سرقة الشعوب..يمر عبر سرقة العقول
سرقة الشعوب..يمر عبر سرقة العقول
*آسيا العتروس
ليس من الصعب إطلاقا على من يزور المتحف البريطاني في العاصمة لندن الانتباه و منذ أول خطوة لوجود ألاف التحف الأثرية التي تخطف الأنظار و هي تحف من مختلف أنحاء المنطقة العربية ومن مختلف العصور و الحضارات بما يفرض على الزائر التساؤل من أين و كيف جاءت و من فرط فيها و بأي ثمن و الأهم كيف يمكن لأصحابها استعادتها؟
فهذا المتحف الذي يعد نحو ثمانية ملايين قطعة أثرية يحتاج لأكثر من زيارة لاكتشاف ما فيه من مقتنيات ترجع لعصورٍ مختلفة و بينها قطع تعود لعصر ما قبل الميلاد وتُحف تعود لعصر التاريخ القديم و معروضات تعود للعصور الوسطى المبكرة وأخرى تعود للعصور الوسطى المتوسطة والمتأخرة، بالإضافة إلى معروضات عن التاريخ المعاصر…و بعضها من بلاد الرافدين و أخرى تعود للحضارة الآشورية والفرعونية و قاعة بأكملها مخصصة للموميات الفرعونية و الفارسية والرومانية و اليونانية و الإسلامية و بينها حجر الرشيد و تمثال عشتار و دستور حامورابي ..والمثير أن المشرفين على المتحف كتبوا على احد جدرانه ا”ن بعض ما في المتحف تم اقتناءه و بعضه هدايا وبعضه جلبه جنود بريطانيون “… نستعيد هذه الصور عن المتحف البريطاني و نحن نتوقف عند كتاب صدر حديثا للمؤرخ الإسرائيلي ادم راز تحت عنوان “نهب الممتلكات العربية في حرب 1948” و الذي صدر عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار.. والحقيقة أن المتحف البريطاني جمه أيضا من الصور و المخطوطات والآثار و الخرائط التي جلبت من أريحا و القدس ما يشهد على ان فلسطين سبقت في وجودها كيان الاحتلال الإسرائيلي و أن مختلف الوثائق المعروضة في مختلف أروقة المتحف سواء ما تعلق بالحياة اليومية الفلسطينية من ملابس وسجاد وأواني طهي و بيوت الى ما يتعلق بالفلاحة والتعليم وغيرها تؤكد هذا التوجه وتشهد على ما تزخر به حياة الفلسطينيين من فن و موسيقى وثقافة و معارف …
وبالعودة الى ما دونه المؤرخ الإسرائيلي ادم راز فان الكتاب الذي يحتاج لوقفة عميقة من المختصين والخبراء والمؤرخين يشكل وثيقة إدانة ضد كل عمليات السلب و النهب الممنهج للموروث الفلسطيني للذاكرة الفلسطينية و العربية التي مارستها عصابات الهاغاناه والشترن منذ 1948نكبة ..بل أن صاحب الكتاب يفضح و يعري ما قام به بن غوريون ومن معه في تلك الفترة التاريخية الأولى للاحتلال الإسرائيلي …ويكشف صاحب الكتابة كيف انه لم يسلم شيء من ممتلكات الفلسطينيين الذين طردوا و شردوا من بيوتهم وقراهم و مدنهم من يافا و حيف وعكا و طبرية و القدس و الرملة و غيرها , وهو يعتمد في دراسته على أرشيف الدولة اليهودية وأرشيف الجيش الإسرائيلي فضلا عن شهادات الصحف الإسرائيلية و اخرى لمن شاركوا في تلك العمليات التي صفت ما حدث بانه مثل عمل الجراد الذي لا يخلف شيئا في طريقه …الواقع ان الاحتلال الإسرائيلي ومنذ البداية قام بالاستيلاء على كل ما تواجد لدى الفلسطينيين وفي بيوتهم أو ممتلكاتهم ومصانعهم و حتى مساجدهم ليسطو بذلك على ما فوق الأرض و ما في باطنها …والحقيقة أن هذه الممارسات لم تخرج عن إطار ممارسات كل المشاريع الاستعمارية السابقة و التي كانت تهدف إلى بالإضافة إلى سرقة الأرض إلى طمس الذاكرة الشعبية وإلغائها ومصادرتها بكل الطرق المتاحة …
قبل فترة أعلنت السلطات العراقية عودة “لوح غلغامش”، التاريخي وهو من أقدم النصوص الأدبية البشرية في العراق والذي يقدر عمره بـ3500 عام ويروي مغامرات أحد الملوك الأقوياء لبلاد ما بين النهرين في سعيه إلى الخلود… تم سرقة هذا الاثر الذي لا يقدر بثمن خلال أعمال نبش في موقع أثري فيما كان العراق غارقاً في حرب الخليج الأولى…و قد تمكن العراق من استعادة آلاف القطع الأثرية المنهوبة و قيل أن عددها 17916 رصدت في دول عدة بينها أمريكا وبريطانيا واليابان وهولندا وإيطاليا.. و جميعها كان لديها قوات ضمن القوات الدولية في العراق …
وفي اليمن اعل عن توجه لاستعادة نحو سبع و سبعين قطعة أثرية منهوبة من أمريكا و بعضها يرجع إلى القرن الأول قبل الميلاد على أن يتم الاحتفاظ بهذه الآثار في متحف واشنطن الى حين ربما انتهاء الحرب وعودة الاستقرار إلى هذا البلد الممزق من شماله الى جنوبه بسبب الصراعات والميليشيات والانتهاكات الإقليمية والدولية …وقبل ذلك أعادت أمريكا مات القطع الأثرية إلى مصر والعراق واليونان وإيطاليا وكمبوديا والهند وباكستان…لا نعرف أن هناك بلدا تعرض للاحتلال لم يتم نهب ثرواته ولم يسلب ما لديه من كنوز أثرية أو طبيعية أو فكرية أو علمية أو ثقافية تم تزويرها و تهريبها او التفريط فيها بأثمان خيالية …
الأكيد أن سرقة الشعوب والأوطان يمر عبر سرقة العقول و تجميدها و تحنيطها حتى يسهل تدميرها و إلغاءها و هذا ما حدث و يحدث في مختلف مجتمعاتنا التي تتعرض للتغريب الممنهج في مسيرتها اليومية تحت شعارات مختلفة ..
أقرأ أيضا: معيار نجاح المبادرة الصينية في الحرب الروسية الأوكرانية
كاتبة تونسية