي لمنع التعميم.

3) حرب عالمية غير معلنة:

تعدد ساحات الصراع وتكثيف الضربات غير المباشرة بين القوى الكبرى دون إعلان رسمي للحرب.

4) حرب عالمية شاملة (الأضعف احتمالًا):

لا تتحقق إلا في حال انهيار منظومات الردع وسوء تقدير استراتيجي كبير.

الخلاصة

العالم لا يتجه بالضرورة إلى حرب عالمية شاملة، لكنه يعيش بالفعل حربًا عالمية منخفضة الحدة، تُدار بأدوات الظل وتُخاض على حساب الدول الضعيفة والمجتمعات الهشة. والخطر الحقيقي لا يكمن في إعلان الحرب، بل في تطبيعها بوصفها حالة دائمة لإدارة النظام الدولي.

مصادر ومراجع مختصرة

تقارير International Crisis Group حول النزاعات الدولية (2023–2025).

تحليلات RAND Corporation وCarnegie Endowment حول حروب الظل والردع.

تقارير الأمم المتحدة بشأن النزاعات الإقليمية والعقوبات الدولية.

تصريحات رسمية لقادة الولايات المتحدة، روسيا، الصين، وإيران (مؤتمرات صحفية وخطابات عامة).

د/عبدالرحمن المؤلف – محلل سياسي متخصص في الشؤون الجيوسياسية

اقرأ أيضا: قائد الثورة هناك جولات مؤكدة مع العدو الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى