كيف سترد إيران؟ قراءة في سيناريوهات ما بعد الضربة

كيف سترد إيران؟ قراءة في سيناريوهات ما بعد الضربة

بقلم الدكتور :عبدالرحمن المؤلف
الجمعة13يونيو2025_
في خضم التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، وبعد العدوان الإسرائيلي على إيران فجر اليوم الجمعة ، تزداد المؤشرات على اقتراب مواجهة عسكرية مفتوحة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى. فبعد إعلان واشنطن سحب دبلوماسييها من بغداد وأربيل والبحرين والكويت، ونقل عائلات العسكريين من المنطقة، تتعزز التقديرات بأن ضربة محتملة ضد المنشآت النووية الإيرانية باتت وشيكة. والسؤال الأكثر إلحاحًا الآن: كيف سترد طهران؟
ليست إيران دولة تُفاجَأ، بل هي صاحبة عقيدة عسكرية تقوم على الردع المتعدد والموزع، الذي يجمع بين القوة المباشرة والقدرة على المناورة السياسية والأمنية. ولذلك، فإن ردها المحتمل على أي ضربة عسكرية سيكون شاملاً ومتدرجاً، ولن يقتصر على ساحة واحدة أو أداة واحدة.
أولاً: في قلب الكيان… ضربة مقابل ضربة
أحد أقوى الردود المتوقعة من إيران هو استهداف المنشآت النووية أو العسكرية الحساسة في الكيان الصهيوني. فإيران ترى أن الهجوم على منشآتها النووية يمثل تجاوزًا للخطوط الحمراء، ويبرر استهداف مواقع مثل “ديمونا” أو قواعد الصواريخ والقيادة.
تمتلك طهران قدرات صاروخية متقدمة وطائرات مسيّرة بعيدة المدى يمكنها الوصول إلى العمق الإسرائيلي بدقة عالية. ولن يكون مفاجئاً أن تختار إيران تنفيذ ضربة رمزية ومباشرة لإثبات قدرتها على الردع، وكسر التفوق النفسي الذي تحاول إسرائيل ترسيخه.
ثانيًا: أمريكا في مرمى النار
الوجود العسكري الأمريكي في العراق وسوريا والخليج سيكون هدفًا مباشرًا للرد الإيراني. فالقواعد الأمريكية في عين الأسد والحرير والعديد والظفرة وغيرها تقع ضمن مدى الصواريخ الإيرانية، كما أن المجموعات المتحالفة مع إيران – من الحشد الشعبي في العراق إلى اليمن – جاهزة لتحويل كل ساحة إلى جبهة نار.
أي ضربة أمريكية ستفتح الباب أمام ردّ مزدوج: صاروخي مباشر من إيران، وهجمات عبر محاور متعددة. وهو سيناريو لا تسعى واشنطن إلى تفعيله إلا إذا كانت مضطرة، لما يحمله من تكاليف بشرية واستراتيجية.
ثالثًا: الرد النووي غير العسكري
بعيدًا عن الصواريخ، تملك إيران ورقة لا تقل خطورة: تسريع برنامجها النووي كنوع من الرد السياسي والاستراتيجي. فمن المرجّح أن تعلن طهران:
رفع نسبة التخصيب إلى مستويات عسكرية (أكثر من 90%).
تشغيل منشآت جديدة غير معلنة سابقًا.
تقليص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وربما الأهم من ذلك، أن إيران قد تعلن الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT)، ما يعني أنها تصبح دولة “على العتبة النووية” دون التزام دولي، في رسالة واضحة مفادها: “إذا فشل الردع، فالسلاح النووي هو البديل”.
رابعًا: تفجير الإقليم… الحرب غير المتماثلة
لن تتوانى طهران عن تفعيل “محور المقاومة”، عبر تفجير ساحات اخرى و مشاركتها في المواجهات لتخفيف الضغط عن الداخل الإيراني. من لبنان إلى اليمن، ومن سوريا إلى غزة، كل هذه الساحات قد تتحرك بشكل منسّق، ليس فقط لرد الاعتبار، بل لإرباك العدو وتوسيع جبهة الاشتباك.
وقد تشمل هذه الردود:
إغلاق مضيق هرمز مؤقتًا لرفع أسعار النفط.
هجمات بحرية على السفن الغربية أو الإسرائيلية.
عمليات سيبرانية لتعطيل بنى تحتية حيوية في دول معادية.
هذه “الحرب غير المتماثلة” تمثّل أحد أقوى أسلحة إيران، والتي أتقنت استخدامها خلال العقدين الماضيين دون أن تتورط في مواجهة مباشرة كبرى.
خامسًا: السيناريو المركّب… الرد الشامل
السيناريو الأرجح والأكثر خطورة أن إيران ستجمع بين كل ما سبق، وفق تسلسل متدرج ومحسوب. أي أنها قد تبدأ برد صاروخي محدود، يتبعه تصعيد دبلوماسي نووي، ومن ثم تفعيل محاور المقاومة وعمليات استخبارية وفوضى أمنية في المنطقة.
بهذا الأسلوب، تسعى إيران إلى:
الحفاظ على هيبة الردع.
عدم استنزاف قدراتها في معركة مفتوحة.
إيصال رسالة بأن أي استهداف للنظام الإيراني سيكلّف خصومها الكثير.
ختامًا: لحظة الحقيقة تقترب
إيران اليوم ليست إيران عام 2003 أو حتى 2011. هي أكثر خبرة، أكثر استعداداً، وأقل تردداً في الانتقال من الدفاع إلى الهجوم. وإذا اختارت واشنطن وتل أبيب كسر قواعد اللعبة، فعلى الجميع أن يتهيأ لحرب ليست كباقي الحروب، حيث لن تبقى الجغرافيا على حالها، ولن يظل النفط يتدفق بسلاسة، ولن تنجو أي عاصمة من ارتدادات النار.
اقرأ أيضا:إسرائيل تشن عدوان واسع على إيران وطهران تتوعد بالمصير المؤلم
