كتابات فكرية

ملاحظات على تعديلات قانون السلطة القضائية في اليمن

ملاحظات على تعديلات قانون السلطة القضائية في اليمن

بقلم/ عبدالرحمن علي الزبيب

هناك إجماع في عموم اليمن شمالا وجنوبا باختلالات جسيمة في مؤسسات القضاء،أعاقتها عن القيام بدورها الدستوري والقانوني، والمتمثل في تحقيق العدالة السريعة الناجزة والذي يحقق الاستقرار في جميع مجالات الحياة في اليمن بتحقيق الردع الخاص للمتجاوزين لحقوق الآخرين لعدم تكرار وقائعهم لأن مطرقة القانون سريعة ستضربهم وتوقفهم عن الاستمرار في انتهاكات حقوق الآخرين ومخالفة القانون وكذلك تحقيق ردع عام لعموم الشعب اليمني لعدم مخالفة القانون وعدم انتهاك حقوق الآخرين،  سواء كأفراد أو قيادات في مؤسسات الدولة ،أو كانوا أغنياء أو فقراء فالعدالة عمياء تتعامل مع الجميع بالتساوي دون محاباة ولا مجاملة ولا انحياز ولا تمييز والقانون هو الناظم لحقوق الجميع في اليمن بنصوص عامه للجميع ومجردة تحكم جميع الوقائع والحالات.

القضاء اليمني رغم الاختلالات والصعوبات التي تعيق دوره في تحقيق العدالة الناجزة إلا أن هناك نماذج إيجابية تؤكد أن بالإمكان تعميم تلك النماذج لتشمل جميع القضايا في جميع المحافظات وأهم تلك النماذج :

1-           إصدار القضاء اليمني حكم قضائي في قضية قتل خلال اثنا عشر يوم من تاريخ ارتكاب الواقعة وهذا ما حصل خلال شهر سبتمبر 2024م بعض المواطنين يشكك في ذلك وان استعجال الحكم كان السبب أن المجني عليه قاضي وهذا تشكيك غير صحيح ونؤكد بأن القضاء اليمني قادر على الفصل في جميع قضايا القتل خلال اثنا عشر يوم فقط من تاريخ الواقعة وان يعمم ذلك على جميع مؤسسات القضاء .

2-           إصدار القضاء اليمني أحكام قضائية ابتدائية واستئنافية وعليا وتنفيذ الحكم القضائي خلال شهرين فقط من تاريخ الواقعة هذا حصل في القضاء اليمني في إحدى المحافظات خلال شهري أغسطس وسبتمبر 2024م بعض المواطنين يشككوا في ذلك وان القضاء اليمني قام بذلك بسبب الضغوط القبلية لأهالي المجني عليه وحصار مكان احتجاز المتهم ومحاولة اقتحامه لإعدامه وهذا التشكيك خاطئ ونؤكد أن القضاء اليمني قادر على الفصل في جميع القضايا بأحكام قضائية نهائية وباتة وتنفيذها خلال شهرين وبالإمكان تعميم ذلك على جميع مؤسسات القضاء .

بالرغم من النماذج الإيجابية للقضاء اليمني في سرعة الفصل في القضايا وتحقيق عدالة ناجزة والذي لا نستطيع الإلمام بجميع تلك التجارب المشرقة في مؤسسات القضاء ولكن ؟

هناك اختلالات ومشاكل تعيق تعميم تلك النماذج الإيجابية وتغرق مؤسسات القضاء في مستنقع التطويل في إجراءات التقاضي و الجميع يعرف بأهم اختلالات القضاء المعيقة لدوره وأخطرها :

1-           التطويل في إجراءات التقاضي والتباطؤ في إجراءاتها المتسبب فيها سواء من مؤسسات القضاء أو من المحامين أو من أطراف الخصومة القضائية

2-           انخفاض عدد القضاة في الميدان عن المفترض بسبب الإجراءات المعقدة لوصول القاضي إلى منصة القضاء حيث لا يشكل الموجودين حاليا من القضاة نسبة 10% عشرة في المائة من العدد المطلوب لتغطية أعمال القضاء ومؤسساته.

3-           عدم تفرغ القضاة لعملهم القضائي وانشغالهم بالتحكيم وتقسيم التركات والحراسة القضائية وأي أعمال أخرى خارج القضاء تتعارض مع عملهم القضائي لتحقيق مصالح شخصية مما يشتت جهودهم ويفشل أعمالهم في القضاء ويفترض النص صراحة في القانون بمنع القضاة من الانشغال بأي أعمال أخرى خارج القضاء وفي مقدمتها منعهم من التحكيم وتقسيم التركات والحراسة القضائية وتجريم من يخالف ذلك.

4-           عدم التزام القضاة بالدوام حيث يفترض ان يكون القاضي حاضر يوميا من الساعة الثامنة صباحا وحتى الساعة الثالثة عصرا  وممارس لعمله القضائي من جلسات محاكمة وتحقيق وغيرها من الأعمال القضائية .

5-           انتشار وتفشي الرشوة في مرافق القضاء حتى أصبحت مشرعنة بالأمر الواقع.

6-           ضعف دور التفتيش القضائي في محاسبة ومسائلة والرقابة على أعضاء وموظفي القضاء لضمان حياديتهم وعدم انحيازهم واحترامهم للقانون وعدم مخالفته بأي حال من الأحوال.

7-           ضعف تنفيذ قرارات وأحكام القضاء.

8-           العلاقة السلبية العدائية بين مؤسسات القضاء وبين وسائل الأعلام وصلت إلى حالة العداء والمناكفة والعناد مما شوه صورة القضاء في المجتمع ومحاولة مؤسسات القضاء تكميم الأفواه ومنع أي نقد إيجابي لعملها وتهديد كل من يرفع صوته من ظلم أو مخالفة قاضي تهديدهم بالحبس والمحاكمة والويل والثبور ويفترض أن تكون العلاقة إيجابية بين مؤسسات القضاء ووسائل الإعلام والتعاطي الإيجابي لكل ما يطرح من نقد او شكوى مواطن في وسائل الإعلام للتحقق والتحقيق وضبط أي تجاوز او قصور وتوضيحها بشفافية للرأي العام وبما يعزز ويحسن من صورة القضاء لدى المجتمع كمؤسسات إيجابية شفافة .

9-           عدم تفعيل قاضي التصالح وقاضي تحضير الدعاوى والذي بالإمكان إذا تم تفعيل دورهما سيخفض حجم القضايا في المرحلة الأولى من التقاضي بإنهاء النزاعات بالصلح وإحالة جميع القضايا إلى قاضي الصلح لبذل جهود إيجابية لإنهاء النزاع بالتصالح قبل إحالتها للمحاكمة وحتى عند إحالتها للمحاكمة قاضي تحضير الدعوى دوره هام في استيفاء الدعوى من جميع جوانبها الشكلية والموضوعية قبل إحالتها للمحاكمة وكذلك الرد على الدعوى واستيفاء الرد حتى تحال القضايا إلى القاضي وهي واضحة جاهزة تحتاج فقط لخمس جلسات كحد أقصى للفصل فيها وإصدار الأحكام في غضون شهرين فقط .

10-        التعامل السلبي لمؤسسات القضاء مع موظفيها ومنتسبيها حيث يتعامل القضاء بإجراءات مختلفة بين موظفي القضاء وبين القضاة رغم أهمية عمل موظفي القضاء والذي لا يقل أهمية من عمل القضاة حيث يلاحظ أن هناك انتقاص كبير لحقوق الموظفين الإداريين بالسلطة القضائية مقارنة بزملائهم القضاة رغم أهمية دورهم وعملهم ويستحيل تحقيق أي نجاح في القضاء مالم يتم تضييق الفجوة الكبيرة بين القاضي والموظف الإداري بالسلطة القضائية ولن يتحقق ذلك مالم يظم مجلس القضاء الأعلى في عضويتهم موظفين إداريين بالسلطة القضائية للمطالبة بحقوق زملائهم في الميدان وتحسين أوضاعهم أسوة بزملائهم القضاة وأيضا يستلزم أن لا يتوقف ذلك في ضم ثلاثة موظفين إداريين بالسلطة القضائية في مجلس القضاء الأعلى بل يستلزم أن يتم إشراك آخرين في مجلس القضاء الأعلى كممثلين للمجتمع وان لا يكون مجلس القضاء الأعلى محصور عضويته في القضاة فقط وتغييب الكادر الإداري بالسلطة القضائية والذي يشكلون ما نسبته 80% من الكادر البشري العامل في القضاء وبقية النسبة قضاة كما أن استمرار تغييب ممثلين عن المجتمع في مجلس القضاء الأعلى يجعل من مؤسسات القضاء في جزيرة بعيدة عن المجتمع وهذا خطأ بالرغم من أن وجوبية توسيع عضوية مجلس القضاء الأعلى لأعضاء من خارج القضاء هي إحدى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني المتوافق عليها من جميع الأطراف  ويستلزم تحقيق ذلك .

11-        عدم قيام مؤسسات الدولة الأخرى بدورها وواجباتها القانونية للحد من النزاعات وقذفها جميعا الى أحضان القضاء وفي مقدمتها نزاعات الأراضي الذي تشكل ما نسبته 80% ثمانين في المائة من عدد القضايا المنظورة لدى القضاء والذي بالإمكان معالجتها بإجراءات إيجابية احترازية ووقائية تمنع وتطفئ نيران النزاع ولا يصل الى القضاء والذي تقع مسؤولية ذلك على السجل العقاري وهيئة الأراضي لتخفيض حجم القضايا لدى القضاء وانتزاع 80% من ملفات القضايا لدى القضاء ومعالجتها بشكل فني وهندسي شفاف وتشجيع المواطنين لتسجيل تصرفاتهم العقارية في السجل العقاري برسوم مخفضة شبه مجانية وبإجراءات سهله وسريعة وشفافة ومثل ذلك جميع مؤسسات الدولة التي تتخلى عن مسؤولياتها وتقذف بها نحو القضاء.

كل تلك المشاكل الذي تعيق دور مؤسسات القضاء المنشودة في اليمن يستلزم معالجتها بحلول قانونية لضمان استمرارها واستدامة تلك الحلول وتعديل قانون السلطة القضائية لتحقيق قضاء يمتلك هيبة تتكسر في محرابها أي تجاوزات ويخشى عنفوانها كل منتهك لحقوق الآخرين حضن  دافئ وملجأ واسع لكل المظلومين أفضل من حضن الأم على ولدها الوحيد المحبة له وكذلك هو القضاء المنشود في اليمن …

مؤسسات القضاء المنشود في اليمن واحة جميلة خضراء يلجأ إليها المظلومين المستضعفين لحمايتهم من الظالمين بإجراءات قانونية متميزة وحيادية وجلسات تحقيق ومحاكمة تنبض بروح القانون وتتحرك في إطاره وتصدر أحكام في فترة وجيزة دون مماطلة ولا تسويف ولا تأجيل وفي فترات محددة مسبقا يلتزم الجميع بها وإجراءات تنفيذ لتلك الأحكام بإنصاف وعدالة لا يحتاج القضاء إلى دبابات وراجمات صواريخ لتنفيذ أحكامه العدالة الناجزة والحقيقية هي السلاح الأقوى الذي يخضع الجميع له ويتحاشى الجميع الوقوف في طريق تنفيذ تلك الأحكام وبإجراءات شفافة لايشوبها سرية ولا مجاملة ولا تحامل ولا تمييز وفصل سريع في أي نزاعات تنفيذية يشعر أطراف الخصومة القضائية انهم في محراب العدالة وتحت ظل القانون وتتحقق العدالة ويستقر الوطن لان هناك قضاء شامخ قوي صامد عادل وناجز لا يجامل لا  يحابي لا يخضع لا يتماهى لا يماطل لا ينحرف مستقيم كسيف الحق يضيء بنور العدالة سراديب الظلام وتتطاير هاربة منه خفافيش الظلم والظلام.

لا نتكلم هنا عن حلم مستحيل تحقيقه في اليمن ولا نتكلم عن مدينة افلاطون الفاضلة نحن نتكلم عن قضاء يمني بالإمكان أن يكون كذلك إذا وجدت الإرادة لتحقيقها في الواقع.

وأول خطوات تلك الإرادة لتحقيق قضاء عادل تبدأ من تعديل قانون السلطة القضائية الذي يستوجب أن يواكب واقع القضاء في اليمن وينقله بشكل عاجل من واقعه البائس إلى واقع أكثر إشراقا اختلالات القضاء ليست بحاجة الى تشخيص فقد شخص الجميع مشاكله وبالتفصيل وكل من يدخل القضاء لرفع دعوى او الرد على دعوى او لأي سبب كان سيعرف ما هي اختلالات القضاء ولكن ؟

المطلوب هي الحلول والمعالجات العاجلة لتلك المشاكل المتراكمة الذي أثقلت كاهل القضاء والذي تداعى الجميع لتنفيذ تلك الحلول والمعالجات والبدء بإعادة صياغة قانون السلطة القضائية ليكون للشعب جميع الشعب دون تمييز ولا انحياز والجميع مطالب بطرح رؤاه لتلك الحلول وتعديل قانون السلطة القضائية لتجاوز المعيقات التي تعترض مساره وطريقه.

لذلك تزامن تقديم مشروع تعديلات قانون السلطة القضائية في شمال اليمن وأيضا مشروع تعديلات آخر في جنوب اليمن تم تقديمه لتحقق قضاء عادل ومعالجة كافة الاختلالات التي تعيق مؤسسات القضاء.

ويستلزم ان لا تتوقف الجهود في إصدار تعديلات قانون السلطة القضائية بل يجب أن تستمر لمتابعة وتقييم تنفيذ تلك النصوص واتخاذ إجراءات صارمة وسريعة ضد المخالفين لها حتى يلامس المواطنين في جميع المحافظات التغيير الإيجابي في واقع مؤسسات القضاء وتلاشى الاختلالات.

وفي الأخير :

نأمل التعاطي الإيجابي مع أي جهود إيجابية لتحسين وتفعيل دور مؤسسات القضاء وفي مقدمتها تعديل قانون السلطة القضائية وان يشارك الجميع في إصلاح القضاء كونه المؤسسة الضامنة لحقوق المجتمع ولن تتحقق أي تنمية في اليمن مالم يتم إصلاح القضاء ومعالجة اختلالاته وان يلامس جميع أفراد المجتمع في جميع محافظات اليمن تغيير إيجابي وواقع إيجابي جديد في واقع القضاء اليمني دون تطويل ولا رشوة ولا تباطؤ ولا مماطلة وان يعود القضاء الى مساره الصحيح كملجأ للمظلومين وليس سيف مسلط بيد الظالمين بسبب اختلالات القضاء.

الجميع في اليمن منتظر تغيير إيجابي في واقع القضاء اليمني والذي يستلزم المسارعة في معالجة الاختلالات المعيقة للقضاء بإجراءات سريعة وصارمة لتحقيق القضاء اليمني هدف وجودة في تحقيق ردع عام وردع خاص واحترام الجميع للقانون وواجب على الجميع وفي مقدمتها وسائل الإعلام والناشطين في المجتمع المشاركة في أي جهود إيجابية لتحقيق قضاء عادل نزيه يحقق عدالة ناجزة دون تباطؤ ولا تطويل وما أوردته أعلاه هو مساهمه بسيطة لتسليط الضوء ووضع ملاحظات على تعديلات قانون السلطة القضائية في اليمن.

إعلامي مستقل ومستشار قانوني

law711177723@yahoo.com

اقرأ أيضا للكاتب:تأثير الأيدلوجية السياسية على ترجمة الأخبار السياسية المتعلقة بالحرب على اليمن

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى