غزة بعد 650 يومًا: المجاعة كشاهد على انهيار القيم العالمية

غزة بعد 650 يومًا: المجاعة كشاهد على انهيار القيم العالمية
بقلم: د/عبدالرحمن المؤلف
الأثنين21يوليو2025_
دخلت غزة عامها الثاني من الإبادة الجماعية، 650 يومًا من الحصار والتجويع الممنهج، في مشهد يُجسِّد أبشع ما يمكن أن تصل إليه البشريّة من انحطاط أخلاقي وتواطؤ دولي. أكثر من عام ونصف من القصف والمجاعة، بينما العالم يقف إمّا صامتًا أو شريكًا في الجريمة.
خذلانٌ عربي وتواطؤٌ غربي
من المؤلم أن أول ما تلاحظه في لوحة المأساة الغزّية هو الغياب العربي الكامل، بل التآمر المباشر. زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى الخليج قبل أسابيع، ونجاحه في انتزاع ما يقارب خمسة ترليونات دولار من ثلاث دول عربية دون أن يُكلّف نفسه حتى ترديد عبارة “رفع الحصار عن غزة”، تكشف كم باتت فلسطين خارج الحسابات السياسية والإنسانية لبعض الأنظمة. لا مطالب، لا شروط، لا كرامة.
أما أوروبا، فتركت أخلاقيّاتها الليبرالية في قاع البحر المتوسّط، حين أعلنت مؤخرًا عن “اتفاقٍ” مع الاحتلال الصهيوني لإدخال مساعدات إنسانية إلى غزة. ما لبث أن تبيّن أن هذا الاتفاق لا يعدو كونه خدعة دعائية لا تساوي الحبر الذي كُتب به. فعليًا، لا مساعدات، ولا ضغوط حقيقية، ولا تغيير على الأرض.
العالم اللاتيني يستيقظ… والعرب يغيبون
في العاصمة الكولومبية بوغوتا، اجتمع عدد من قادة أمريكا اللاتينية، وعلى رأسهم رئيس جنوب إفريقيا، في مؤتمر تضامني مع غزة، في لحظة رمزية تعبّر عن روح العدالة العالمية التي تنبع من الضمير لا من المصالح. المفارقة المؤلمة أن قادة العرب غابوا جميعًا، كأن غزة تقع على كوكب آخر، أو كأن الدم الفلسطيني لا يعني لهم شيئًا.
لماذا كل هذا الصمت؟
الأسئلة كثيرة، لكن الجواب واضح: غزة ليست أولوية. لا للفاسدين في العواصم الغربية، ولا للمطبعين في العواصم العربية. تغيّرت البوصلة، وتحول الضحايا إلى أرقام هامشيّة في تقارير صحفية، بينما يحظى القاتل بدعم مالي وسياسي وعسكري غير مسبوق.
المبررات الجاهزة تتراوح بين “محاربة الإرهاب”، و”الحفاظ على الاستقرار”، و”التحالفات الاقتصادية”، لكن كل ذلك لا يخفي الحقيقة العارية: ما يجري في غزة هو تجويع جماعي وإبادة منظّمة تُنفّذ على مرأى ومسمع العالم كله، دون محاسبة، ودون ردع.
التداعيات على غزة والعالم
في غزة، الكارثة لم تعد إنسانية فحسب، بل وجودية. أجيال من الأطفال تنمو وسط الجوع والخوف والدمار، دون غذاء أو دواء أو أفق. في المقابل، يزداد شعور سكان القطاع بأنهم تُركوا وحدهم، ما يغذّي موجات الغضب واليأس، ويفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر سوداوية.
أما على المستوى العالمي، فإن هذه الفضيحة الأخلاقية تعني شيئًا أكبر: نهاية عصر القيم الغربية التي طالما تباهت بحقوق الإنسان. إن استمرار دعم الاحتلال رغم كل ما ارتكبه – مدعومًا بالسلاح الأمريكي والصمت الأوروبي – ينسف ما تبقى من شرعية أخلاقية للنظام العالمي.
الختام: من يتحدث باسم الضمير؟
مرّت 650 يومًا، وما زالت غزة تنزف. السؤال لم يعد: “لماذا لا يساعدها العالم؟” بل أصبح: “من بقي يملك قلبًا؟” في زمن الحسابات الباردة، يُصبح من يقف مع غزة استثناءً في بحر من النفاق. لكن، وكما أثبتت كل تجارب التاريخ، فإن الشعوب التي تتألم بصمت، تنهض يومًا بصوتٍ لا يُقهر.
المراجع :
تقرير الأمم المتحدة حول الوضع الإنساني في غزة (OCHA)
تصريحات الاتحاد الأوروبي بشأن المعابر (EU External Action, 2025)
مقابلة ترامب مع Fox News، يونيو 2025
تقارير المؤتمر اللاتيني في بوغوتا (BBC América Latina، يوليو 2025)
بيانات منظمات حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية
اقرأ أيضا:في غزة ..يأكلون الرمال بعد وصول سعر رغيف الخبز لـ 15 دولار ما يعادل 8025 ريال يمني
