كتابات فكرية

ما استراتيجية حماس في التفاوض حول خطة ترامب؟

ما استراتيجية حماس في التفاوض حول خطة ترامب؟  

بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف

الثلاثاء 7 أكتوبر 2025-

منذ إعلان خطة ترامب–نتنياهو المتعلقة بغزة، تباينت الردود بين الإدانة والرفض والتريّث، لكن اللافت أن حماس اتخذت موقفًا دقيقًا: القبول المبدئي بالدخول في مفاوضات فنية على التفاصيل، مع التأكيد على رفض البنود المركزية التي تقتلع جذور المقاومة والحقوق الفلسطينية. هذا الموقف ليس عشوائيًا؛ بل هو تعبير استراتيجي عن توازن سياسي–عسكري تديره الحركة بدقة، في سياق ضغوط ميدانية، وسعي للبقاء في موقع المؤثر، لا المنهزم.

ملامح الموقف: ما بين القبول والرفض الصريح

في مقابلة مع شبكة BBC، أكدت حماس رفضها التام لبعض البنود الجوهرية للخطة، مبررة ذلك بعدة أسباب:

غياب التزام نهائي بوقف الحرب وحق العودة والانسحاب الكامل.

عدم وضوح في ضمانات كافية بعدم استئناف القصف أو التهجير.

غياب أي ذكر لتعويضات عن الدمار أو تحميل الكيان وأمريكا المسؤولية.

رفض القوة الدولية باعتبارها نسخة جديدة من الاحتلال، ورفض نزع السلاح كشرط مسبق.

المخطط يُعدّ محاولة لتصفية المقاومة وتكريس الاحتلال، وإضفاء غطاء قانوني ودبلوماسي على التمدد الصهيوني.

هذه المواقف التي صدرت علنًا توضح أنّ القبول بالخطة ليست مطلقًا، بل مشروط، وأن مفاوضات تفصيلية تُعدّ جزءًا من استراتيجية الوصول إلى أفضل شروط ممكنة، مع الحفاظ على ثوابت الحركة.

قراءة استراتيجية: لماذا تفتح حماس الباب للمفاوضات؟

1. تحسين الشرعية الداخلية والدولية

قبول الدخول في مفاوضات يُعطي حماس مظهر الطرف المسؤول الذي لا يرفض كل مبادرة، مما يقلل من الاتهامات بالخيار الوحيد العسكري. في الوقت نفسه، يُظهرها أمام الرأي العام والعواصم كطرف يُراعي الضغوط الإنسانية، لا ككيان يرفض الحوار بشكل مطلق.

2. استخراج مكاسب إنسانية عاجلة

بعض البنود التي قد تدخل ضمن تفاوض فني — مثل وقف القصف، فتح معابر إنسانية، إطلاق أسرى، إدخال مساعدات — تمثل مكاسب فورية يمكن أن تخفف من معاناة سكان القطاع وتعزز موقفها.

3. كسب الوقت والضغط الدولي

المفاوضات الفنية تأخذ وقتًا؛ هذا يمنح المقاومة مزيدًا من الزخم العسكري والدبلوماسي، ويُبقي الشارع الفلسطيني والعربي في حالة يقظة تجاه الشروط التي تُفرض عليها، كما قد يُشغّل الفاعلين الدوليين على مراقبة التنفيذ.

4. التمسك بالخطوط الحمراء

حتى مع التفاوض، تسعى حماس إلى وضع خطوط حمراء لا تتنازل عنها: لا نزع سلاح كامل، لا وصاية دولية، لا إقصاء للمقاومة، لا تنازل عن الحقوق الأساسية. هذه الخطوط تمثل الضمانات التي لا تقبل التفاوض على أساسها.

ما الذي لن ولن تفعله حماس؟

لن توافق على خطة تفرض نزع سلاحها الكامل قبل وجود ضمانات دولية وإقليمية قوية وصيغة سياسية تطلبها.

لن تقبل مخططًا يُقصيها من دورها السياسي أو يُحوّل القطاع إلى إدارة خارجية دون شرعية فلسطينية.

لن تُسلم المقاومة طوعًا لأن ذلك يعني هزيمة تاريخية لا تُقبل شعبياً أو عقائدياً.

لن تقبل خطة تُلغِي الحقوق الوطنية وتعتبر غزة فقط ملفًا إنسانيًا، لا وطنًا تاريخيًا.

التحديات التي تواجهها حماس في المفاوضات

الربط المشروط للانصراف الإسرائيلي بمعايير أمنية يُمثل ورقة تلاعب كبيرة يملكها الاحتلال ويستطيع تأويلها بشكل يعطل التنفيذ.

غياب آليات رقابة دولية أو شرطة تنفيذية تجعل الاتفاق مفتوحًا على الترجمة.

الضغط العسكري المستمر من إسرائيل في أي لحظة يمكن أن يُجهض التفاوض أو يجري تغييرات مفاجئة في الشروط.

تباين المواقف العربية والدولية: بعض الدول قد تضغط لإبرام صفقة بكلفة عالية على المقاومة، أو تساوم على شروط لا تقبلها المقاومة.

المقارنة بين ما يُعلن وما يُطبّق: التعديلات اللحظية التي يُدخلها الاحتلال أو الولايات المتحدة قد تغيّر جوهر الاتفاق بعد توقيعه.

خاتمة:

 مقايضة ليست مناقصة

موقف حماس في هذه المرحلة هو مقايضة دقيقة بين التخفيف من الخسائر المعنوية والمادية، والمحافظة على الثوابت التي لا يجوز المساس بها. وهي تعلم أن القبول الكامل — كما صيغت الخطة المعلنة — يعني تسليم مفتاح غزة والتنازل عن أولوية الحقيقة الوطنية.

إذا نجحت المقاومة في إبقاء المفاوضات حية، مع تمسك بشروطها ومراقبة فعلية من الشعب والدول الداعمة، فقد تستخرج ما يمكن استرجاعه من مكتسبات. أما إذا رضخت للخطة كاملة، فستكون الخسارة أكبر من أي انتصار مؤقت.

ولذلك، فإن استراتيجية حماس — وهي صعبة ومرهقة — هي أن تقبل الحوار فقط إذا جاء بموازنة بين الضغوط والمكاسب، وأن تكون المفاوضة دفاعًا عن الحقوق لا استسلامًا مسبقًا.

 اقرأ أيضا:الأستاذ عبد العزيز البغدادي يتساءل.. أهذه غزة أم الدمار العالمي الجديد؟!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى