كتابات فكرية

مقدمات وإرهاصات التغيير في اليمن المعاصر

مقدمات وإرهاصات التغيير في اليمن المعاصر

  • أمين الجر

الجمعة 12 سبتمبر 2025-

21 سبتمبر 2014 مثل نقطة تحول محورية في مسار التاريخ اليمني، وهو وليد تراكمات تاريخية وسياسية عميقة، لا يمكن فهمه بمعزل عن سياقها البنيوي والموضوعي. التاريخ ليس مجرد سرد تفصيلي محايد للأحداث، بل هو نتاج تداخلات ذهنية وقناعات نفسية تتحكم بها الأهواء والرغبات، ما يجعل الحقيقة التاريخية نسبية ومتغيرة تبعاً لموازين القوى ومصالح المنتصرين، الذين يفرضون سردياتهم المنحازة والمغلفة بالمقدس.

في السياق اليمني والعربي، كان الخطاب الرسمي للتاريخ الإسلامي يتسم بمقدسية زائفة، تحول فيها المنتصر إلى بطل ملائكي لا ينفذ إلا مشيئة القدر الإلهي، بينما شُوّه المهزوم ليُجسد الشر المطلق. هذا المناخ من التسييس والتحيّز في صياغة التاريخ يضع البحث في أحداث 21 سبتمبر في دائرة التحدي والمغامرة، إذ يتعين اختراق الخطاب الرسمي المغلق للوصول إلى رؤية موضوعية عميقة تفسر هذه اللحظة التاريخية الكبرى.

يمكن اختزال السياق الموضوعي الذي نجم عنه هذا الحدث في عدة شروط بنيوية وأزمة مركبة:

– تصاعد أزمة الهيمنة الطبقية والسيطرة العسكرية على السلطة عقب ثورة 26 سبتمبر 1962، حيث تمت ممارسات التهميش والإقصاء القسري للشرائح الاجتماعية المرتبطة بالنظام السابق، مما عمّق الانقسامات الاجتماعية والسياسية.

– تشرب العقل السياسي اليمني لعقلية أمنية استخباراتية عميقة، استُخدمت كأداة لتعطيل أي مشروع دولة مدنية حديثة، وتفكيك أي مشروع وطني شامل يرتكز على مواطنة حقيقية.

– الاعتماد على نماذج سياسية ثورية خارجية قسرية لم تراعي خصوصيات المجتمع اليمني، فُرضت من أعلى بطريقة استبدادية قمعية، ما زاد من تعميق الثنائية السياسية وغياب الشرعية الحقيقية.

– غياب لمنظومة سياسية حرة ومتعددة، حيث سيطرت العصبويات القبلية والقرابية في كل النماذج الحاكمة، مسيسةً الدولة بأسوأ الصور وأبعدت الشعب عن المشاركة الحقيقية.

– رفض الاعتراف بالتعددية الوطنية والاختلاف السياسي والثقافي والاجتماعي، مع استيراد مناهج تربوية وثقافية أجنبية متناقضة مع بنية الهوية المحلية، محدثة شرخاً مستداماً في النسيج الوطني.

– رسوخ منظومة استبدادية تعمل على حفظ المصالح الشخصية والطبقية، ومجابهة كل محاولة لإصلاح الدولة أو تحقيق رشيديتها، ما أدى في النهاية إلى إفراغ أهداف ثورة 26 سبتمبر من جوهرها.

– تسلم قيادات عسكرية غير كفوءة السلطة عبر الانقلابات والتوافقات غير الشعبية، لترسخ ثقافة القهر والإقصاء، وتسيطر على مفاصل الدولة بقوة السلاح.

– تشابك الوحدة اليمنية وانتكاسة حرب 1994، وانتشار الأجندات الدينية المتطرفة بدعم رسمي وإقليمي، الأمر الذي أسس لأزمات أمنية واجتماعية مركبة.

– الهيمنة القبلية على الدولة بشكل عضوي ولا شرعي، مما عطل مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة، التي تم الاتفاق عليها في مخرجات الحوار الوطني الشامل.

– بروز ثقافة أبوية مركزية، اختزلت الأمة في شخصية الحاكم الواحد، مما أدى إلى صراعات داخل الأسرة الحاكمة، وتصاعد مشروع توريث الحكم، الذي مثل أزمة مركبة للعقل السياسي والنخبوي.

– في هذا المناخ المتفجر، جاءت ثورة الشباب في 11 فبراير 2011 كفصل جديد، ومع انقسام النخب الحاكمة أثرت بشكل جذري على موازين القوى وأعادت تشكيل المشهد السياسي.

– في مواجهة تهم الانقلاب والتشارك مع النظام القديم، أدركت القوى الوطنية الثورية ضرورة القطع مع المنظومة الفاسدة، والتمسك بمشروعها السياسي الذي أرعب تحالف العدوان، فتحولت الثورة إلى مقاومة شرسة لحرب ضروس وحصار، مع تلاقي إرادات الثورة مع تطلعات الشعب اليمني نحو دولة العدالة والمساواة.

في ضوء هذا، تحتم اللحظة التاريخية الراهنة إعادة تأمل دور ثورة 21 سبتمبر بوصفها امتداداً حقيقياً لحركة التحرر الوطني من منظومة الفساد والاستبداد، والتحول الديمقراطي الوطني. لقد حان الوقت للقطع النهائي مع إرث الاستبداد السياسي والاجتماعي، والامتثال لحتمية التحول الديمقراطي الذي يعيد صياغة الدولة والمجتمع على أسس المواطنة والعدالة، ليكون الحدث الثوري أنقى وأصدق حدث في تاريخ الأمة المعاصرة.

اقرأ أيضا:جار الله عمر في مذكراته.. وفي ذاكرتي (3 – 3)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى