كتابات فكرية

صنعاء وتل أبيب .. من يردع من؟

صنعاء وتل أبيب .. من يردع من؟

بقلم: الدكتور عبدالرحمن المؤلف

الاربعاء11يونيو2025_

في خضم التحولات الجارية في البحر الأحمر والتصعيد المتزايد بين اليمن والاحتلال الصهيوني، برزت تطورات ميدانية تكشف ملامح تحول استراتيجي حاد، لا يقل أهمية عن التصعيد في غزة أو الجولان. بين تهديدات ناطق القوات المسلحة اليمنية يحيى سريع بجعل الطائرات الصهيونية “أضحوكة”، واستخدام الاحتلال لسفنه الحربية لضرب الموانئ اليمنية، ثم إدخال اليمن لأسلحة جديدة أبرزها “الصواريخ الشظوية”، يقف المشهد على مفترق طرق يطرح تساؤلًا جوهريًا: هل نحن أمام استعراض قوة صهيوني، أم انكشاف ضعف غير مسبوق؟

المدافع من البحر… خوفًا من السماء؟

استخدام الاحتلال الصهيوني لسفنه الحربية في مهاجمة الموانئ اليمنية يعكس من جانب ظاهري امتلاك تل أبيب لأدوات الضرب عن بُعد والتفوق البحري، لكن القراءة العميقة تكشف تراجعًا في جرأته على استخدام قوته الجوية، المعروفة تاريخيًا بأنها ذراعه الطويلة والحاسمة.

فالاحتلال، الذي لم يتردد في السابق بإرسال طائراته إلى أقاصي القارة الإفريقية، بات اليوم يتحاشى الطيران فوق اليمن. تهديد صنعاء بإسقاط الطائرات وتحويلها إلى “أضحوكة”، لم يأت من فراغ، بل من رصيد عملياتي أثبت قدرات يمنية متقدمة في الرصد والتصدي للطيران. وبالتالي، فإن لجوء العدو إلى القصف من البحر، ليس تعبيرًا عن ثقة، بل عن حذر عميق ناتج عن إدراكه لمخاطر المواجهة الجوية المباشرة مع القوة اليمنية المتعاظمة.

الصواريخ الشظوية نقلة في إستراتيجية الألم

وإذا كان القصف البحري يوحي بمحاولة تلافي الخسائر، فإن الرد اليمني باستخدام “الصواريخ الشظوية” يمثّل تحوّلًا نوعيًا في مسار الردع. هذه الصواريخ لا تستهدف نقطة عسكرية بدقة، بل تُحوِّل مناطق كاملة إلى ساحات مميتة عبر آلاف الشظايا القاتلة، ما يضع الجبهة الداخلية الصهيونية أمام تهديد واسع النطاق لا يمكن احتواؤه بسهولة.

دخول هذه الصواريخ على خط المواجهة يشير إلى أن اليمن لم يعد يكتفي بردّ رمزي أو تكتيكي، بل يسعى لإيصال الألم إلى العمق الإسرائيلي بمنطق جديد: ألم واسع بأدوات بسيطة. هذا النمط من الهجوم يعقّد مهام منظومات الدفاع الجوي مثل “القبة الحديدية”، التي وُضعت أصلًا لاعتراض صواريخ موجهة لا شظايا متفجرة في الجو.

ماذا يعني كل ذلك؟

ما يجري اليوم يكشف عن ثلاث حقائق إستراتيجية:

1. الردع الجوي الإسرائيلي لم يعد مضمونًا: فتل أبيب لا تتجرأ على استخدام طائراتها في الأجواء اليمنية، وتكتفي بقصف من البحر، ما يُظهر تغيّرًا في موازين الاشتباك.

2. اليمن يمتلك قدرة تصعيد تدريجي محسوب: بدءًا من استهداف السفن، وصولًا إلى ضربات دقيقة، ثم دخول الصواريخ الشظوية، ما يكشف عن عقل عسكري قادر على إدارة الصراع بإيقاعه الخاص.

3. المعركة ليست فقط على البحر الأحمر… بل على صورة “إسرائيل” الردعية: فأن تُجبر على تفادي المواجهة المباشرة، وتعيش تحت تهديد صواريخ بدائية تزرع الشظايا في عمقك، فذلك يعني أنك لم تعد تملك زمام المبادرة وحدك.

ختامًا: من يملك اليد العليا؟

ليست المسألة في من يملك غواصات أو طائرات أو أقمار صناعية، بل فيمن يملك القدرة على إعادة صياغة قواعد الاشتباك. واليمن، في هذه المرحلة، يثبت أنه ليس مجرد لاعب ثانوي، بل فاعل إقليمي يُعيد رسم خرائط الردع ضد الكيان الصهيوني، بسفن أقل، وبصواريخ لا تُكلف الملايين، لكن تُحدث آثارًا إستراتيجية لا تُقدّر بثمن.

قد لا تُعلن الحرب الشاملة بين صنعاء وتل أبيب غدًا، لكن المؤكد أن الهدوء لن يعود كما كان… وأن الضرب من البحر، هو في الحقيقة صوت الخوف من سماء اليمن.

 اقرأ أيضا:خبير قانوني لـ”صوت الشورى” مذكرة الاعتقال بحق نتنياهو وجالانت غير ملزمة للولايات المتحدة لكنها ستضع العديد من الضوابط على سياستها العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى