كتابات فكرية

زمن يُلام فيه صاحب الموقف

 زمن يُلام فيه صاحب الموقف

  • احمد سليم الوزير

الاربعاء16أبريل2025_

نحن نعيش في زمن معكوس، زمن يُلام فيه صاحب الموقف، ويُمجَّد فيه الخانع، حتى غدا الدفاع عن العرض والكرامة تهمة تستوجب النقد، بينما أصبح الصمت والرضا بالمهانة يُسوَّقان كحكمة وبعد نظر.

تخيلوا أن إنسانًا دافع عن عرضه، وقُتل في سبيل ذلك، كيف ستنظر إليه المجتمعات؟ إن كانت النفوس عزيزة، فسيُخلَّد اسمه، ويُروى فعله للأجيال كبطل استشهد وهو يدافع عن كرامته، فيُصبح قدوة. أما إذا كانت النفوس دنيئة، فسيتساءلون ببرود: “ما الذي استفاد؟ لقد قُتل وخسر عرضه! ألم يكن من الأفضل أن يسكت ويعيش؟ ربما لو انتظر، لأخذ حقه بالقانون أو بالوسائل السلمية!”

 نعم، نحن في زمن اللوم.

 في غزة، هناك من يرفع السلاح، لا طمعًا في دنيا، بل دفاعًا عن دينه وأرضه وعرضه. ومع ذلك، لا يُنظر إليهم كبواسل، بل كـ”متهورين” في نظر أصحاب النفوس المستكينة. يُتهمون بالعبث، لأنهم اختاروا المواجهة على الخضوع، ولأنهم تجرؤوا على مقاومة قوة طاغية تتفوق عليهم عتادًا وعددًا.

 أين العرب؟ عندما نرى آلة الاحتلال الإسرائيلي تفتك بالأطفال والنساء في غزة، يُفترض أن تهتز القلوب، أن تغضب الشعوب، أن تنتفض الأنظمة. ولكننا نسأل بخذلان: أين العرب؟ أين من كانت تجمعهم النخوة حتى في الجاهلية؟ أين أولئك الذين كانت تثيرهم صرخة مظلوم، وتستفزهم دمعة يتيم؟

 عندما تتخذ دولة مثل جنوب إفريقيا موقفًا إنسانيًا أكثر شرفًا من بعض الدول العربية، يُصبح السؤال مشروعًا: هل بقي من العروبة شيء؟ هل بقي من الإسلام إلا الاسم؟ هل حقًا أصبحنا كغثاء السيل، لا وزن لنا ولا تأثير؟

 أتذكر “عاصفة الحزم” التي أعلنتها السعودية من أمريكا ضد اليمن، وكيف تسابق العرب لضرب بلدٍ عربي، وجنّدوا لها الإعلام والدبلوماسية، بل والفتاوى! رأينا حينها كل ألوان الدهاء والخديعة، وكل أشكال الحزم… لكن ضد من؟ ضد اليمن!

 أما حين أصبح المستضعف هو طفل غزة، لم تبقَ من تلك “العاصفة” حتى نسمة خفيفة. توارت كل الحناجر التي كانت تصرخ، وانكفأت أغلب الأنظمة، وبعضها لم يجرؤ حتى على إغلاق سفارة للاحتلال!

 في هذا الزمن، لم يبقَ إلا اليمن.

 اليمن وما أدرك ما اليمن، يوسف هذا العصر، الذي تآمر عليه إخوته. لكنه بقي شامخًا، رافع الرأس، وأطلق صواريخه المتواضعة في وجه الجبروت، في وجه الطغيان. هدّد المستكبرين، ووقف وحيدًا مدافعًا عن المظلومين، بينما تنكّر كثير من العرب للقضية، أو تواطئوا مع العدو.

 لقد أثبت اليمن، أنه في أقصى جنوب الجزيرة العربية، ما زال هناك قوم عربٌ بحق، ومسلمون بحق، رجالٌ لم يبدّلوا ولم يبيعوا.

 اقرأ أيضا:ترويض البشر

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى