كتابات فكرية

سعيد الجناحي..مواقف ثابتة حتى الرحلة الأخيرة

سعيد الجناحي..مواقف ثابتة حتى الرحلة الأخيرة

#شوقي شاهر

عندما تتباين المواقف،  وتتضارب المصالح، وعندما يتمترس الفرقاء كل خلف خندقه، وعندما يغيب صوت العقل وتغيب معه مصلحة الوطن، وحين يظهر دور الانتماءات الضيقة والولاءات التي لاتؤمن بالآخر، في ذلك الوقت يكون من الصعب تحديد بوصلة الاتجاهات والمواقف القادمة مالم يتحلى أصحابها بعمق الرؤية والروية التي تجسد الإدراك الكامل والفهم العميق لتفاصيل اللحظة وحدود الموقف وأين يبدأ وأين  ينتهي. وعندما يجتمع الحلم والعلم والمعرفة  لدى هؤلاء فإن  الحكمة تكون هي  سيدة الموقف، ويكون التجسيد الصادق لمعاني الولاء للوطن أولاً. وفي هذا يبرز إسم الأستاذ سعيد الجناحي-رحمة الله عليه – كأحد أبرز من نتذكرهم في مثل هكذا لحظات ومواقف.

حيث جسّد – رحمة الله عليه – طوال حياته نسيجاً إعلامياً وسياسياً ونضالياً مختلفاً اتسم بثبات الموقف، وبالعقلانية  والسير وفق خطىً ورؤىً واضحةً لم يشوبها غموضاً أو التباساً  من أي نوع كان لاسيما وقد صادفته عبر مسيرته الكثير من المحطات والمواقف التي كانت ستمنحه حينها الكثير من المزايا والامتيازات ولكنه نأى بالنفس عن كل ذلك ليصنع بذلك مزيجاً مختلفاً من الألق الثوري والنضالي والمكانة السياسية والوطنية التي تليق به كإنسان وكمفكر وكمناضل.

 لقد كان- رحمة الله عليه – أحد الذين شاركوا وأسهموا في صناعة الكثير من الإحداث منذ انتمائه المبكر للحركة الوطنية اليمنية وحركة القوميين العرب وهو أيضاً المناضل السبتمبري والأكتوبري والشخصية أليسارية التي استطاعت بحكم خبرتها أن تبني علاقاتها مع كافة الاتجاهات والتيارات السياسية، مستفيداً بذلك  من تجربته و خبرته في العمل السياسي والحزبي والإعلامي.

لقد احتفظ بحضوره البهي  حتى اللحظات الأخيرة من عمره، وذلك على الرغم من  الصعوبات والتحديات التي واجهها مثله مثل   غيره من  الوطنيين الشرفاء، ومع ذلك لم يُحبط ولم ييأس، لكنه ظل متفائلاً رغم كل تلك الحجب السوداء والمنعطفات الحادة والمواقف التاريخية و المفصلية  التي مر بها الوطن وشابها  اختلاط الأمور يبعضها البعض  لاسيما في العقود الأخيرة التي  كانت الانتهازية في الأوساط السياسية من  أبرز سماتها، بالإضافة إلى التغيير المفاجئ، للمواقف والتنكر للقيم والمبادئ التي صاغتها عقود من النضال المشترك.

وعلى الرغم من كذلك وغيرها من الأسباب الموضوعية والذاتية التي كانت تمثل دوافعاً نحو التشاؤم واتخاذ مواقف تحث الخطى  نحو المجهول وتسير  خارج السياق النضالي، إلا أنه   وحده سعيد الجناحي الذي احتفظ بالأمل كعنوان لكل ماهو قادم. ولعل الصحيفة التي رأس تحريرها تحت أسم الأمل تجسد شخصية سعيد الجناحي الذي لم يبتعد  ولو للحظة واحدة  عن قناعاته ومبادئه والقيم التي تربى وعاش عليها و كان متمسكاً بها، لكنه أيضاً لم يكن من ذلك النوع  المتطرف إلى الحد الذي قد يغلق معه أبواب ونوافذ ذلك  الأمل ومن موقعه  هذا أصبح من أفضل الشهود على مراحل تاريخية صعبة شهدها اليمن شماله وجنوبه..ولذلك فإننا نتمنى أن نشاهد ونقرأ  مذكراته التي بكل تأكيد ستكون إضافة جديدة لتاريخ اليمن المعاصر،والتي بلا شك ستعيد الاعتبار للجوانب التي تم تجاهلها خلال تلك المراحل والمنعطفات. وبطبيعة الحال فأنا لاأدعي بأنه ممن عايش هذه القامة الوطنية عن قرب، ولكنني  عرفته شخصياً، ومن خلال أعماله وكتاباته، وهذا هو الاستنتاج الذي خرجت به عن الأستاذ المناضل سعيد الحناحي رحمة الله.

 وأتذكر بأنه ذات يومٍ في عام 2004 استضفته مع شخصيات  أخرى ضمن تحقيقٍ صحفيٍ أجريته بمناسبة الـ42 لثورة سبتمبر حول أهداف هذه الثورة وإنجازاتها ولكن مالفت انتباهي هو أنه كان يجمع في حديثه بين  الثورتين (سبتمبر واكتوبر) وحين سألته لماذا يعمد  إلى عدم الفصل في حديثه بينهما بينما الحديث هو سؤالي كان عن  أهداف ثورة سبتمبر فأجابني قائلاً “لايمكن الحديث عن سبتمبر دون الحديث عن أكتوبر، كما لايمكنك  الحديث عند ثورة 14 أكتوبر دون الحديث عن ثورة.. 26 سبتمبر”.

رحمة الله عليه وعلى امواتنا وأموات المسلمين أجمعين.اللهم آمين.

أقرأ أيضا:عن المطابخ التي بلا سقوف!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى