حذار حذار حذار الفرز العرقي

حذار حذار حذار الفرز العرقي
- حسن الدولة
الأحد6 يوليو 2025_
بالأمس قرأت تعليقا لأحد الأصدقاء على بيان مفبرك واضح الاختلاق، والسيد السياسي، والمعلق والناشر يشيران إلى من اختلق تلك الفرية, سعيا لتكريس الفرز العرقي والسلالي الذي يعتبر أخطر ما يمكن أن تتعرض له المجتمعات المتعددة الأعراق والمذاهب مثل اليمن، إذ يضرب الفرز العرقي في صميم النسيج الاجتماعي ويهدد بتفكيك الهوية اليمنية الجامعة التي يستظل بها كل يمني بحمل الهوية اليمنية- لمصلحة هويات فرعية متصارعة.
إن وضع بيان باسم وهمي لا وجود له “رابطة الجمهوريين الهاشميين” انه اختلاق يعد أداة من أدوات التمزيق الناعم التي تنسف مفهوم المواطنة المتساوية وتحول الانتماء الوطني إلى ولاءات متعددة، قحطانية وعدنانية أو مذهبية أو منطقة.
إن ما يُحاك اليوم تحت غطاءات مختلفة من شعارات دينية أو تاريخية أو حتى قومية، ليس إلا إعادة إنتاج لأوهام الهيمنة باسم المجد العائلي أو التميز العرقي. وفي اليمن، لطالما ظل المجتمع رهينة صراعات تعود جذورها إلى هذا النوع من التقسيم الخبيث، لكن الخطورة تضاعفت حين تحوّل الخطاب السلالي إلى مشروع سياسي منظم، يستثمر في الأعراق ، وظهرت جماعات تحت يافطات قميئة البطنين أو الأقيال أو العباهلة، والوعوليين ليُخضع الدولة والمجتمع لمنطق العصبية والاستعلاء.
وما يُروى عن حوار دار بين الأمير سلطان بن عبدالعزيز والرئيس السابق في منتجع “كومو” بإيطاليا حول معاهدة الطائف، حين طالب صالح أن يعمل بها كمنظومة متكاملة في إشارة إلى المادة الأولى من المعاهدة التي تنص بأن يعترف الإمام يحيى بالملك عبدالعزيز حاكما للمملكة العربية السعودية ومن بعده أولاده ، وكذلك يعترف عبدالعزيز ومن بعده أولاده بالإمام يحيى ملكا للمملكة المتوكلية اليمنية، وذلك الحوار ليس مجرد سردية عابرة، بل هو مفتاح لفهم عقلية كانت تميل إلى تحويل الوطن إلى مشروع شخصي، مستوحى من فكرة الإمام يحيى في تسمية اليمن بالمملكة المتوكلية اليمنية. حين طُرح على عفاش أن يسمي اليمن باسم عائلته كما فعل الإمام والملك عبدالعزيز، ويبدو أن الفكرة وجدت طريقها إلى ذهن عفاش فتحول الاسم إلى رمز: فأنشأ صالح مدنا في عموم محافظات الجمهورية سماها مدن الصالح، وقام ببناء اكبر جامع في اليمن أطلق عليه اسم “جامع الصالح” كما أسس “جمعية الصالح” في محاولة بائسة للتمهيد لما كان يتمناه كمفهوم ضمني عن “الجمهورية الصالحية”، وهي ليست أكثر من قناع لإحياء ملكية بلبوس جمهوري.
ومن هذا المنطلق قام المطبخ العفاشي بكتابة ما أطلقوا عليه بيان: “رابطة الجمهوريين الهاشميين” سيرا على ذات الاختلاق الذي تبناه الجنرال علي محسن – علي كاتيوشا حسب الشهيد عبدالكريم الخيواني –
هذا النوع من التفكير الاستحواذي لا يقل خطرًا عن الخطابات الأخرى التي تتبناها جماعات أخرى التي توظف الدين والمذهب لإعادة إنتاج نفس الفرز السلالي ولكن بلغة مختلفة، كمدونة السلوك الوظيفي أو ما يُسمى ب”الهوية الإيمانية” وكلاهما ليسا إلا آليتين للتمييز بين المواطنين وفق معيار الولاء العقائدي، لا الكفاءة ولا المصلحة العامة.
إنهما صورتان من صور التطهير العرقي الناعم الذي يُقصي كل من لا يتماهى مع هذا النموذج الطائفي المغلق.
ولعل البيان المفبرك الذي نسب إلى من سموهم بـرابطة: “الهاشميين الجمهوريين” ليس إلا محاولة مكشوفة من قِبل أتباع عفاش للتشويش على كاتب ذكر حوار منتج “كومو” بإيطاليا المذكور أنفا والذي أزعجهم التذكير به، فابتكروا “رابطة وهمية” باسم جذّاب لتبرير حملتهم ضدا على أنصار الله،. وهي حيلة قد تنطلي على السذج وأتباع كل ناعق، لكنها لا تخدع من يعرف كيف يُقرأ الخطاب، وكيف تُستخدم المكايدات السياسية، في الشحن العرقي النتن، واختلاق الهويات المفبركة في المعارك السياسية، ليس دفاعا عن وطن، بل ذودا عن حلم جملكة الجمهورية عن طريق توريث غلمان الحكام الحكم.
فأقول لهؤلاء وأولئك بأن الفرز العرقي والسلالي يُدمّر الدول من الداخل، لأنه يُغرقها في صراعات وجودية لا سياسية، ويحوّل الدولة من حاضنة للناس جميعا إلى مزرعة تورث للغلمان، وما تسريب مقابلة “احمد علي عفاش” للأمير سلطان إلا فبركات تنم عن أحلام هوس التوريث في خدمة فئة محددة.
ومكافحة حكم سلالي بحكم سلالي، هم كمن يحارب السلالية بسلالية وكلاهما يشبهان من يريد أن يطهر النجاسة بنجاسة.
ويحذر علم الاجتماع هذا النوع من التمييز كونه يُعد من أشرس أشكال العنف الرمزي، لأنه يُشرعن الامتيازات لا بالجهد والكفاءة، بل بالنسب والانتماء، ويُقسم المجتمع إلى طبقات غير مرئية لكنها مؤثرة وخطيرة. إنه تمزيق ناعم لكنه لا يقل تدميرًا عن الحرب.
ولهذا فإن الوقوف ضد هذا النوع من الخطاب لم يعد ترفا ولا خيارا، بل هو واجب وطني وديني وأخلاقي، لأن استمرار اللعب على أوتار النسب والمذهب والسلالة يعني جرّ اليمن إلى هاوية أعمق مما هي فيه.
فما يحتاجه اليمن اليوم ليس خطاب الكراهية والتمييز، بل ميثاق وطني جديد يقوم على المساواة والكرامة والعدالة، فكل من ينفخ في نار السلالة، سواء باسم الدين أو الثورة أو الجمهورية، إنما يُغذي نار التمزق والانقسام، ويمهد لمستقبل يعادي أحلام الأجيال في وطن يتسع للجميع.
وعلينا أن نؤمن بأن اليمن لا يمكن أن يُبنى بسلالة، ولا بمذهب، ولا بعائلة، بل بمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، يجمعهم الحلم نفسه، ويؤمنون بوطنٍ واحدٍ لا يفرق بين أحدٍ بسبب أصله أو نسبه أو جهته. فحذار حذار حذار من الفرز العرقي، لأنه بداية الخراب، لا نهايته.
